السايس مهنة مصرية أصيلة ضاربة بجذورها في المجتمع، ولا يوجد نظير لها في أي بلد في العالم.
السايس هو الشخص الذي يساعد الناس في ركن سياراتهم في جوار الرصيف، ويحافظ عليها في فترة غيابهم مقابل أجر معين. فبعد أن تركن سيارتك وتنزل منها، يظهر فجأة شخص يفتح لك الباب، ويقول لك بابتسامة سمجة: "حمد الله على السلامة يا بيه".
كان السايس قديماً العامل المسؤول عن رعاية الخيل والحمير، فكيف تحول ذلك المصطلح إلى ظاهرة خارجة عن القانون في شوارع القاهرة؟
من هو السايس؟
تطلق كلمة سايس على الشخص الذي يقوم بتأجير مساحة من الشارع لركن السيارة، بوضع اليد، نتيجة سيطرته على المكان. تحول هذا الفعل إلى ظاهرة يقودها أباطرة كبار، ونظام كامل للسيطرة، وتقسيم الشوارع في ما بينهم داخل الأحياء، وتدر آلاف الجنيهات يومياً، على أشخاص مجهولين يعملون من دون تصريح أو ترخيص. يعمل السايس غالباً تحت رعاية بعض أفراد الشرطة، بتنسيق مبطن بين المسؤولين عن الحي والشرطي مقابل جزء من الدخل. السايس شخص متمرس، ذو نظرة ثاقبة، يعرف نوع الزبون ومستواه المادي من نوع سيارته، التي تحدد كم سيطلب منه مقابل ركنها. وتتراوح المبالغ من 5 إلى 20 جنيه، أو دولار واحد، بحسب المنطقة التي يركن فيها أيضاً. نجح السايس في أن يخترع لنفسه أدوات، يعمل بها، مثل فوطة صفراء وصافرة تشبه التي يستخدمها أفراد المرور، يوجه بها السيارات إلى أماكن الانتظار العشوائية. ويعمل في هذه المهنة البلطجي و"خريج السجون"، والجامعي. ازدادت ظاهرة السايس بعد ثورة 25 يناير، لتتحول من مهنة فرد "يسترزق منها"، إلى جماعات تسيطر على مناطق بالكامل، وأصبح الأمر عبئاً على أصحاب السيارات. وقسمت الشوارع إلى مناطق نفوذ، يفرضون عليها إتاواتهم، ويعتدون على معارض دفع الإتاوات، فيقومون بالتشاجر معه، أو تحطيم زجاج سيارته، أو تفريغ الإطارات الأربعة.لماذا يخضع الشعب للسايس بملء إرادته؟
يعتبر الزحام المروري الشديد في القاهرة وضواحيها، وتكدس السيارات، ونقص الأماكن المخصصة للانتظار، أهم أسباب انتشار ظاهرة السايس. لذلك، لا تنزعج حين تبحث عن مكان تركن فيه سيارتك في أحد الشوارع، ويظهر لك شخص طويل القامة، عريض، ويقول لك بصوت مفزع: "أهلاً يا بيه هتتأخر حضرتك شوية، كل سنة وأنت طيب يا باشا، اركن هنا الساعة بـ5 جنيه يا باشا". ليعلن قانوناً موازياً لقانون الدولة الغائب. تقول المحامية إيمان بدر إن السايس يجبر الزبون على دفع تعرفة الانتظار في الشارع "بالغلاسة"، أو بإقناعك بإعطائه مفاتيح سيارتك والذهاب مطمئناً لقضاء أعمالك، مقابل حراسة السيارة حتى عودتك. وتوضح أنها تلجأ للسايس، لأنه يعرف كيف يفاوض رجال الشرطة في حال نزل رجال المرور لرفع السيارات المركونة في أماكن غير مخصصة لذلك، حتى يأتي أصحابها. كما يعرف كيف يفاوض شرطة البلدية إذا كانت السيارة مركونة في مكان ممنوع.من جهتها، تشتكي الموظفة وفاء ماهر خليل من التكاليف الباهظة التي تدفعها يومياً مقابل ركن السيارة مع السايس، الذي يحتكر الشارع. وتقول: "أنا أدفع للسايس في المتوسط 50 جنيه يومياً (3 دولارات) كي أركن أمام البنك، ولأنه يعرف أنني موظفة في البنك يأخذ 20 جنيهاً كل مرة وإلا أدوخ في وسط البلد بحثاً عن موقف ولا أجد". وتضيف وفاء: "تتكرر المأساة عندما أذهب لأنقل أولادي من المدرسة، فأدفع 10 جنيهات في 5 أو 10 دقائق إلى حين خروجهم. ولو ذهبت إلى أحد المتاجر أو السوبر ماركت، أدفع 20 جنيهاً أخرى، حتى خروجي من المتجر، ما يعني أن راتبي يذهب إلى جيب السايس شهرياً!". في حال رفضت الخضوع للامبراطور الذي يسيطر على شارعك، قد يحصل معك مثلما حصل مع توفيق، الذي تعرضت سيارته لتخريب من الخارج وبعض الخدوش، لرفضه دفع المبلغ المطلوب للسايس، وكلفه إصلاحها مبلغاً كبيراً.الحياة معه صعبة والحياة دونه أصعب… من هو ذلك السايس، الإمبراطور الذي يحكم شوارع القاهرة؟
ما رأي السايس بسياسته؟
لدى الحديث مع عدد من السياس الذين يجولون في شوارع القاهرة، أكّدوا أنهم يعملون تحت أعين أفراد وزارة الداخلية وبالتعاون معهم، لذلك لا يمكن للسايس الغدر أو خيانة أي عميل لأن أمناء الشرطة في الأقسام يسجلون اسم السايس في الشارع حيث يعمل. وفي حال حدوث أي تجاوز، يقومون بإحضار السايس ومحاسبته. كما تسمح لهم الشرطة بالعمل من خلال تأجير الشوارع، واقتسام الأجر معهم ومع بعض العاملين في الأحياء. يقول السايس علي عبد البر غريب: "ليكون السايس ناجحاً في عمله، يجب أن يحب هذه المهنة، ويكون على علم بكل المصطلحات التي يتعامل بها مع أصحاب السيارات لتحديد أجرة الركنة، بحسب مستواه المادي، منذ اللحظة التي يراه فيها، ليتمكن من إقناع جميع أصحاب السيارات بالخضوع لطلباته". ويروي السايس خالد أحمد النبوي، أنه شاب جامعي، حاصل على بكالوريوس من جامعة القاهرة كلية تجارة، تخرج من 5 سنوات، ولم يجد عملاً مناسباً لمؤهلاته العلمية، فاضطر إلى ممارسة هذه المهنة ليتمكن من تأمين حياته. يقول: "لم أجد إلا شغل الشارع، أركن العربيات وأكسب منها بالحلال أفضل من جلسة القهوة وشرب المخدرات". أما السايس متولي، فحكايته مختلفة. يقول: "بعد خروجي من السجن حاولت أن أجد عملاً جيداً، لكنني فشلت، فعرض علي أحد العاملين في المهنة العمل معه لملاحقة الزبائن كي لا يغادروا دون دفع مقابل الانتظار".والدولة "سايبة" شعبها
عجزت الدولة المصرية عن مواجهة الظاهرة، وبدأت الأحياء التفاوض مع هؤلاء الأفراد لتنظيم عملهم، ليكونوا تحت رقابة المحليات. حتى أن تفاقم المشكلة، دفع بعض نواب البرلمان، للتقدم بطلب إحاطة إلى لجنة الإدارة المحلية لمناقشتها ووضع حلول لها. في حديثٍ هاتفي مع النائب منى منير، وصفت السايس بـ"بلطجي الطرق"، وقالت إن تفاقم الظاهرة سببه غياب الرقابة المحلية على الشوارع، وترهل جهاز الأمن المتعاون معهم بشكل مبطن. كما طالبت بتقنين أوضاع السيّاس، باعتبارهم فئة من المجتمع، واستخراج سجل أمني ومنحهم تراخيص للعمل، ووضع دفاتر مختومة يحدد بها تعرفة الانتظار وعدد الساعات، على أن يدخل المال إلى خزينة الدولة ويتم تحديد رواتب خاصة بالسيّاس. من جانبه، أشار اللواء محمد الشيخ، سكرتير عام محافظة القاهرة، إلى أن المحافظة بدأت بوضع ضوابط للتعامل مع السايس، ليكون عمله تحت مظلة القانون، ووضع تعرفة محددة لركن سيارات المواطنين. وأضاف أن الضوابط الجديدة سيتم تطبيقها خلال فترة تراوح من 3 إلى 6 أشهر، بالاشتراك مع الإدارة العامة للمرور في القاهرة، ومديريات الأمن في المحافظات. مشيراً إلى أنه سيتم تعميمها على مستوى الجمهورية، وستكشف الأجهزة المعنية عن سلوك السيّاس، وسيتم استبعاد البلطجية منهم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...