يعيش المحاصرون في الأحياء الشرقية بحلب في حالة من الترقب، بعد انهيار الاتفاق الذي أعلن بين المعارضة المسلحة والقيادة الروسية والذي يقضي بخروج المحاصرين مما تبقى من أحياء حلب الشرقية إلى خارجها، سواء كانوا من المقاتلين أو المدنيين. ويقدر عدد المحاصرين بـ80000 ألف، يتجمعون فيما بقي من أحياء خاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة، وهي عبارة عن أربعة أحياء (السكري، صلاح الدين، سيف الدولة، الأنصاري) بمساحة لا تتجاوز 2 كم2 في ظل وضع إنساني صعب.
ودارت اشتباكات عنيفة يرافقها قصف متبادل بعد تعليق اتفاق إجلاء المدنيين والمقاتلين الذي كان من المفترض أن ينفذ منذ فجر اليوم. ولا تُعرف حقيقة الوضع الميداني والإنساني في حلب الآن، بعد أن أصبحت وسائل التواصل شبه معدومة، لعدم توفر الكهرباء والمحروقات اللازمة لتشغيل مولدات التيار الكهربائي، في حين يتنظر آلاف الأشخاص تحديد مصيرهم المعلق الآن.
[caption id="attachment_84957" align="alignnone" width="700"] إعدام ميداني لما يقارب 74 شخصاً، بالإضافة لحالات اعتقال لشباب في سن الخدمة الإلزامية (18-40 سنة) لسوقهم إلى صفوف قوات النظام. وأضاف إن النازحين إلى مناطق سيطرة المعارضة أصبحوا في أماكن ضيقة ومحددة، ما يعني أنهم عرضة للاستهداف بشكل أكبر بعمليات القصف، لأن هذه العمليات ستتحدد ضمن منطقة جغرافية لا تتجاوز 2 كم2.
[caption id="attachment_84955" align="alignnone" width="700"] مقاتلون من الجيش السوري يلتقطون صورة سيلفي في الجامع الأموي في حلب[/caption]
بموازاة ذلك أعلن الدفاع المدني في أحياء حلب المحاصرة أول أمس عجزه عن تحدد عدد الضحايا مشيراً إلى أن "الجثث تملأ الشوارع والقصف ما زال مستمراً".
وأضاف الدفاع المدني في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: "ما زالت فرق الدفاع المدني تحاول انتشال العالقين تحت أنقاض العديد من مباني في ما تبقى من أحياء في مدينة حلب المحاصرة. لم تتمكن فرقنا من إحصاء أعداد الشهداء والجرحى وأعداد المدنيين الذين ينتظرون دورهم في التهجير القسري خارج المدينة".
الدفاع المدني الذي تمكّن خلال السنوات السابقة من إنقاذ آلاف الجرحى وانتشال آلاف الضحايا أصبح اليوم في حالة شلل. فخلال الأشهر الماضية تم استهداف معظم مراكزه وعرباته، ولم يعد يملك الوقود الذي يلزم لتشغيل آلياته المتبقية، كما أن أفراده هم في غالبهم من هذه الأحياء، وأصبحوا مثقلين بإنقاذ عائلاتهم، وبالتفكير بمصيرهم هم أيضاً.
تبقى أوقات الانتظار في حلب صعبة بالنسبة للمحاصرين، الذين لا يعرفون مصيرهم، خصوصاً بعد تجدد الاشتباكات في المدينة، يرافقها قصف متبادل بين الطرفين وقع ضحيته مدنيين. وذلك في ظل اتهامات متبادلة حول المسؤولية في عرقلة الهدنة، إذ اتهمت تركيا النظام السوري والمجموعات المسلحة التابعة له بمنع تطبيق الاتفاق، في حين أعلن الجيش الروسي أن القوات السورية استأنفت المعارك في شرق حلب، قائلاً إن مقاتلين "اغتنموا الهدنة فتجمعوا عند الفجر وحاولوا خرق مواقع القوات السورية في شمال غرب حلب".
وكانت روسيا قد قالت على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة: أنه "لا يمكنها ضمان سلامة المدنيين الخارجين من حلب لأن الوضع ليس تحت سيطرتها". وهذا ما يعقد مسألة خروج المحاصرين بشكل أكبر من حلب، ويثير الشكوك حول مدى إمكانية حمايتهم وعدم تعرضهم لأي عملية اعتقال أو إعدام ميداني إذا ما تمت عملية الإجلاء.
الدخان الناجم عن القصف على أحياء حلب المحاصرة اليوم[/caption]
ولمعرفة صورة الوضع القائم تم بصعوبة تأمين اتصال مع أحد المدنيين في المناطق المحاصرة يدعى أسامة، وحين سؤاله عن الخطوات التي يجري اتخاذها للتجهيز للخروج من المدينة، أجاب: "لا نعرف بالتحديد ما هي بنود الاتفاق التي أبرمت، وليس عندي وعند الكثيرين أي تفاصيل عما يمكننا إخراجه معنا، وهل يتم تفتيشنا أو تفتيش أمتعتنا. يوجد الكثير من الجرحى والمصابين والمحتاجين للرعاية الطبية بشكل عاجل".
ولم يكن أمس يوماً عادياً بالنسبة للمحاصرين في حلب، كان يوماً مليئاً بالمفاجآت الدامية، إذ تمكنت قوات النظام من السيطرة على مناطق عديدة من أحياء حلب الشرقية، كان أولها حي "الشيخ سعيد" وتلاها حي "الصالحين" ثم حي "الفردوس" وآخرها حي "بستان القصر" وحي "الكلاسة". خمسة أحياء كبرى سيطر عليها النظام بغضون 8 ساعات، وهي مكتظة بالسكان، فأصبح ساكنوها عرضة للعمليات العسكرية من قصف جوي ومدفعي، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، في ظل شبه انعدام لإمكانية إسعافهم وإخراجهم من تحت الأنقاض. وكان أمام من استطاع النجاة خياران، إما الاتجاه إلى مناطق سيطرة النظام السوري أو التراجع إلى ما تبقى من أحياء حلب، وفي كلا الطريقين سيكون معرضاً للخطر. وحول هذه الخيارات الصعبة يتحدث أسامة: "حينما سيطرت قوات النظام ومن معها على حي الفردوس الذي أسكن فيه أنا وعائلتي، قمنا بالنزوح إلى حي المشهد. لكنني حين وصولي خشيت على زوجتي وأطفالي فأرسلتهم إلى مناطق سيطرة النظام من دون أن أذهب معهم خشية اعتقالي وسوقي إلى الخدمة العسكرية الإلزامية أو تصفيتي".
وبالنسبة للوضع العسكري بالمدينة، قال ناشط إعلامي موجود في المناطق المحاصرة فضّل عدم الكشف عن اسمه: "اشتعلت جبهات المدينة بهجوم شنته قوات النظام خلال ساعات الصباح، مع قصف جوي ومدفعي شديدين حول تلك المناطق إلى ركام وأدى إلى موت العشرات دون استطاعة إسعافهم أو نقلهم بسبب غياب المعدات والمراكز الطبية".
ما رواه الناشط الإعلامي لا يقتصر فقط على الحالة العسكرية، بل أفاد بأن مصير المئات من قاطني تلك المناطق بات مجهولاً مع تقدم قوات النظام، وتحدث عن وقوع حالاترصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...