شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"النفة" التونسية... مخدّر أبناء المغرب العربي المفضّل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 18 أغسطس 201610:40 م

في العراق يسمى "البرنوطي" وفي السودان "التمباك" وفي الجزائر "الشمة" وفي المغرب "الكالة" وفي تونس "النفة". هي أسماء كثيرة لمخدر خفيف يصنع من ورق التبغ الممزوج بعشبة "الرمث" الصحراوية، ويشكل جزءاً من موادّ "المزاج" العربي كالحشيش والقات والتبغ والشيشة.

ينتشر متعاطو "النفة" في كل أرجاء العالم ومنهم مشاهير. ويُروى أن المستشار الألماني الراحل، هلموت شميت، كان يعاقر هذا النوع من التبغ العتيق. كما تُعدّ "النفة" التبغ المفضل لدى لاعبي البيسبول في الولايات المتحدة الأمريكية.أما طريقة تعاطيه، فتبدأ بإعداد قطعة دائرية صغيرة من دقيقه الأسود ثم توضع القطعة ما بين الفك والشفتين لمدة عشر دقائق قبل بصقها.

يشكل السودان والحجاز والمغرب العربي، مناطق الانتشار الأوسع للنفة. فأكثر من 6 ملايين سوداني من أصل 32 مليون يدمنونها. أما في السعودية فيتم تهريبها كالمخدرات. وفي الجزائر تحتكر الدولة صناعة النفة، التي تسمى هناك بالـ"شمة"، فالشركة الوطنية للتبغ والكبريت، وهي شركة حكومية، تشرف على إنتاج نفة نظامية موضبة في أكياس جاهزة تحمل علامة تجارية تسمّى "ماكلة الهلال".

ومن الملاحظ وجود مسالك صناعة وتوزيع غير نظامية للشمة الجزائرية التي تنتشر في باريس ومرسيليا وبروكسيل حيت تقيم الجالية الجزائرية بكثافة. تنتشر النفة في أغلبية المجتمعات العربية المحافظة التي تمتاز بقوة سلطة الأب والعائلة.

ويقول الباحث في الثقافة الشعبية، منصور بوليفة، لرصيف22 إن "الانتشار الواسع لهذا المخدر في الأرياف والبوادي والمناطق ذات التركيبة القبلية المحافظة يعود إلى سيادة نموذج النظام الأبوي الذي يفرض على من يرغب في تعاطي كل أصناف "المزاج" التخفي وعدم المجاهرة. فهذا النوع المخفي من التبغ يعدّ أفضل من التدخين الذي مهما فعلت لإخفاء آثاره فإن رائحته تبقى عالقة".

في العديد من المجتمعات، يُعدّ "المزاج" من الأمور المعيبة ولا يجوز للصغار تعاطيه أمام الكبار، ولا النساء أمام الرجال، كما يُعدّ مُنقصاً من هيبة متعاطيه. وتدفع الظروف الاقتصادية الصعبة البعض إلى تعاطي النفة كونها زهيدة الثمن مقارنة بثمن الحشيش وغيره من أنواع "المزاج" الأخرى. هذا إلى جانب بعض المحاذير الدينية والأخلاقية التي تدفع بعض المتعاطين إلى تفضيلها على "المحرمات".

عاصمة "النفة"

في جنوب شرق تونس، وعلى بعد 500 كلم عن العاصمة تونس، تقع مدينة صغيرة تسمى تطاوين، وهي مركز محافظة كبيرة تُعدّ بوابة الصحراء التونسية. في هذه المدينة تتجاوز مكانة النفة كونها مخدراً بسيطاً وتتحوّل إلى مكون أساسي من مكونات الثقافة الشعبية. فعدا انتشارها الواسع بين الأهالي، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، للنفة في المدينة شارع باسمها هو أشهر شوارع تطاوين وفيه سوق تُباع فيه.

تسافر النفة التونسية مع أبناء المدينة إلى حيث يهاجرون. ترسلها الأمهات إلى أبنائهن في فرنسا وفي تونس العاصمة. وتخترق الجسم الطبقي والاجتماعي عرضاً وطولاً، فيعاقرها الأستاذ والمعلم والعامل والفلاح والتاجر ورجل الشرطة ونزلاء السجون. وحتى العابرون في المدينة يجربونها ومنهم من يعلق في براثنها من أول جرعة.

وبخلاف بقية محافظات تونس، يتعاطى الشباب في تطاوين النفة بكثافة في حين يقتصر تعاطيها على المسنّين في محافظات الشمال والوسط، ويشكل تلامذة المدارس وطلبة المعاهد شريحة واسعة من معاقريها.

من بين هؤلاء محمد (33 سنة)، موظف في إحدى الدوائر الحكومية ويتعاطى النفة منذ أن كان في الصف الرابع الابتدائي، أي أن له قصة عشق مع هذا التبغ العتيق تقارب الربع قرن وما زال متشبثاً به ولا ينوي الإقلاع عنه رغم اعتراض زوجته التي تعتبره مضراً بالصحة وغير نظيف ويشكل عائقاً أمام علاقتهما الحميمة.

أما الحاج الجيلاني (78 سنة) فإنه يشتغل في صنع النفة وبيعها منذ سنوات، وقد اعتاد كل صباح نشر بضاعته في شارع النفة الضيق. يقضي ليلته في سحق التبغ وخلطه مع عشبة "الرمث" التي تعطي مذاقاً حاراً للمسحوق ثم يضع المزيج في أكياس بلاستيكية صغيرة وعلب معدنية.

يقول الحاج الجيلاني إن للنفة مفعولاً عجيباً في تعديل المزاج وتنشيط المخ ويضيف ساخراً بلكنته الجنوبية: "رأس بلا كيف يلزمه السيف". ولترويج بضاعته أكثر، يزعم أن النفة "مقوٍ جنسيّ رهيب".

يذكر أن للنفة أضراراً صحية عديدة مماثلة لتلك التي يتسبب بها التدخين. فقد حذر اختصاصيون في مجال الأمراض التناسلية، من تعرض متعاطيها للضعف الجنسي، وسرطان الرئة، وسرطان الحنجرة، وسرطان المريء، وسرطان الفم، ولفتوا إلى أن الاستمرار في تعاطي هذه المادة فترات طويلة يسبب في المرحلة الأولى سرطان اللثة واللسان وإتلاف الغشاء المخاطي، الأمر الذي يستدعي تدخلاً جراحياً لاستئصال الورم، ومن ثم تبدأ أعراض عدم القدرة الجنسية، وضيق التنفس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image