قبيل أحداث 30 يونيو عام 2013، اصطفت جميع القوى والتيارات المدنية في مصر خلف القوات المسلحة، وشاركت في البيان الذي أطاحت بموجبه قيادة الجيش بحكم الإخوان المسلمين، لكن بمرور الأيام وتوالي الأحداث الساخنة، شرع عدد من رموز التيار المدني سواء من الليبراليين أو اليساريين أو القوميين إلى التخلي عن دعم الرئيس الحالي وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي.
من محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت الذي استقال اعتراضاً على الفض الدموي لاعتصامي أنصار الإخوان في رابعة العدوية والنهضة، وصولاً إلى كتاب وإعلاميين لطالما نذروا أنفسهم للدفاع عن السيسي وسياساته وقرارته مثل علاء الأسواني ويسري فودة، مروراً بسياسيين، منهم حازم عبدالعظيم عضو الحملة الانتخابية للرئيس المصري الحالي، انتهاءً بالحركات الشبابية الثورية والأحزاب السياسية، تحولت معظم التيارات المدنية إلى معارضة النظام المصري.
عدد من رموز التيار المدني حكوا لرصيف22 كيف اصطفوا بحرارة خلف السيسي لوأد الحكم الإخواني، وكيف تحولوا إلى معارضته، وأجابوا عن إمكانية تحالفهم مجدداً مع الإسلاميين.
هل كان هدفهم من المعارضة إسقاط النظام أم الضغط عليه لتعديل سياساته، وهل لديهم القدرة على تقديم البديل المدني؟
مساندة الدولة
"الخيار كان واضحاً لنا، وقفنا مع دولتنا ضد مؤامرة الإخوان والقوى التي تخطط لتمزيق مصر، وساندنا مؤسسات الدولة لحماية البلاد من الانهيار". بهذه الكلمات يبرر "أحمد بهاء شعبان"، رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي، مساندة التيار المدني للسيسي، مشيراً إلى أن هذا التأييد كان مبنياً على قواعد عقد اجتماعي جديد يتضمن تنفيذ برنامج الثورة وشعارات الجماهير ممثلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وشرح شعبان: "لما بدأ الصدام مع الإخوان ساندت القوى الديمقراطية القوات المسلحة، من أجل حماية الدولة من التفتت والتحطم، وتأييداً لوطن يتعرض لمؤامرة قوى شرسة وعميلة لقوى خارجية". وشدد على أن التيار المدني كان من أهم ركائز "30 يونيو"، واتخذ موقفاً بالإجماع مسانداً خروج الشعب المصري لإزاحة حكم الإخوان، وجعل حركة الجيش مقبولة ومنع وصمها بالانقلاب العسكري. لكن التيار المدني الذي لم يبدأ بالخصومة مع السيسي، فوجئ بخطة ممنهجة لوأد الثورة ومعاقبة من شارك فيها، وفقاً لشعبان، فتفتت الحلف الذي واجه الإخوان، وأصبحت الأحزاب معزولة عن العمل العام وينظر اليها باحتقار وعداء. كما أن قانون تنظيم التظاهر تحول إلى سيف مصلت على القوى السياسية المدنية، ولم يعد من صوت مسموع سوى صوت مَن ينافق السلطة، في حين صوت المعارضة غائب. ويكمل شعبان: "تمت مصادرة الأصوات المختلفة في الصحافة، أما الأهم فهو ممارسات الانحياز الاقتصادي، فتم تجاوز العدالة الاجتماعية واتخاذ اجراءات معادية للفقراء والعمال ومحدودي الدخل، حتى الطبقات الوسطى تم سحقها، وأصبح قاعدة النظام وحلفائه رجال المال والأعمال وتم اتخاذ كمية قوانين ضخمة لبيع القطاع العام وخصخصة البنوك في إطار منهج اقتصادي وسياسي شامل أدى إلى فجوة بين النظام والقوى المدنية والقطاعات الشعبية التي كانت تساند النظام في البداية بكل حماسة وتفاؤل. ولكن السياسي اليساري يستبعد أن يتكرر مشهد تشكيل جبهة انقاذ ضد نظام السيسي مثلما جرى في عهد الإخوان، مشيراً إلى أن الجبهة تشكلت في لحظة تاريخية يصعب تكرارها وضمّت القوى المدنية بأكملها وبقية نظام مبارك وأجهزة الدولة العميقة والأقباط والمؤسسة الدينية والأمنية، التي اجتمعت على كراهية حكم الإخوان، ولكن الآن فإن جزءاً من هذا الجبهة انحاز للسيسي مثل حزب المصريين الأحرار وجزءاً آخر آثر الانزواء والامتعاض وبالذات الشباب الذي أحبط بشكل كامل. وتوقع أن تتشكل جبهات سياسية جديدة مختلفة، مثل جبهة الاحزاب اليسارية، مشيراً إلى أن هناك متغيرات اجتماعية حدثت والناس صامتة تقديراً للحرج الذي تمر به الدولة، لكن غضب الناس متوقع وخروجهم في موجة ثورية ثالثة غير مستبعد.موالين للنظام المصري الحالي ومدافعين شرسين عنه تحوّلوا إلى معارضته.. يروون هنا أسباب هذا التحولواستبعد عودة القوى المدنية للتحالف مرة أخرى مع الإخوان، نعتبراً أن "الجماعة تحولت إلى قوة غير وطنية، ومهما كان النظام ظالماً أو مستبداً فهو أفضل من الإخوان".
خلافات موضوعية
ورأى الحقوقي والمحامي نجاد البرعي، أحد رموز المجتمع المدني الذي خاض معركة شرسة ضد حكم الإخوان، أن الخلاف بين التيارات المدنية ونظام السيسي، خلافات موضوعية مشدداً على أن القوى المدنية لا تحاول أن تكون بديلاً للنظام ولا تطالب بذلك، لكنها ترفع مطلب الديمقراطية وتعارض تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان. والخلاف بينها وبين النظام ينصب على قضايا وسياسات وممارسات، مثلما كان الحال مع نظام الإخوان ومن قبل المجلس العسكري ومبارك، برأيه. وطالب البرعي النظام بأن يلتزم بالقانون والدستور ويدير حواراً لإنهاء الخلافات مع القوى المدنية، مشدداً على أن الخلاف بين الجانبين وصل بالفعل إلى حالة من الصدام بسبب الممارسات المرفوضة، لكن الأمر لم يصل إلى المطالبة بإسقاط النظام. لكن التيار المدني قد يشرع في خلع الشرعية عن النظام لو سلم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وفقاً للبرعي، ولم ينجح في الحفاظ على حدود الوطن.معاداة الثورة
"موقفي بعد ثورة 25 يناير من أي نظام هو مدى التزامه بتحقيق أهداف الثورة، ومعارضتي للإخوان في الحكم كانت بسبب نهمهم للاستئثار بالسلطة والابتعاد عن مطالب 25 يناير، لهذا السبب أيدت خريطة الطريق التي أعلنها السيسي، وليس ذلك تأييداً للسيسي كشخص أو لغيره، وهو ما يتهمني به بعض الإسلاميين، لكن هذه مزايدات مرفوضة". بتلك الكلمات يروي مختار كامل مؤسس تحالف المصريين الأمريكيين بواشنطن، لرصيف22 تجربته في تأييد السيسي ثم التحول إلى معارضته. ورأى مختار كامل أن القول بأن التيارات المدنية أيدت السيسي ثم انقلبت عليه لأغراض خاصة، أو لأنه لم يمنحها من الهبات ما كانت تطمع إليه، متوقع في جو مسموم ومليء بالفساد، مشيراً إلى أن الشخصيات الممثلة للتيار المدني متنوعة جداً، ويصعب اتهامها كلها بعدم النزاهة إلا من باب المزايدات، مؤكداً إن النزهاء منهم أيدوا 30 يونيو قلقاً وخوفاً من تحالف الإخوان والسلفيين في السلطة، ولم يكن أمامهم اختيارات سوى (إما العسكر أو الإخوان والسلفيين)، وهؤلاء عارضوا السيسي بسبب سياساته المضادة للثورة. وشدد كامل على أن النظام الحالي أصبح يعمل بكل قوة للقضاء على أي أثر لـ25 يناير ومحوها، إضافة إلى بيع الأمن القومي كما يظهر في قضيتي سد النهضة وتيران وصنافير، علاوة على إغراق البلد في الديون تمهيداً، على ما يبدو لبيع أصول الدولة لرأسمال أجنبي. وطالب بضرورة إحداث توافق مع مختلف تيارات المعارضة بما فيها الإسلاميون، بناء على قواعد متفق عليها تضمن عدم ديكتاتورية الأغلبية وعدم ظهور فاشية أيا كانت، عسكرية أو دينية أو رأسمالية. وازدياد المعارضة المدنية لنظام السيسي يزيد من تآكل نظامه، في رأي كامل، أما سيناريو المستقبل فيصعب التنبؤ به نظراً لكثرة متغيرات المعادلة، مستبعداً في الوقت الحالي أن تشكل التيارات المدنية وحدها، نواة صلبة ضد النظام، لافتاً إلى أن الكتلة الكبرى من الشعب لم تفهم بعد معنى التيارات المدنية بسبب الثقافة العجوز السائدة".توحش النظام
"تأييدي لنظام ما بعد 30 يونيو هو نتاج طبيعي لموقف جبهة الانقاذ وقياداتها. وكنت ربما أكثر اعضاء الجبهة تأييداً للسيسي، وأسهمت من خلال تواجدي بالدوحة والاطلال عبر قناة الجزيرة، في توضيح صورة 30 يونيو على أنها امتداد طبيعي لـ25 يناير". بتلك الكلمات يقص مجدي حمدان نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية والقيادي بجبهة الانقاذ لرصيف22، مسيرة تأييده لنظام السيسي التي انقلبت في نهايتها إلى معارضة شرسة. ويوضح حمدان أن سبب تحوله للمعارضة هو توحش القبضة الأمنية، والحبس العشوائي لثوار 25 يناير، والترسيخ المستمر في وجدان النظام بأن المواطن المصري هو المعيار الوحيد للدخل القومي، وخدعة قناة السويس الجديدة التي لم تزد الدخل القومي، والانتهاكات المستمرة للدستور والقوانين المخالفة العديدة، ومنها قانون القيمة المضافة والخدمة المدنية وارتفاع الأسعار والتهجير القسري لأهالي سيناء وانتهاءً بالتنازل عن جزء من إقليم الدولة. وفي رأي حمدان، فإن التيار المدني لا يدخل في حسابات النظام وهو يستعيض عنه برجالاته ويتعمد أن يهمّش الحياة السياسية والأحزاب ليسير على نفس نهج مبارك بتأصيل فكرة أنه لا وجود لبديل، لكن التيار المدني بصدد إعداد بدائل كثيرة وأسماء كبرى للانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن التخوف من محاربة هذه الأسماء من قبل الإعلام تجعل من الحكمة الصبر حتى انتهاء 2017. ورأى القيادي بجبهة الانقاذ إمكانية التعاون المشترك بين التيار المدني والتيار الإسلامي شريطة تخلي الإخوان عن عودة مرسي وإعلائهم للمصلحة الوطنية، وعدم تجاهل بنود خارطة الطريق والدستور في النص صراحة على ضرورة إقرار العدالة الانتقالية والمصالحة.رأي الإسلاميين
في المقابل يعتبر الدكتور خالد سعيد المتحدث باسم الجبهة السلفية، المتحالفة مع الإخوان، أن التيارات المدنية في حقيقتها، تيارات علمانية لكنها "تتوارى من سوءة هذه الحقيقة السيئة السمعة"، مضيفاً أن "هذه التيارات لا تنمو في بلادنا إلا في ظل حكم الديكتاتوريات العسكرية". ويرى القيادي السلفي أن تلك التيارات لم تتخلَّ عن النظام وإنما هو تخلى عنها. ويعتبر أن تحول التيارات العلمانية إلى المعارضة لم يتضح بعد بصورة يمكن التعويل عليها، وذلك لأن طلب المغانم لا يستوي مع بطش الآلة العسكرية المسيطرة، وإنما هناك بدايات تململ في أوساط هذه التيارات بسبب إقصاء النظام لها، مشيراً إلى أن تلك التيارات لن تتحول إلى معارضة بشكل واضح، إلا إذا بات النظام منتهياً بالفعل.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...