في 29 نوفمبر الماضي، نفت مصادر حكومية مطلعة لجريدة الشروق المصرية، ما نشرته الجريدة عن وجود محاولات للتهدئة بين السلطة وجماعة الإخوان المسلمين برعاية سعودية، ووصفت المصادر المصالحة بأنها المستحيل الثامن.
ما نشرته الجريدة عن التسوية والدور السعودي، قبل أن تعود وتنفيه، ليس بعيداً عما يدور الحديث عنه كثيراً بين النخب السياسية المصرية، من أن المصالحة آتية لا محالة، وأن النظام والإخوان، عاجلاً أم آجلاً، سيجدان وسيلة لتسوية الوضع، وأن السعودية لن تكون غائبة عن المشهد.
ولكن بعيداً عن التوقعات، فإن نظرة على عناصر المعادلة الثلاث (السيسي - الإخوان - السعودية) تنبئنا بالكثير عن الوضع السياسي في مصر اليوم، وعن توقيت المصالحة المرتقبة حال حدوثها.
1- عبدالفتاح السيسي
اللاعب الأساسي في الساحة السياسية المصرية الآن هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، فهو يلعب منفرداً بلا حزب، ولا كيان سياسي يدعمه، إلا إذا اعتبرنا أن الجيش المصري هو ظهيره الداعم. ويمثل السيسي الأزمة والحل في ما يختص بالمصالحة المنشودة. فجماعة الإخوان المسلمين، لن تقبل بأي حال من الأحوال تسوية يكون السيسي طرفاً فيها، إذ أن صدامه مع الإخوان تحول إلى ثأر شخصي، وهناك قناعة راسخة لدى التنظيم أن السيسي قاتل، وهو من قتل رفاقهم في رابعة والنهضة، لا الشرطة، ولا الجيش. وعليه، شرط الجماعة الأساسي خلال المفاوضات هو غياب السيسي عن المشهد. ربما يقبلون في أفضل تقدير بخروج آمن له، لكن بقاءه في السلطة غير مقبول لدى قيادات الإخوان، وهو بالنسبة إلى قواعدهم شبه مستحيل. وليس صحيحاً أن الاتصال انقطع أو توقف يوماً بين السلطة والإخوان، هو فقط يمر بمراحل وأطوار مختلفة، بدأت بحوار بين المجلس العسكري وعقلاء الإخوان (تحديداً محمد علي بشر)، قبل القبض عليه في حركة مفاجئة للجميع، ثم تمت المفاوضات بين المجلس العسكري وقيادات من الحركة السلفية في الاسكندرية، قبل أن تتسلم المخابرات الحربية الملف وتديره بنفسها. وأكد أكثر من مصدر حدوث لقاءات مباشرة بين رتب عليا في الجهاز، وقيادات إخوانية في لندن، لم تسفر عن شيء. فالإخوان يريدون رحيل السيسي، والدولة تريدهم أن يسلموا دون قيد أو شرط. لكن من ناحية أخرى، ليست معضلة السيسي أن الجماعة ترفضه فحسب، بل هو شخصياً غير راغب بتسوية الأزمة. فهو "مسيطر" على حد التعبير الشائع في الجيش، ونجح حتى الآن في سحق كل القوى المناوئة لحكمه، وأحكم قبضته على الشارع، وشارف على إسكات كل الأصوات المعارضة في الإعلام والمجتمع المدني. ورغم الأزمات الاقتصادية الطاحنة وارتفاع سعر الدولار، لم يزل للسيسي أنصار كثر. باختصار، يعتبر السيسي أنه ليس في حاجة لتقديم أي تنازلات لا للإخوان ولا لغيرهم، خصوصاً مع وصول "ترامب" لسدة الحكم في الولايات المتحدة، الذي يرى الكثيرون أنه قوّى وضع السيسي دولياً، بعد أن نجح هو في تثبيت وضعه محلياً، فلماذا إذن يقدم تنازلات لجماعة صنفت إرهابية؟2- جماعة الإخوان المسلمين
جماعة الإخوان المسلمين التي استمرت لعقود، ونجحت في الصمود أمام بطش جمال عبد الناصر في الستينات، قبل أن تعود وتتماسك وتدخل في طورها الثاني، في عهد السادات، بمباركة منه، لتصبح الفصيل السياسي الأكبر في مصر، تواجه اليوم أزمة لم تعرفها من قبل، فالإخوان يواجهون، وللمرة الأولى، أزمة "الانقسام".المصالحة بين الإخوان والسلطة المصرية لم يحن وقتها بعد... إليكم الأسبابكلمة "انقسام" لم تعرفها الجماعة من قبل. مرت بانشقاقات مختلفة، مثل انشقاق محمد خميس في مطلع الأربعينات، مؤسساً حركة "شباب محمد" التي لم تصمد طويلاً، وصراع عبد الرحمن السندي، قائد "التنظيم الخاص"، مع حسن الهضيبي المرشد العام حينها، الذي نجح في حسمه سريعاً لصالحه. وفي عهد مبارك، لدينا تجربة "حزب الوسط"، إذ انشق أبو العلا ماضي ومجموعة من الإخوان، مكونين حزبهم الجديد، وأخيراً تجربة حزب "التيار المصري" لإسلام لطفي ومحمد القصاص، وهو الحزب الذي تكوّن في عهد المجلس العسكري، على إثر تباين رؤى أسفر عن فصل خمسة من أبرز شباب التنظيم، مكونين حزبهم الخاص. كل تلك الانشقاقات كانت محدودة، شخص أو مجموعة تنفصل عن الجماعة الأم لتظل الجماعة هي الأقوى والأبقى. ولكن عقب الفض الدموي لاعتصام رابعة والنهضة، وما تلاه من ضربات عنيفة للتنظيم، حدث (وللمرة الأولى) انقسام داخل الجماعة، ليصبح هناك فريقان. فريق يقوده محمود عزت وفريق محمد كمال، الأول يملك النصيب الأوفر من الأموال، والثاني يتحكم في عدد لا بأس به من العناصر الشبابية. ولأول مرة نرى تصريحات وتلاسناً علنياً بين الفريقين، فالجماعة التي أسست على السمع والطاعة والسرية والكتمان تخلت عن ثوابتها لتصبح خلافاتها مادة على صفحات الجرائد، وهذا ما لم يكن أحد يتخيل حدوثه يوماً ما. لكن محنة الانقسام ليست فقط ما يواجهه الإخوان اليوم، فهناك على أطراف تلك المجموعتين المتناحرتين مجموعات شبابية غاضبة، دفعها عنف الدولة إلى تبني شعار "كَفَانَا هَواناً"، لينضم فريق منهم (ربما بمساعدة عناصر جهادية) إلى خلايا عنف جديدة، لا يعلم أحد عنها شيئاً مثل: العقاب الثوري - لواء الثورة - حسم... هذه المجموعات هي خارج سيطرة أي من الفريقين، ولا يمكن التنبؤ بما ستفعله. والسؤال الأبرز عند الحديث عن المصالحة مع الدولة، أي الفريقين سيتصالح، فريق عزت أو فريق كمال؟ وماذا عن مجموعات العنف المنشقة حديثاً، ومن يضمن التزامها بأي اتفاق مع السلطة حال حدوثه؟ انقسام الجماعة محنة لا تواجه التنظيم فحسب بل الأجهزة الأمنية التي اعتادت أن تتعامل مع الإخوان ككيان هرمي، يمكن عقد تسويات معه. اليوم بات عليها أن تنظر في ألف اتجاه إن أرادت التعامل مع من كانوا بالأمس كياناًواحداً.
3- الموقف الإقليمي والدولي
حين نتحدث إقليمياً، لا يمكننا أن نفكر بعيداً عن السعودية، فالمملكة تعدّ حتى الآن القوة الأكبر في الشرق الأوسط. وعلاقة السعودية بالسيسي علاقة دراماتيكية بامتياز. كان الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، من أهم داعمي الرئيس السيسي، ليس مادياً فحسب، بل سياسياً أيضاً، حين أرسل وزير خارجيته سعود الفيصل في رحلات أوروبية - أمريكية لدفع كثير من العواصم على الاعتراف بشرعية السيسي. وقد ولّد الدعم السعودي للسيسي، المتزامن مع اعترافاته شخصياً بفضل المملكة عليه، لدى حكام الرياض الجدد إحساساً بالأفضلية، وأن مسألة تبعية القاهرة لهم قضية لا نقاش فيها. ولكن نجم عن هذا الاستنتاج شعور بالخيبة والغضب، حين اكتشفت السعودية أن الجنرال الهادئ لا يستجيب لتوجيهاتها في الملف السوري أو اليمني، وهذا ما أنتج أزمة في العلاقات تتفاقم يوماً بعد يوم. ولعل قرار شركة أرامكو السعودية التوقف عن ضخ المنتجات البترولية لمصر، وما تبعه من تلاسن متبادل بين إعلام البلدين أكبر دليل على سوء العلاقات (حالياً) بين السيسي والمملكة. وفي ظل تلك العلاقات المتوترة بين القاهرة والرياض، يصبح الحديث عن أي دور سعودي في مصالحة السلطة والإخوان لا محل له من الإعراب حالياً، خصوصاً مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض الذي لا يخفي دعمه للسيسي، والتوجه العدائي للإسلام السياسي، عكس حكومة أوباما التي لم تكن ترحب كثيراً بالجنرال المصري. نظرة على تلك العوامل المتقاطعة، تعزز فكرة أن المصالحة لم يحن وقتها بعد. هي آتية لا محالة، لكن الأغلب أنها لن تحدث الآن، وليس في عهد السيسي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين