7 نوفمبر الماضي، هو اليوم الذي ذهب فيه الطفل السوري ذو الأربعة أعوام توفيق ابراهيم، إلى احتفال الكرمس في كنيسة القديس مار أندرواس في مدينة اللاذقية، ولم يعد. ذلك أن شاباً مدنياً، تشاجر مع بعض القائمين على الاحتفال، غاب قليلاً، وعاد ملقياً قنبلة صوتية على الجمع في ساحة الكنيسة، مودياً بحياة الطفل. لا ينتمي الشاب إلى أي جهة حكومية، لا إلى جيش ولا إلى أمن ولا حتى إلى دفاع وطني، لكنه مع ذلك، يملك قنبلةً صوتية، كيف حصل عليها؟
اعتاد أهل سوريا عموماً، ومدن الساحل خصوصاً، سماع الرصاص في شجارات عادية بين الشبان. فنتيجة تفاقم الانفلات الأمني في الأعوام الأربعة الأخيرة، انتشر السلاح بين أيدي الجميع في البلاد. يمكن تبرير الأمر في المناطق المحتدمة، لكن من المستغرب حصول ذلك في منطقة واقعة تماماً تحت سيطرة جهة واحدة من الصراع، ليس فيها أي نوع من الاشتباكات، وتبعد عن أقرب خط تماس 30 كيلومتراً تقريباً.
لا يرتبط حصول المواطن السوري من اللاذقية على السلاح، بأحداث 2011، فللسلاح سوقه السوداء، خارج المجال الحكومي قبل ذلك. لكن الأمر كان محدود الانتشار، وتحت أنظار الأجهزة الأمنية. وساهم في هذا الموضوع كون اللاذقية مدينة حدودية، ومنفذاً لعمليات التهريب عبر تركيا من ريف اللاذقية الشمالي، ولبنان أيضاً.
في الأعوام الأولى من الاقتتال، سارع أهل المدينة إلى شراء السلاح بغرض الدفاع عن النفس، إذ كان ينتشر في الإعلام الكثير من الأخبار عن اقتحام المدينة من قبل السلفيين وغيرهم. إلا أن المدينة لم تهاجم بالشكل المفترض، ما حوّل اقتناء السلاح إلى حالة تباهٍ واستعراض وإرهاب داخلي للناس في قلب المدينة من قبل أشخاص مقيمين فيها.
انتشار السلاح بكثافة في المدينة مع بداية عام 2013، اضطر بعض المحال والمؤسسات الحكومية والخاصة، إلى وضع لافتة تحذيرية عن منع السلاح في المبنى.
أيهم شخص لديه اتصالات عديدة وعلاقات متشعبة بفضل أخيه الذي يخدم بعقد لمدة 5 سنوات في إحدى الجهات العسكرية المسلحة، التي تعمل كرديف للجيش. ويعمل بالإضافة إلى عمله على إحدى بسطات القهوة في مدينة اللاذقية في تجارة السلاح بشكل فردي للمعارف وأصدقائهم، ما حوّل البسطة نفسها، بشكل غير مباشر، إلى مكتب عمليات التجارة. يقول لرصيف22 : "الحصول على سلاح في الوقت الحالي أمر سهل، ساعد في ذلك الانتشار الكبير لمعارك القتال، والانتشار الواسع للتشكيلات المسلحة المرادفة للجيش، مثل صقور الصحراء، وكتائب الدفاع الوطني، وكتائب تحرير اللواء، وغيرها من التشكيلات التي تكون فيها السيطرة على السلاح أقل بكثير من الجيش والفروع الأمنية".
ويضيف: "يرافق هذه القوات مصدر آخر لتجارة السلاح هم العسكريون المحاربون على الجبهات، الذين يشتبكون مع المسلحين المناوئين للسلطات الحكومية. ويحصلون على غنائم للبيع تقتصر في الغالب على القنابل، إذ يمكن إخفاؤها بسهولة، والذخيرة التي يمكن ببساطة الادعاء بأنها أطلقت في المعركة".
ويوضح أيهم أن "الباب الأوسع للسلاح ما زال حتى الآن عبر الحدود عن طريق التهريب، تحديداً عن طريق الحدود اللبنانية، بسبب الانتشار الواسع للسلاح بفعل الميليشيات المسلحة، والفساد المنتشر على الحدود".
في أغسطس الماضي، اغتيل الضابط السوري حسان الشيخ على يد سليمان الأسد بسبب مشاحنة على أفضلية العبور في الطريق. و في يوليو الماضي وقعت حادثة إلقاء قنبلة صوتية على قطار ملاهٍ في شارع الثورة، بسبب الانزعاج من صوت الموسيقى الصادر عن القطار. وبرزت في مايو الماضي أيضاً حادثة قتل عسكري سوري بقنبلة صوتية وضعت عند عنقه، وبتر يد الفاعل بسبب خلاف حول فتاة، وغيرها الكثير من القصص.
للسلاح أنواع
السلاح الذي تتنوع أشكاله وأنواعه يبقى عنوانه الأكبر الكلاشنكوف أو الروسية، الأكثر رهبة وترهيباً. لكن بقي استعماله محدوداً نظراً للفته للنظر، واستحالة ترخيصه للأفراد العاديين. تليه "البومبكشن" Pump-Action، وهي بندقية يصعب نقلها لأنها تجذب الأنظار. والأسلحة المتوسطة، التي يرمز إليها "السينوبال"، وهو المرادف للعوزي الإسرائيلي الصنع.
ثم تأتي المسدسات، وهي الأكثر رغبة بين الناس لسهولة استخدامها ونقلها، تليها القنابل، وتتوزع بين هجومية ودفاعية. ويتنوع بلد المنشأ أيضاً، فمن الصين إلى روسيا، وأوكرانيا، والمحلي الصنع، والتشيكي والأمريكي، وحتى بعض الأنواع الإسرائيلية، وهي الأقل انتشاراً. ويختلف السعر باختلاف بلد المنشأ.
يشير أيهم إلى أن "الأعلى سعراً هي المسدسات، نظراً لشدة الإقبال عليها بسبب سهولة نقلها واستخدامها. كما أنها السلاح الوحيد المسموح بترخيصه كسلاح حربي، فضلاً عن بنادق الصيد. ولها سعران: السعر الحكومي وسعر السوق السوداء. سابقاً كان أحد موارد الحصول عليها هو عمليات البيع غير المشروع من قبل العسكريين، المتسلمين السلاح الحربي من الدولة". في هذه الحالة يتم تغريم العسكري بمبلغ معين من المال، ويبيع المسدس بمبلغ مرتفع قد يصل إلى 180 ألف ليرة (أي ما يعادل 500 دولار)، ويدفع الغرامة، التي أصبحت لاحقاً ثلاثة أضعاف سعر السلاح، بالإضافة إلى سعره، ويحصل على ربح جيد من عملية بيع لم تكلّفه كثيراً.
عملية بيع العسكريين السلاح تطورت في بداية الأحداث، وانتشرت كثيراً، فقامت الدولة برفع الغرامة التي يدفعها العسكري حتى وصل سعر المسدس الحكومي إلى 350 ألف ليرة (900 دولار). بينما يبلغ سعره في السوق السوداء نحو 250 ألف ليرة سورية (650 دولاراً)، تزيد أو تنقص حسب نوعه. والـ250 ألفاً هو سعر المسدس "البراوننيغ" أو الـ9\14، حسب الاسم المتعارف عليه، وهو الأكثر انتشاراً، يليه "التشيكي" و"الشميزر" و"الماكاروف".
أما الفئة الأعلى من المسدسات فهي نوعان: المتوسطة، ويرمز إليها السينوبال، وهو مسدس رشاش متوسط الحجم، انتشاره قليل إلا وسط أفراد حماية الشخصيات المهمة. ويقول أيهم: "يبلغ سعر السينوبال نحو 200 ألف ليرة سورية (600 دولار تقريباً). والنوع الثاني الكبير، ويرمز إليه ببندقية الكلاشنكوف، التي يبدأ سعرها بـ215 ليرة سورية (600 دولار)، للأنواع الصينية، ويرتفع مع اختلاف بلد المنشأ، ليصل إلى 300 ألف ليرة سورية (800 دولار) للأنواع الممتازة.
ثم تليها بندقية "البومبكشن"، وتنتشر بنوعين، التركية بخمسين ألف ليرة سورية (150 دولاراً)، والأمريكية بـ100 ليرة سورية (300 دولار) ويبدو الفرق واضحاً باختلاف بلد المنشأ.
وأخيراً وليس آخراً القنابل، وهي قسمان: الدفاعية، وهي النوع الأرخص، يبدأ سعرها بـ2000 ليرة سورية (5 دولارات)، وتختلف بحسب نوعها، والنوع الثاني قد يصل سعره إلى 4000 ليرة سورية (10 دولارات).
يضيف: "يمكنك الحصول على أي سلاح ترغب فيه خلال 24 ساعة عن طريق الهاتف. وقد انتشرت في الفترة الأخيرة محالّ عدة لبيع الألبسة العسكرية ومستلزمات الصيد، وبعضها مجرد واجهة لسوق من التداول بالسلاح. ويلفت أيهم إلى أن "مجرد التعرف إلى أحد أصحاب بسطات القهوة التي تنتشر بشكل مرعب في اللاذقية، يمكنه أن يوصلك في حال وثق بك، إلى مخازن أسلحة، نقي واستحلي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي