شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"الزطلة" أو حشيشة تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 19 أغسطس 201609:33 م

يردد الجميع في تونس، لا سيما الأطفال، أغنية "مزاطيل" من دون أن يدركوا معناها، وهي قد أدّاها فنان مغمور في تونس بعد أن قضّى سنة في السجن لتعاطيه سيجارة "زطلة".

الزطلة باللهجة التونسية تعني اللذّة أو الانتشاء، وتشير أيضاً إلى مادة القنّب الهندي (أو الحشيشة)،  التي تعتبر من المواد المخدرة. تباع الزطلة خلسة في تونس بسعر يبدأ من 5 دنانير (2.70 دولار) ويرتفع حسب الكمية. يعبّر عن كمية الزطلة المرغوب فيها بـ"طرف بو خمسة أو طرف بو عشرة أو طرف بو عشرين"، وكلمة طرف هي كلمة محلية جزائرية تعني القطعة الواحدة.

المخدرات الخفيفة موضوع يتناقله الشباب همساً في الأماكن العامة، لكون القوانين التونسية قاسية في التعاطي معه، لكنه موضوع سجال يخوضه المجتمع الحقوقي والسياسي وناشطو المجتمع المدني بصوت عال.

تضاعف عدد متعاطي "الزطلة" منذ 2011 بعد التغيير السياسي الذي شهدته البلاد، والشباب هم الأكثر إقبالاً عليها.  تقدّر نسبة مستهلكي المخدرات في صفوف المراهقين والشباب بـ57% لدى الذين أعمارهم بين 13 و18 عاماً، وبـ36.2% لدى الذين أعمارهم بين 18 و25 عاماً، بحسب دراسة أصدرتها خلية علوم الإجرام في مركز الدراسات التشريعية والقضائية في تونس. وتعد الزطلة أكثر المواد المخدرة استهلاكاً بنسبة 92% يليها الكوكايين ثم الهيرويين.

الربط بين الشباب والزطلة وازدياد استهلاكهم لها يعود بحسب محمد الناصر النصيري، اختصاصي في الطب النفسي ومستشار لدى منظمات صحية وإنسانية، إلى أنّ هنالك شباباً عاشوا مع بدء الثورة فسحة من الحرية ومن الرغبة في إثبات الوجود، لكن ذلك لم يدم، فانكسرت أحلامهم وأصابهم التيه، "كل ذلك لم يولّد إلا الحلول الظرفية كالتطرف الديني والهجرة السرية والانزواء في الأحياء الشعبية لتعاطي المخدرات".

لكن يؤكد النصيري أن "استهلاك المواد المخدرة في تونس يعود لأجدادنا وليس مرتبطاً بالشباب فقط. خلال فترة الستينيات من القرن الماضي كان استهلاك مادة "التكروري" (عشبة كانت تُزرع في تونس ويتمّ وتجفيفها ثم لفّها في شكل سيجارة وتدخينها) مباحاً، إلا أن السلطة السياسية في ذلك الوقت شنّت حملة لاقتلاع كل النباتات المزروعة وتجريم مستهلكيها، وتزامن ذلك مع التشجيع على استهلاك الخمور ورفع الضرائب".

غالباً ما تكون أجوبة الشباب المستهلكين للحشيش عن سبب إدمانهم متشابهة "حبّيت نجرّب... عملت كمية... وامبعّد رصّاتلي في سيجارو... وتوّا وحلت معاها" اي "أردت القيام بتجربة فدخّنت نفساً واحداً وبعد ذلك دخّنت سيجارة والآن وقعت في فخ الإدمان".

يحذّر النصيري من "أنّ لذة الغياب عن الوعي والهروب من ضغوط الحياة والتغلب على الخجل والاكتئاب والقلق، ليست هذه كلها سوى فخ يقضي على القدرة على التحكم في استهلاك المخدرات ويحث على إدمانها".

يرتبط استهلاك الزطلة بالأحياء الشعبية في نظر الرأي العام التونسي، هناك حيث الكثافة السكانية العالية وتدنّي القدرة الشرائية وتفشي البطالة. معظم أغاني الراب التي يكون مصدرها تلك الأحياء تتناول موضوع "الزطلة"، وتشرح أسباب استهلاكها وتتطرق إلى كيفية انتشارها والمستفيد من ترويجها.

كما تصف الأجواء الحميمية التي تصاحب جلسات التدخين. أغانٍ تحمل في طياتها عبارات مثل "جونتة" وتعني سيجارة الزطلة، و"اكمي اكمي" أي دخّنها بشراهة ولا تكترث لما حولك. تنتشر الزطلة أيضاً في المعاهد الثانوية في تونس. يقول ماهر، طالب في إحدى ثانويات مدينة قفصة، أن ظاهرة تعاطي "الزطلة" منتشرة في معهده ولكنها غير مكشوفة للعيان.

في هذا السياق، قدمت منيرة قربوج، مديرة إدارة الطب المدرسي والجامعي، في عام 2013 دراسة حول المخدرات بالوسط المدرسي أجريت على عينة من تلاميذ تراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة في معاهد تونس الكبرى. وقد بينت الدراسة أنّ 50 إلى 75%  منهم يعتبرون أن استهلاك الزطلة لا يعدّ مشكلة ولا يرفضونه.

في السنتين الأخيرتين، شهدت تونس جدلاً واسعاً حول قانون استهلاك المخدرات، أو ما يعرف بقانون عدد 52 الصادر بتاريخ 18 مايو 1992 المتعلق باستهلاك المواد المخدرة (القنب الهندي). القانون يفرض على مستهلكي المواد المخدرة عقوبة ترواح بين سنة و5 سنوات سجن، وغرامة تراوح بين ألف و3 آلاف دينار (500 إلى 1500 دولار)، ما وحّد العديد من الجهات الحقوقية والسياسية على انتقاده، والمطالبة بضرورة مراجعته. 

ونتيجة الضغوطات التي مارسها حقوقيون ومنظمات إنسانية على الحكومات التونسية المتعاقبة، تم وضع مشروع قانون جديد يخفف عقوبة تعاطي المخدرات ويستبدل عقوبة السجن بخدمة تطوعية للصالح العام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image