شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"سوريا بتضل الأحلى"... بدمائها وخرابها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 4 سبتمبر 201606:53 ص
عادياً قد يمرّ هذا الفيديو في شهر أغسطس، فمشاهده صيفية بامتياز اعتادتها العين في مثل هذا الموسم. متعة الاستجمام على شاطئ رملي والسباحة في مياه زرقاء تنادي المتعبين من قيظ الحرّ وضغوطه. من الأعلى، يبدو المنظر أجمل، إذ يتزلج رواد البحر على أمواجه بسرعة كبيرة على وقع موسيقى حماسية، بينما تظهر الشاليهات والمباني الفخمة المحيطة بالمنطقة. هذا الفيديو كان ليمرّ كغيره من الفيديوهات الترويجية للسياحة، لو لم ينته بهذه العبارة الصادمة "سوريا... بتضل الأحلى" (سوريا... تبقى الأحلى). إذاً، كل هذا الاستمتاع يحدث في سوريا 2016، ومن يروّج له ليس سوى وزارة السياحة السورية؟
لا يشبه هذا الفيديو تسجيلات أخرى توثق "جمال" سوريا قد ينشرها بعض الشبان على مواقع التواصل الاجتماعي كمحاولة منهم للصمود والأمل. هو أشبه بـ"دعوة رسمية" نشرتها صفحة وزارة السياحة على موقع "فيسبوك"، تدعو فيها المصطافين من عرب وأجانب إلى تمضية العطلة في ربوعها، فليس هناك في المنطقة "أحلى" من شاطئ طرطوس في الشمال السوري. يصبّ هذا الفيديو في النهج عينه الذي تتبعه وزارة السياحة، برئاسة بشر رياض اليازجي، منذ بداية الأزمة. من يزور موقعها الإلكتروني لا يشتم أي رائحة للحرب المدمرة التي تطحن سوريا منذ أكثر من خمس سنوات. وسط صور المواقع الخلابة، التي لا ينكر أحد وجودها التاريخي في سوريا، لا أثر ليأس لاجئ أو خوف هارب في البحر. بحسب الوزارة سوريا ليست "أحلى" (برغم الحرب) بل هي "الأحلى" وكل ما عدا ذلك من دمار وقصف عشوائي وخطف وقنص وتهجير يعدّ "هامشياً" ولا داعي لذكره. يمكن للسياح أن يخافوا! حال النكران التامة استفزت كثراً من السوريين والعرب ووسائل الإعلام الأجنبية، فاعتبروا ذلك إمعاناً في الدموية لا يؤكد سوى المؤكد عن حرب تستخف بأبسط القواعد الإنسانية. وشارك العديد منهم صوراً للدمار في سوريا، كما حظيت صورة الطفل عمران الشهيرة في حلب بنسب مشاركة عالية في خضّم هذه المقارنة. C1600520lattakia10C1600520lattakia10 وعلق كثر على الفيديو في موقع "يوتيوب" منتقدين "دموية النظام" و"ازدواجيته"، وتهكم آخرون قائلين "تعالوا إلى سوريا، عطلة صيفية كل شيء فيها مؤمن من فنادق فخمة وطعام وتفجيرات وخطف…"، ووصفه البعض بـ"فيديو العام".
بحسب وزارة السياحة، سوريا هي وجهتكم "الأحلى" هذا العام وكل ما عدا ذلك من دمار وقصف وخطف وقنص وتهجير يعد "هامشياً"
من يزور موقع وزارة السياحة السورية لا يشتم أي رائحة للحرب المدمرة التي تطحن سوريا منذ أكثر من خمس سنوات…
تقنياً، سقط التسجيل أيضاً في ثغرات عدة. مشهدان أو ثلاثة يتكرران على امتداد دقيقة وثلاثة وأربعين ثانية، في عملية مونتاج بدائية وموسيقى عادية. حيز جغرافي ضيق هو الظاهر في "سوريا.. بتضل الأحلى"، وعدد قليل من المصطافين، إذا ما قسناه بطول الشاطئ السوري الممتد على 180 كلم من رأس البسيط حتى طرطوس. هذا الشاطئ المعروف تاريخياً بقراه الخلابة ومواقعه الأثرية مثل قلعة صلاح الدين ومدينة عمريت الأثرية التي تعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد. https://youtu.be/uRI9vgek4ZA

في سوريا مهرجانات أيضاً

على موقع "لونلي بلانيت" العالمي الشهير، الذي يعد دليلاً مفيداً للسياحة حول العالم، ليس هناك أكثر من جملتين عن سوريا. جملتان تختصران حال السياحة هناك: "لا يمكن الذهاب إلى سوريا الآن، وإذا تمكنت من الذهاب، لا تذهب". لكن كل ذلك غير مهم، فمسؤولو السياحة في البلاد، أدرى بشعابها. على موقع الوزارة عينه، إعلان عن انطلاق فعاليات "مهرجان طرطوس السياحي 2016" ابتداءً من مطلع سبتمبر ويستمر حتى الخامس منه. يتضمن المهرجان فعاليات فنية وثقافية وتراثية ورياضية منوعة وعرضاً راقصاً لفرقة أوغاريت، في "رسالة للعالم أجمع أن سورية ستبقى بلد المحبة وملتقى الحضارات"، بحسب مدير سياحة طرطوس المهندس يزن الشيخ. في السويداء كذلك، ينطلق "مهرجان الصيف" في الثاني من سبتمبر حتى الخامس منه. وقبل أيام، أعلنت الوزارة مسابقة لاختيار "أفضل مطعم سوري". على المقلب الآخر، يشكو كثر من مرتادي المصيف السوري في طرطوس من سوء الخدمة وانعدام النظافة وارتفاع الأسعار الخيالي والإرباك في الحجوزات والمعاملات. لا يبدو أن الوزارة التفتت إلى مشاكل مماثلة، وسط دفاع البعض عن حملتها في إطار دعم الاقتصاد السوري عبر تنشيط السياحة. في الواقع، تعكس تجارب دول عديدة عايشت الحرب، أهمية الترويج للسياحة كمصدر لدعم الاقتصاد ورسالة للصمود، فتنشط في الحروب السياحة "الثورية" و"الدينية" و"الطبيعية" وغيرها. لكن المختلف في رسائل الوزارة السورية هو تجاهلها التام للحرب الطاحنة، وهذا ما يجعلها مستفزة لكثيرين لا يرون في "الأحلى" سوى خزان دم تغطيه لفافات ملونة! والمشكلة أن الجميع بات يعلم ما يحويه هذا الخزان.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image