في أسبوعه الأخير، اختتم قسم الفن الشرقي في متحف الأشموليان في أكسفورد البريطانية، معرضاً كان رائداً في اختيار موضوعه: "الفن الإسلامي والماورائيات". السحر والتمائم والأحجبة، وقوى ما وراء الطبيعة، من تسخير الجن، وعمل الأعمال لجلب الحبيب، والرزق بالمولود، واستخدام طاسة الخضة أو الرعبة، وقراءة الفنجان، وضرب الوَدَع. كل هذه المصطلحات ومدلولاتها، استخدمت عبر العصور المختلفة في العالم الإسلامي. وهذا المعرض، يقدم لنا عينة منها.
[caption id="attachment_85147" align="alignnone" width="700"]
أسماء الله الحسنى، من كتاب الصلوات، من القرن 17 م، وهي من تركيا أو الهند[/caption]
قدم المعرض أكثر من 100 قطعة، من المغرب والصين إلى أندونيسيا، من بين القرنين الـ12 والـ20. منها كتب، وأقمشة، ومجوهرات، وأوانٍ، في استكشاف لأشكال التعبير الفني في العالم الإسلامي: كيف تجلى البحث عن المجهول، والرغبة في ردّ الأذى والتأثير في مسار أحداث حياة الناس؟ مع أن فكرة التعامل مع القوى الخفية، تبدو أنها لا تنسجم تماماً مع نظرة الإسلام للعالم، فهي لا تتوافق مع مبدأ التسليم المطلق لله، الذي يحكم قدر الإنسان. إلا أن التأمل في الثقافة المادية يقودنا إلى قصص الحياة المعيوشة، والمفردات الفنية التي تناولت بها مجتمعات العالم الإسلامي هذه الأسئلة. وما نراه فيها هو تنوع يتدرج بين قطبين: من القبول بها بكل بساطة إلى شجبها ورفضها بالكامل.
[caption id="attachment_85135" align="alignnone" width="700"] كفّ للوقاية من السحر والحسد، مصنوعة من الذهب والياقوت والألماس واللؤلؤ، تعود للعصر الإسلامي القرن 18 - 19م، وهي أشهر رموز الحماية من الحسد[/caption]
زاوج المعرض بين فنون العرافة والطلاسم، والمصادر المكتوبة التي أغنت هذه الفنون. وتم اختيار القطع التي تعبر عن رغبة الإنسان الدائمة في أن يجد الحماية، ودفع الضرر والفأل السعيد، وذلك في صميمه يعبر عن مخاوف وآمال يومية لكل الناس، من الأغنياء إلى الفقراء. وبذلك، تتناغم مع الإيمان بقدرة الله الكاملة. في هذه القطع التي تعرض لأول مرة، نرى استخدامات في مناسبات خاصة وعامة، من بينها: كتب أحلام، وملابس كان يعتقد أن لها قوة سحرية تحمي من يرتديها، وتعاويذ مزينة بمجوهرات. تم تقسيم المعرض إلى ثلاثة محاور، هي:
1. تفسير الإشارات
[caption id="attachment_85127" align="alignnone" width="700"] قطعة مميزة لم يعثر على ما يشبهها، يمكن بها قراءة الطالع بدلاً من قراءته في الرمال. تعود للقرن 13م، ووجدت في دمشق[/caption] انتشرت فنون العرافة في العالم الإسلامي عبر العصور، ومع امتداد الإسلام على نطاق جغرافي واسع، تشربت هذه الفنون عناصر من تقاليد مختلفة، من البدو، واليونان، والشرق القديم، والهند. ومن الإيمان بالله وسخرة العالم له، لعبت العرافة دور تفسير وجوده في الإشارات، والأحلام، و "علم أحكام النجوم"، والطوالع. ولاقت قراءة الطالع الكثير من الرفض من رجال الدين، ومن العلماء كذلك، لكن ذلك لم يمنع انتشارها في أشكال عدة، كقراءة الأبراج، وقراءة الطالع في الرمال، وقراءة المستقبل في الأحلام، والكلمات المكتوبة كنوع من الحماية. هذا الرسم بالحبر والذهب يأتي من تركيا عام 1800، ويحكي قصة غامظة عن علي بن أبي طالب، الذي رأى مناماً تنبأ فيه بموته، ورأى شخصاً ملثماً على ظهر جمل، يحمله إلى قبره. لكنه عندما استيقظ أخبر ولديه بحلمه، وطلب منهما ألا يبحثا عن هوية الشخص الملثم. القصة تقول إنهما لم يقدرا إلا أن يبحثا عن هويته، وقد اكتشفا أن الشخص الملثم هو علي نفسه.السحر والتمائم، وتسخير الجن، وعمل الأعمال لجلب الحبيب، وقراءة الفنجان، وضرب الودع.. الماورائيات في التاريخ الإسلامي
قطع مذهلة من التاريخ الإسلامي استخدمت للبحث عن المجهول وردّ الأذى والتأثير في مسار أحداث الحياة[caption id="attachment_85131" align="alignnone" width="350"] "حلية" في قلبها شكل الوردة كرمز لطلعة الرسول وعطره، وعلى زواياها الخمس يتكرر رسم حرف الـ"ع"، من "على"، مذكراً بوجود الله - 1904[/caption]
2. سحر الكلمات
للكلمات دور أساسي في الإسلام، فبها أنزل الله وحيه على الرسول. تطور فن الخط وخلط بين الصورة والكلمة، والصور المرسومة بالكلمات، التي كانت إبداعاً إسلامياً، بديلاً للتصوير الآدمي في الفن. سحر الكلمات يعتمد فكرة أن الكون هو كتاب واسع ينتظر من يقرأه، ويفسر إشاراته التي يمكن بها التوصل لأسرار الخلق، والتي تستخدم النصوص المقدسة، والكلمات في الشفاء والحماية.3. التمائم والأحجبة
هي التي تستخدم مواد متنوعة ورموزاً مقدسة، ونقوشاً تزين آيات قرآنية، ودعوات وصلوات. يعتقد أنها تعطي حاملها قوى خفية، وتحميه من المجهول، وتجلب له حظوظاً، وتدرأ عنه الشرور في البيوت، وفي المعارك، أو الترحال. لذلك تبقى التمائم والأحجبة قريبة من جسد حاملها، على شكل قلادة، أو خاتم، أو قطعة تخاط داخل الملابس. لها أسماء كثيرة، "حجاب"، "حرز"، "تميمة"، أو حمالة. هذه الصورة لقميص تعويذة، من تركيا، القرن العاشر هجري/ السادس عشر ميلادي. كان يُعتقد أن هذا القميص صمم لحاشية السلطان العثماني سليم الأول. في الكتابات على القميص ما يضفي عليه قدرات شفائية، كمقاطع من قصيدة البردة وآيات قرآنية، يعتقد بأنها تحمي، خصوصاً الآية 93 من سورة يوسف: "اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين". وهناك قصة معروفة عن زوجة السلطان سليم التي طلبت منه أن يلبس ما يشبه هذا القميص لوقايته من طعنات الخناجر وضربات السيوف. [caption id="attachment_85126" align="alignnone" width="350"] قلادة من المعدن منفذة بالحفر الغائر، عليها عبارة: يا حافظ يا حفيظ، وكانت تحمل للوقاية والحماية[/caption] مع أن المعرض اختار من الثقافة المادية ما يعبر عن اهتمام بالمجهول، على أنه موضوع خاص له أدواته وقطعه وغموضه، إلا أن هذه القطع هي امتداد لميول، ولأشياء نستخدمها على نطاق واسع في حياتنا. النصوص الدينية وتعاليمها في الكتب، نادراً ما تبقى أسيرة للمجلدات، وغالباً ما تتجسد في أشكال مادية ملموسة، تعطينا فرصة للتحاور مع رموز الإسلام وقيمه ومعانيه في حياتنا اليومية. فمن الآيات التي يعلقها الناس على جدران بيوتهم، إلى المصاحف الصغيرة التي تحمل في الجيب، إلى القلادات التي تحمل أسماء سور من القرآن الكريم، أو أسماء الله الحسنى. هذه كلها لا تستخدم بالضرورة بحثاً عن الغائب الغامض، أو خوفاً من المجهول، ولكنها مثل القطع التي اختارها المعرض، فرصة للطمأنينة لوجود رموز ثقافية وروحية ودينية حولنا، ورغبة في التبرك أو التزين باقتنائها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...