الواقي الذكري هو الحل الوحيد أمام نساء مصر اللواتي يجلن من صيدلية لأخرى، بحثاً عن حبوب منع الحمل، ولا يسمعن سوى الإجابة التالية "ريحي نفسك ومتدوريش عشان مش هتلاقي".
منذ شهر مارس 2016، اجتاحت أزمة اختفاء حبوب منع الحمل صيدليات مصر، لتترك النساء في حيرة اجتماعية، تتوجها حالات إجهاض سرية، وسط أزمة اقتصادية خانقة. وراجت الحملات الإعلانية الساخرة التي تتغنى بالواقي الذكري، للحد من مصروف "الببرونات والحفاضات".
دخلنا إحدى صيدليات القاهرة لنستفسر أكثر عن هذه الأزمة. تقول الصيدلانية مروة نادي إن الأزمة "لم تترك بيتاً مصرياً إلا وأثرت عليه، لا سيما أن معظم السيدات المصريات يفضلن استخدام الأنواع المستوردة من الحبوب".
ورغم وجود الأزمة منذ أوائل العام الماضي، فإنها تصاعدت فور انهيار العملة المحلية أمام الدولار، لأن كل الشركات، إما تستورد هذه الأدوية أو تستورد المادة الفعالة بها، عوضاً عن اختفاء الحقن المستخدمة في منع الحمل، التي زادت من حدة الأزمة أيضاً.
وأضافت: "نحن كصيدليات لا نحصل إلا على عبوتين أو ثلاثة شهرياً من حبوب منع الحمل، وفي بعض الشهور، لا نحصل على أي منها، لذا لا نصرح بوجودها إلا لزبون الصيدلية، الذي نحافظ على علاقتنا به ونحاول إرضاءه ليبقى عميلنا".
وتوضح: "مع اختفاء الحبوب والحقن، لجأ البعض للواقي الذكري في بداية الأمر، إلى أن ارتفع هو الآخر مع ارتفاع سعر الدولار، فزاد سعره نحو 35%، خصوصاً الأنواع الجيدة منه". مشيرةً إلى أن الأسعار لن تعود لسابق عهدها، وعلى العميل أن يتحمل فرق الأسعار وحده.
ماذا عن حالات الحمل بالخطأ؟
تقول الدكتورة ليلى مختار، استشارية أمراض النساء والتوليد في إحدى الجمعيات الخيرية، إن الأزمة هي صراع دائر من أواخر العام الماضي حتى الآن، بين وزارة الصحة وشركات الأدوية الخاصة، بخصوص الأسعار الجديدة للأدوية. فشركات الأدوية تريد رفع الزيادة لتصل إلى أكثر من 50%، فضلاً عن زيادة نحو 15% كل فترة، مقابل تعنت الحكومة التي لا تريد الفصل في الموضوع بشكل واضح، فلا توفر الدواء الناقص ولا تتوصل لحلول مع هذه الشركات"."ربي عيالك والبس ديوركس علشان ده مش وقت عيال تاني".. الواقي الذكري vs اختفاء حبوب منع الحمل في مصروعن السيدات اللواتي يأتين إليها لإيجاد حلول، تشير: "لا أجد رداً مناسباً أقوله لهن، لعلمي أن الأزمة امتدت للحقن أيضاً، ولا يمكن أن أنصح إحداهن باستخدام الأنواع القديمة المحلية التي يوفرونها في الوحدات الصحية، لما لها من آثار جانبية كبيرة مثل ارتفاع الضغط والصداع الشديد، واضطرابات الهرمونات، وآلام الجسم والغثيان". تضطر النساء بحسب مختار للجوء إلى الوحدات الصحية، والرضا بهذه الحبوب "التي عفا عليها الزمن، ولم يتم تحديث المادة الفعالة بها منذ أكثر من أربعين عاماً"، ومع ذلك لا يجدنها. وتشير إلى أنها تواجه حالات حمل بالخطأ أكثر من المعتاد، لكنها ترفض تماماً إجراء الإجهاض، رغم علمها أنه حمل غير مرغوب فيه.
"الضنا غالي ديوركس أرخص"
وفي محاولة لاستغلال الأزمة، ورفع نسبة المبيعات، قامت شركة ديوركس المنتجة للواقي الذكري بالترويج لمنتجها بطريقة أكثر واقعية. فأرفقت صورة المنتج بجُمل تحفز على استخدامه، بدلاً من التورط في حمل غير مرغوب فيه، ومشكلات أنت في غنى عنها. فاستخدمت جُملاً مثل: "ربي عيالك والبس ديوركس علشان ده مش وقت عيال تاني... ولو شايف إنه غالي لازم تعرف إنه أرخص من مصاريف تانية كتير". وفي إشارة أخرى لخطورة حقن منع الحمل، قالوا فى إحدى جُملهم الترويجية: "ده مش هالووين دي حقن منع الحمل. اللي اتلسع من الإبرة يلبس ديوركس. حقن منع الحمل من أخطر الوسائل اللي ممكن تسبب نزيف وتضر شريكتك".الحصول على حبوب الإجهاض من السوق السوداء
تحكي منى سليمان مشكلتها مع أزمة اختفاء حبوب منع الحمل: "منذ قررت الاكتفاء بأطفالي الثلاثة، وأنا أستخدم حبوب منع الحمل، خصوصاً أن جسدي لم يتقبل اللولب كوسيلة منع حمل بديلة أكثر من مرة، شعرت بالأزمة من نحو ستة أشهر، فلم أجد النوع الذي تعودت عليه واضطررت لقبول أي نوع آخر مؤقتاً، إلى أن توقفت عن إيجاد أي نوع من أنواع الحبوب، فلجأت لوسيلة أخرى، هي الحقن، التي تؤخذ كل ثلاثة أشهر، لكنني فوجئت أنها غير متوفرة أيضاً". اكتشفت سليمان أنها حامل، ولم تكن تستطيع الاحتفاظ بالحمل، "في ظل سعار الأسعار الذي نعانيه في مصر، وتحديداً الأسر الرقيقة الحال التي أنتمي إليها" كما تقول، فخاضترحلة مضنية أخرى للحصول على حبوب الإجهاض، إلى أن وجدت منها بسعر 1000 جنيه للشريط الواحد من السوق السوداء، بصعوبة شديدة وفي تكتم وحذر. تقول: "قمت بإجهاض نفسي منزلياً ولكن إلى متى سنظل نعاني ما نعانيه؟". أما رويدا سليمان، فتقول: "وصل الأمر بي أنا وزوجي لدرجة أننا أصبحنا نوصي أصدقاءنا في الخارج بشراء حبوب منع الحمل وإرسالها مع معارفهم الذين ينوون زيارة مصر في أقرب وقت، وبأي سعر. وبالفعل وجدنا أن كلفة العبوة الواحدة في دولة مثل السعودية وصلت إلى نحو 150 جنيهاً مصرياً (8 دولارات)، في حين أن سعره في مصر كان 30 جنيهاً فقط (1.6 دولار)، بعد أن وصل في السوق السوداء إلى 70 جنيهاً (3.7 دولارات) حتى شهر سبتمبر 2016، قبل أن يختفي تماماً". وتضيف: "جربنا الواقي الذكري، لكننا اكتشفنا أن سعره ارتفع أيضاً ولا يوفر درجة الأمان نفسها التي توفرها الحبوب، كما جربت حبوب منع الحمل القديمة التي توفرها الوحدات الصحية التابعة لوزارة الصحة، وتعبت جداً منها، إذ لم أستطع حتى الذهاب لعملي، وعندما لجأت إلى طبيبتي، نصحتني بالتوقف عنها فوراً لأنها لا تناسبني، وتظهر أعراضها الجانبية على جسدي بشكل سريع". ومع كل هذه الحيرة والغضب من الأسر المصرية، لا مفر من التساؤل عن مدى جدية السلطات في حل الأزمة سريعاً، ومدى سعيها إلى تخفيض معدلات الإنجاب في مصر، وهي التي لطالما ناشدت المصريين، منذ عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، لتنظيم الأسرة؟ سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة التي قد تشهد زيادات مطردة في أسعار الدواء حتى شهر مايو 2017.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...