ربما تظنون أن بوسعكم أن تكتبوا ما تشاؤون عبر حسابكم على شبكات التواصل الاجتماعي، وأن لكم مطلق الحرية أن تعبروا عن رأيكم كما تريدون، وأن تعكسوا توجهاتكم واهتماماتكم الشخصية كما ترغبون.
وقد تدركون أن ثمة قيوداً قانونية واجتماعية تحد من حريتكم، لكن ربما لا تعلمون أن هناك من يضع لكم أجندة اهتماماتكم ويحصر توجهاتكم في نطاق معين، فلا تنفكون أن تذهبوا بعقلكم ومشاعركم أينما هو أراد دون أن تدروا.
ففي عالم السوشال ميديا، تتصارع عليكم تيارات سياسية ودينية وثقافية وقوى دولية واقتصادية، تريد أن تخضعكم لها بشكل مباشر أو غير مباشر، وتفرض عليكم أجندة اهتماماتها وتوجهاتها، التي توافق مصالحها في النهاية.
آليات كثيرة تلجأ إليها القوى التي تريد فرض أجندتها على ساحات السوشال ميديا، من بينها اللجان الإلكترونية والهاشتاغات والصفحات المدفوعة الأجر ووسائل الإعلام التقليدية.
قضايا وأحداث كثيرة جرى الحشد لها على السوشال ميديا في مواعيد معينة ثم ما لبثت أن اختفت، بينما جرى تجاهل وتهميش أحداث ربما أكثر جسامة وإثارةً للمشاعر الإنسانية. فمثلاً، بينما غزت صورتا الطفلين السوريين إيلان وعمران مواقع التواصل الاجتماعي، لم يجد فيديو لا يقل بشاعة، لقتل فتى عراقي أعزل ثم دهسه بالدبابة في مدينة الموصل الاهتمام نفسه.
المحتوى المصنوع
يكشف الدكتور هشام عطية، أستاذ الصحافة في جامعة القاهرة، لرصيف22 أن القول إن السوشال ميديا تقوم بصناعة الأحداث ووضع الاهتمامات العامة يعد وهماً كبيراً. فشبكات التواصل لم تعد تلقائية، كما كانت في بدايتها، بعد أن غزتها الكتائب الإلكترونية من مختلف الاتجاهات، وأصبح الكثير من محتواها مفبركاً ومصنوعاً. وأصاب السوشال ميديا ما أصاب وسائل الإعلام التقليدية من فرض أجندة اهتمامات وتوجهات خاضعة لقوى سياسية واقتصادية مختلفة، غير أن الأخطر في شبكات التواصل، أن ما ينمي من توجهات بذاتها، ويعلي ويضخم من أحداث بعينها، مقابل تجاهل أحداث أخرى، هو أخطبوط قوى مجهولة وغير معروفة بعكس الصحف والفضائيات التي يعرف من يملكها ويمولها ويفرض أجندتها. فلم تعد السوشال ميديا قادرة على صناعة موجات أو حملات إعلامية من تلقاء نفسها، ولم تعد كما كانت وسيلة إعلام شخصية، بل أضحت وسائل اعتمادية، بمعنى أن المحتوى الذي يتحدث فيه الناس عبر هذه الشبكات يأتي من وسائل الإعلام الأساسية، وإذا فصلنا محتوى الإعلام عن السوشال ميديا، فلن يبقى فيها سوى أحاديث الأقارب والأصدقاء، ومشاعر المحبين. ورغم أن مستخدم السوشال ميديا يبدو ظاهرياً أنه يمتلك الحرية في كتابة ما يشاء على صفحته، إلا أن حريته تلك تخضع للمحيط الحيوي حوله، فيستجيب للنمط الثقافي السائد، ويتفاعل مع تلك التوجهات السائدة والقضايا الملحة المطروحة. ربما دون أن يدرك أن وراءها صراعات ومنافسات سياسية واقتصادية بل حروباً تجارية بين شركات كبرى متنافسة. إضافة إلى ذلك، للتفاعلية الفورية التي تتسم بها السوشال ميديا، والتعليقات السريعة على ما يكتبه مستخدم الإعلام الجديد، دور كبير في تحديد ما يكتبه وما ينشره، غير أن هناك نمطاً من الأفراد يتعمد أن يتحدى السياق العام، ويفضل إثارة المشاعر العدائية، ويسبح ضد التيار، ويقول عكس ما يقال، رغبةً في التميز والشهرة، وتعبيراً عن حالة مزاجية بعينها.لا حرية مطلقة
ويوضح الدكتور سامح الشريف، خبير الإعلام الجديد، لرصيف22 أنه مع بداية شهرة السوشال ميديا في العالم العربي، ترسخ اعتقاد لدى غالبية المستخدمين لهذه الشبكات، أنها عالم الحرية المطلقة، وأنها مجال عام لحرية التعبير عن الرأي بلا قيود، نظراً للتخلص من سطوة المؤسسات الإعلامية العتيدة، التي إما أنها تعبر عن رأي الحكومات أو المعارضة أو رأس المال.في عالم السوشال ميديا، تتصارع عليكم قوى مختلفة تريد أن تخضعكم لها وتفرض عليكم أجندة اهتماماتها…ولهذا اندفع الجمهور بقوة للسوشال ميديا معبراً عن آرائه في القضايا الحياتية المختلفة، متابعاً لكافة أنواع المحتوى الإعلامي والشخصي، المقدم في هذه الشبكات. وفي رأي الشريف، إنه مع مرور الوقت، شهد منحنى مصداقية الشبكات الاجتماعية انخفاضاً ملحوظاً من جانب الجمهور، فقد وقع العديد من الأحداث التي كشفت للجمهور أن عالم السوشال ميديا ليس هو المدينة الفاضلة التي كان يعتقدها. ومع توالي الأحداث السياسية في الدول العربية، أصبح التساؤل الذي يبحث عن إجابة مقنعة هو: من يوجه من؟ هل السوشال ميديا بجمهورها هي التي توجه الرأي العام ومؤسسات تشكيل هذا الرأي؟ أو أن هذه المؤسسات على اتساعها هي التي توجه جمهور السوشال ميديا؟ وأصبح السؤال المنطقي: من يضع أجندة من؟
السيطرة الخفية
يشير خبير الإعلام الجديد إلى أن أحداث الثورات العربية لم تكن المحرك الأول للسيطرة الخفية على السوشال ميديا، من وراء ستار، بل كان لها جذور قبل هذا التاريخ، فحتى قبيل الثورة المصرية في 25 يناير، ظهرت محاولات بعض رموز جماعة الإخوان لتكثيف سيطرتهم الإعلامية، فكان لهم نشاط إعلامي ملحوظ في المجال الإلكتروني، قبل 25 يناير وبعدها، إذ تأسست شبكة رصد عام 2010، وأعقبها ظهور إخوان تيوب وإخوان بوك. ومع بدايات أحداث الثورة المصرية، تكثفت جهود شبكة رصد على فيسبوك، لتوجيه الرأي العام في ظل سيولة الواقع السياسي، واندفاع الرأي العام وراء كل كلمة على فيسبوك. فصارت الشبكة الأكثر جماهيرية وتأثيراً، بالمقابل ظهرت شبكات مناوئة مثل صفحة "أنا آسف يا ريس". ويتجدد الجدل حول فكرة "اللجان الإلكترونية"، سواء من جانب الحكومات أو المعارضة، التي تهدف لمحاولة تشكيل وتوجيه الرأي العام، دون أن تلتزم بميثاق أخلاقي وممارسة إعلامية رشيدة، لا تلجأ للتشهير ونشر الأكاذيب والشائعات، دون أن تنضوي في إطار صفحات رسمية وموثقة، تنشر المعلومة المؤكدة وتواجه الحجة بالحجة.ميدان لجني الأموال
المؤشر السياسي لم يكن الوحيد، وفق رأي د.الشريف، فالمؤشر الاقتصادي ربما كان الفاعل الأكثر قوة واستمراراً مع الوقت، خصوصاً في ظل التداخل بين السياسي والاقتصادي. فأصبحت السوشال ميديا ميداناً لجني المال سواء من خلال الإعلانات المباشرة، التي يتم الترويج لها على مختلف الصفحات، أو الإعلانات غير المباشرة، التي تروج لشركات ومنتجات بشكل غير مباشر، من خلال حسابات شخصية تكتب مدافعة ومروجة من خلال التعليقات على المنشورات. هذا بخلاف اتجاه إدارة فيسبوك نفسها لجمع معلومات المستخدمين، من أجل نشر إعلانات تناسب توجهات واهتمامات كل شخص.أساليب السيطرة
يستخلص الشريف أن السوشال ميديا تتيح للمستخدم حرية تعبير أكبر بكثير من وسائل الإعلام التقليدية، لكنها ليست حرية دون سقف، لأنها تخضع لمعايير المجتمع القانونية والاجتماعية. وقد تكون السيطرة على مشاركات المستخدمين بشكل غير مباشر، إذ لا يتم إخضاع الفرد ليقول ما لا يشعر به أو يؤمن به، إنما يتم توجيهه من خلال أسلوب الموجة الإلكترونية، عبر فرض قضايا معينة على اهتمامات الجمهور ونشرها بكثافة لتحتل مرتبة متقدمة في صدارة أولويات اهتمامه. وفي سبيل ذلك، تُستخدم آليات متعددة في مقدمتها نشر منشورات ممولة مدفوعة تروج على أوسع نطاق، وثانياً مشاركة مشاهير ورواد السوشال ميديا، في النشر للاستفادة من متابعيه، الذين يقدرون بالآلاف، وثالثاً آليات رقمية مثل الهاشتاغ، الذي تصب من خلاله جميع المشاركات الشخصية في قوالب جامدة، لتحتل مراتب متقدمة لأكثر الموضوعات أهمية، وتصبح منتشرة على فيسبوك أو "ترند" على تويتر.الرقابة الحكومية
ويبين خبير الإعلام الجديد أن الرقابة الحكومية على السوشال ميديا تحد من حرية مستخدميها، وهناك وسيلتان تتبعهما الحكومات، الأولى تقييد الوصول المباشر للشبكات الاجتماعية، وهو الأسلوب الذي اتبعته الصين وكوريا الشمالية وتركيا، أما الأسلوب الثاني فيسمح بالوصول المباشر دون قيود، لكنه يفرض متابعة لمحتوى الشبكات الاجتماعية، بهدف رصد اتجاهات الرأي العام إزاء القضايا التي تمس مصالح الجمهور الأساسية. وهناك دور رقابي تفرضه إدارة فيسبوك نفسها، يتعلق بسياستها لإزالة المحتوى، فأزالت صوراً من حرب فيتنام، وأقفلت حسابات لصحافيين فلسطينيين، ومن بين 158 طلباً قدمتها إسرائيل لإدارة فيسبوك لإزالة محتويات بحجة أنها تحض على العنف، تم قبول 95% منها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.