مع بدء شهر ديسمبر من كل عام، تبدأ غالبية الفصائل الفلسطينية، بالتجهيز لإحياء ذكرى انطلاقاتها. ربما يكون من باب المصادفة أن معظم انطلاقات تلك الفصائل في هذا التوقيت من العام. وربما تشكل هذه الصدفة تعبيراً عن سوء طالع الشعب الفلسطيني، الذي علّق الكثير من الآمال عليها، خلال العقود الماضية.
ويستهجن الفلسطينيون المداومة على إقامة الاحتفالات والمهرجانات بذكرى انطلاقات تلك الفصائل، ويشتد استهجانهم حين يرون المبالغ الباهظة التي يتم صرفها على تلك الاحتفالات. ناهيك بالخطب الحماسية التي تتحدث عن إنجازات وهمية "لا وجود لها على أرض الواقع".
ورغم أن عدد التنظيمات الفلسطينية فاق الـ13 تنظيماً معلناً، ويحظى بمقعد على طاولة أي حوار فلسطيني، (إضافة إلى التنظيمات التي ما زالت تنتظر أن تحظى بمقعدٍ على تلك الطاولة)، إلا أن القضية الفلسطينية شهدت تراجعاً على كافة المستويات، خصوصاً خلال العقد الأخير. وفي ظل حالة التشرذم الداخلية التي تشهدها الساحة الفلسطينية بسبب "الانقسام".
"يعني الرايات الخضرا هادي قديش بتجيب لو بعناها قماش؟ مش لو أعطوهم للغلابة اللي زينا أحسن! مهرجان زي هادا قديش بيكلف؟ كراسي وسماعات ومسارح وورق وطباعة وإضاءات وشاشات وأجهزة ومعدات وبنزين وسيارات وحشد وإعلانات...». هذا ما قاله المواطن الفلسطيني يونس الناجي، عن الأموال التي تصرفها حركة «حماس» في ذكرى انطلاقتها.
ويضيف الناجي، متهكماً «شو يعني لما حماس تصرف أكتر من تلاتة مليون دولار على احتفالات الانطلاقة. طالما إنو من ميزانية الحركة. وأكيد هالاحتفالات إلها هدف خفي إحنا كمواطنين عاديين ما بنعرفوا. أكيد الناس الغلابة اللي زينا عندهم مؤسسات تقدملهم الدعم والإعانة. وأكيد هالمهرجانات والاحتفالات رح يتكلموا فيها عن حقوق المواطنين ويجيبوا الدعم والمعونة».
«حماس» و«فتح» في الصدارة
في الحادي عشر من ديسمبر، تفتتح «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، موسم الانطلاقات. تليها بعد أيام قليلة حركة «حماس»، ثم حركة «الجهاد الإسلامي»، ومن ثم حركة «فتح»، ثم «الجبهة الديمقراطية»... يقول الخبير الاقتصادي لؤي عبيد لرصيف22: "الفصائل الفلسطينية اعتادت هذه الطقوس، التي تتمثل بالمهرجانات احتفالاً بذكرى انطلاقها. وتتفاوت ميزانية كل فصيل عن الآخر. ففي الطليعة دائماً حركتا فتح وحماس، على اعتبار أنهما أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية، في العدد والتمويل أيضاً. فيتم صرف ملايين الشواكل (الدولار= 3.8 شيكل)، لإحياء تلك الاحتفالات". ويضيف عبيد: "لا تقتصر إقامة تلك الاحتفالات على قطاع غزة فقط، بل تمتد إلى غالبية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأماكن انتشار الفلسطينيين في دول الشتات. وهذا أيضاً يحتاج إلى ميزانية كبيرة". [caption id="attachment_84858" align="alignnone" width="700"] الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين[/caption] ويتابع: "تقدر ميزانية احتفالات حركة حماس لإحياء ذكرى انطلاقتها من 3 إلى 4 ملايين دولار. بينما تراوح ميزانية احتفالات حركة فتح بين 3 و6 ملايين دولار. أما انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي، التي تعتبر الفصيل الثالث على الساحة الفلسطينية، فكلفتها لا تتجاوز المليون دولار، يليها اليسار الفلسطيني الذي يتذيل القائمة بسبب ضعف الإمكانيات المادية، ويتمثل بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب. وتراوح موازنة احتفالات تلك الفصائل بين 100 و200 ألف دولار. أما بقية الفصائل الأخرى فهي ذيول للفصائل الكبيرة وتندرج تحت إطارها، لذلك، حتى وإن قامت بالدعوة لأي فعالية فلا تتعدى ميزانيتها بضعة آلاف من الدولارات فقط". [caption id="attachment_84857" align="alignnone" width="700"] الجهاد الإسلامي[/caption]كيف تواجه التنظيمات غضب الأهالي؟
مع بدء موسم الانطلاقات في الأراضي الفلسطينية، كان الحدث الأبرز هو الاعتداء على عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جميل مزهر، من قبل أحد المواطنين، أثناء إلقائه للكلمة المركزية في حفل إحياء ذكرى انطلاقة الجبهة الـ49 في قطاع غزة. وقالت مصادر محلية فلسطينية إن الشاب المعتدي هو نجل قيادي شهيد في الجبهة، تم منعه من الصعود إلى منصة الاحتفال، فقام بالاعتداء على القيادي جميل مزهر، وتمكن عدد من مناصري الجبهة من السيطرة عليه. وعلى إثر ذلك، بدأت الفصائل الأخرى اتخاذ التدابير والاحتياطات الأمنية أثناء التجهيز لاحتفالاتها، من خلال إبعاد الجماهير عن الأماكن التي يجلس فيها قادة تلك الفصائل، خصوصاً في ظل حالة الغليان التي يشهدها الشارع الفلسطيني، في قطاع غزة، بسبب الحصار والإغلاق والبطالة وانتشار الفساد واقتصار الوظائف على عناصر تلك التنظيمات.دون أدنى مسؤولية
في ظل حالة الانقسام الداخلي وعجز تلك الفصائل عن القيام بأي فعل من شأنه ترميم البيت الفلسطيني، يتساءل الفلسطينيون عن سبب وجودها وتحكمها بالقرار السياسي، خصوصاً مع استمرار مشاريع الاحتلال التوسعية، وعدم قيام الفصائل بالدور الوطني المنوط بها. إلى جانب عدم احترامها لحقوق الإنسان، وتكريس أموال الدعم التي تصلها من جهات تكون مجهولة في معظم الأحيان، بحجة أنها حركات "مقاومة"، ولا يمكنها أن تفصح عن مصادر تمويلها، للتحضير للاحتفالات والمهرجانات، كدليل على قوتها وقدرتها على حشد الجماهير العريضة. يقول الناشط الحقوقي مصطفى إبراهيم: «الفصائل الفلسطينية لا تعترف بمسؤوليتها عن بقاء استمرار المشهد الكارثي، وأصبحت لا تملك أي خيار سوى الخطب الرنانة وترديد الشعارات وتوزيع الاتهامات. لم نصل حتى الآن للبحث في مستقبل القضية الفلسطينية، ونبحث في مشاريع خاصة، وإسرائيل تصورنا على أننا التهديد الرئيسي لوجودها، وأننا وصلنا إلى حد توازن الرعب معها، في ظل تباهي تلك الفصائل بأن لديها من أسلحة الردع ما يكفي لهزيمة جيش الاحتلال". ويضيف إبراهيم: «متى سندرك حجم المسؤولية الواقعة على عاتقنا، ومتى ستدرك الفصائل الفلسطينية أنها هي التي تحمل وزر ومسؤولية ما وصلنا إليه من وضع كارثي. تلقينا دروساً عبر سنوات نضالنا، ولكن متى سنتعلم من تلك الدروس. لا يوجد لدينا وطن آخر غير فلسطين، وأيامنا أصبحت حبلى بالخوف والقلق والانتظار».رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.