مع موجة ثورات الربيع العربي، حققت الفرق المستقلة "الأندرغراوند" انتشاراً كبيراً، فمن استفاد من الآخر، الربيع العربي أو الفرق المستقلة؟
لا يوجد تعريف محدد لموسيقى الأندرغراوند في العالم العربي، ولا حتى إحصائيات مؤكدة لعدد الفرق المستقلة، واختلف النقاد بشأن كونها "ظاهرة" أم لا. البعض يرى أن التعريف يشمل كل ما هو مستقل، سواء فنياً أو إبداعياً وحتى إنتاجياً.
لكن السؤال: كيف أثرت تلك الفرق على المستمع العربي في ما يخص تشريح الوضع السياسي المشتعل، الذى تمر به معظم الدول العربية؟ وكيف تعتبر فرق الأندرغراوند متنفساً سياسياً في الشارع العربي؟
سوريا الوجع
الوضع المتأزم القائم في سوريا أفرز عدداً كبيراً من الفرق والحركات المستقلة، التي أخذت السياسة مسرحاً لأغنياتها، ومن أبرز الفرق، "نصف تفاحة"، التي تعتبر فريق الثورة السورية، إذ خرجت من رحم الثورة، وشكلت حالة ثورية فريدة تغنى بها الشارع السوري. ويقول مضاء المغربي، مؤسس "نصف تفاحة": "الفنان كالتلميذ يتابع ويتعلم من كل ما يوجد في الشارع، ونظراً لكثافة الأحداث في سوريا، كان لا بد من وجود كثافة أيضاً في أغانينا المعبرة عن الواقع السوري. فالسوريون يموتون بحثاً عن الديمقراطية والعدالة، لذلك يحاول الفن أن يطرح ما يعانونه من هموم وما حصل في الشارع حرضني على طرح معاناتهم". ويضيف لرصيف22: "جاءت فكرة اسم نصف تفاحة لتعبر عن الوجع الذي نعيشه في سوريا، فهي مقسومة بوجود الاحتلال في هضبة الجولان التي أنتمي إليها، وكذلك حالة التخبط التي تعيشها كل سوريا". عبّر مضاء المغربي عن الحال في سوريا من خلال عدد من أغانيه، مثل "ولادة" "وليش ضرب النار" "ومحل صغير ومسكر". وعن حال الفرقة الآن، يقول مضاء: "الفن لا يسعى لإرضاء الناس، فهو منحاز بشكل كامل للثورة، والناس هم من يقررون، مثلاً أغنية "يا حيف" لسميح شقير حققت نجاحاً كبيراً في الشارع، ولكن أيضاً أصبح الشعب السوري منشقاً، سواء الداعم للثورة أو الرافض لها من البداية. الثورة سرقت، وفي النهاية نحن كسوريين نموت على محطة انتظار الاتفاقات الدولية والإقليمية، وهذا ما نقدمه في أغنياتنا". في سوريا أيضاً تكونت حركات عبرت عن الوضع القائم للسوريين مثل حركة "بلاد الشام"، التي عبرت عن حال السوريين المشردين. يقول زاك علاف مؤسس الحركة: "الحركة في الأساس تكونت عام 2008، وتركز على التعبير عن الوضع الاجتماعي، الذي أثر عليه بالأساس الوضع السياسي، ما ساهم في أزمات السوريين وتشريدهم. فعبرت الحركة عن حال هؤلاء بتقديم موسيقى مختلفة من الهيب هوب العربي، والموسيقى الحلبية. وشهد شارع الحمرا ببيروت ولادة الحركة مرة أخرى بعد توقفها فترة بسبب غياب التمويل المادي".فلسطين القضية
للقضية الفلسطينية طابع خاص وتغنى لها وبها عدد كبير من العرب، لكن ماذا عن فرق الأندرغراوند الفلسطينية؟ سليمان حرب، رابر وأحد أعضاء فريق "الكونتينر" الفلسطيني، يقول لرصيف22: "الدعم الذي نتلقاه من معجبينا هو أكبر حافز لاستمرار عملنا، شيء أكيد أن الكثيرين يرون تنفيساً سياسياً واجتماعياً في موسيقى الأندرغراوند، لأن كلماتها صريحة وتعبّر عن الواقع وتصفه، ونحن لا نصف أغانينا بالسياسية، نفضل وصفها بالاجتماعية، إذ نتطرق لعدة مواضيع تصف واقعنا الفلسطيني والعربي ولكن بطريقة غير تقليدية، وبالتأكيد السياسة هي من المواضيع التي نتطرق إليها، بكيفية تأثيرها على المجتمع الفلسطيني والعربي أجمع، ونتطرق لمواضيع كثيرة أخرى يود المجتمع الفلسطيني التنفيس عنها وإيصالها للعالم". &app=desktop أما جوان صفدي، مؤسس فرقة "فش سمك" الفلسطينية، الذي تم اعتقاله قبل ذلك في العاصمة الأردنية، بتهمة ازدراء الأديان بعد أغنيتيه "طيرا أبابيل" و"يا حرام الكفار"، ولم يمنع محاكمته سوى تدخل سياسيين فلسطينيين، يقول لرصيف22: "تناولت موضوع الربيع العربي تحديداً خلال أغنية في حضن الاحتلال، وكنت كتبتها بعد تجربة الاعتقال في الأردن. وفي فلسطين ما يسمى بالأندرغراوند هو المشهد الأبرز، الذي لا بديل له، لكن الفرق في فلسطين لا تعيش طويلاً، فالبلد صغير ومحتل والتضييق من كل جانب، الدولة ضدك والمجتمع كذلك في كثير من الأحيان، إذا كانت أغانيك لا تتوافق مع معتقداته، والعالم العربي لا ينتظرك بالأحضان لأنك تحمل الجواز الإسرائيلي". ويضيف صفدي: "الفرق تنشأ بحماسة، تحرز بعض النجاحات، ثم تموت الرغبة والطموح بعد الاصطدام بالواقع، لأن أماكن العرض قليلة والمردود المادي يبقى حلماً، فينشغل كل منا بأشغاله الأخرى التي تعيله". ويؤكد: "نحن لا نستطيع أن نغني عن الدين ولا عن الحزب الحاكم ولا عن الكبت الجنسي، دون أن نعرض حياتنا للخطر في المنطقة العربية، هذا واقع غالبية الفرق والفنانين، يلعبون في المنطقة الآمنة، فلا يلامسون الخط الأحمر، ولا يشكلون أي تحدٍ حقيقي للإجماع العام والاستبداد الديني والسياسي، وبالتالي لا يعول عليهم بإحداث أي تغيير".في موضوع واحد، جولة على أجمل موسيقى الأندرغراوند في العالم العربي
"نحن لا نستطيع أن نغني عن الدين ولا عن الحزب الحاكم ولا عن الكبت الجنسي، دون أن نعرض حياتنا للخطر في المنطقة العربية"ولـ"فش سمك" أغانٍ تعبر عن الواقع الفلسطيني، منها في "حضن الاحتلال"، "أن تكون عربياً"، "أول بأول" و"طيرا أبابيل".
مصر التعدد
في مصر أكثر من 300 فرقة أندرغراوند، لكن معظمها عرف بعد ثورة 25 يناير. ويعتبر البعض "كايروكي" صوت الثورة المصرية بأغانيها المعبرة عنها، مثل "صوت الحرية" و"اثبت مكانك" و"يالميدان" و"مطلوب زعيم". هناك أيضاً فرق أخرى تعد وسيلة للتنفيس السياسي عن الواقع المصري، مثل فرقة "عمدان النور"، التي ظهرت مع بدايات مخاض الثورة المصرية. ويقول يحيى نديم، مؤسس الفرقة، لرصيف22: "حاولنا أن نعبر عن حال المجتمع من خلال أغانينا، وأن نكون صوت الشارع فقط، وغير منتمين لفصيل سياسي معين، نتناقش مع الشعب فقط. فقد عملنا منذ البداية على أن نساهم في تغيير وعي الناس سياسياً، لأن الأغنية ذات دور قوي في توصيل المفاهيم للناس وتوصيل صوت مصر للعالم". ويوضح نديم: "الإنتاج أكبر العقبات التي تواجه فرق الأندرغراوند في مصر، فنحن نرفض وجود رعاة للفريق، لأن أي راعٍ يحاول توجيهنا لخدمة أغراضه السياسية فقط". ومن الأغنيات التي مست الوضع السياسي في مصر لفرقة عمدان النور، أغنية "مسارح وسيما وبلياتشو". ومن الفرق المستقلة التي كان لها دور في التأثير على الشارع المصري، فرقة "مسار إجباري"، التي أطلق عليها صانعوها هذا الاسم تأكيداً للإجبار الذي نعيشه جميعاً في حياتنا، وظيفياً أو اجتماعياً أو حتى سياسياً. فالعادات والتقاليد تحكم كثير من خطوط حياتنا، كما صرح أيمن مسعود أحد مؤسسي الفرقة لرصيف22. [caption id="attachment_82981" align="alignnone" width="700"] مسار إجباري[/caption] وأضاف مسعود: "تعتبر فرقة مسار إجباري صوت الشارع المصري، وبالرغم من ذلك نحن نعبر عن قضايانا السياسية في قالب اجتماعي، يشرح مشكلات المجتمع كله وليس قضاياه السياسية فحسب. نحن نطرح أغنيات تجعل الشخص يفكر في معانيها، ثم يصنع هو التأثير المطلوب، مثل "بقيت حاوي" و"أقرأ الخبر" و"أنا موجود"، و"أنا كل ما أقول ماليش دعوة".زيد حمدان ومريم صالح وتامر أبو غزالة
لا يمكن الحديث عن موسيقى الأندرغراوند في الوطن العربي من دون التطرق للثلاثي الشهير، اللبناني زيد حمدان، والمصرية مريم صالح، والفلسطيني تامر أبو غزالة. حمدان، الذي يطلق عليه الأب الروحي للأندرغراوند في الوطن العربي، احتضن عدداً كبيراً من الفرق المستقلة، لحناً وتوزيعاً وإنتاجاً، وعلى الرغم من أن موسيقاه هي مزيج بين الحب والشجن والتراث، إلا أن السياسة لم تكن بعيدة عن موسيقاه. وظهرت في مشاركته مع المغنية المصرية مريم صالح في آخر ألبوماتها "حلاويلا"، الذي احتوى على 10 أغانٍ نصفها للشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، أعاد توزيعها زيد حمدان، وأنتجتها شركة "إيقاع" التي أسسها الفلسطيني الأصل والمصري النشأة تامر أبو غزالة، عام 2007، لتكون الداعم المادي لفرق الأندرغراوند التي تعاني من غياب الدعم المادي عربياً. وعام 2011 اعتقل زيد حمدان بعد عامين من إطلاقه أغنيته "الجنرال سليمان" مع فريق "ذا ونجز"، وتم التحقيق معه لمدة 7 ساعات، بالرغم من أن الأغنية في البداية تعدد مزايا الجنرال سليمان (في إسارة إلى رئيس الجمهورية اللبنانية حينها)، إلا أنها في النهاية طالبته بالرحيل، ما أدى لاعتقاله. أما تامر أبو غزالة، فعلى الرغم من أنه أنتج ولحن وغنى العديد من الأغاني المعبرة سياسياً عن حال المنطقة العربية مثل أغنية "تخبط"، التي وصِفت بأنها تعبر عن الفوضى التي يعانيها العالم العربي، إبان فترة احتلال العراق ودخول الجيش الإسرائيلي رام الله. وأغنية مهرجان البلاعات التي ألفها في فترة الحكم العسكري في مصر، وبعد أحداث ماسبيرو ومحمد محمود، ليعبر بها عن الوضع القائم آنذاك. وعن القضية الفلسطينية يرى أبو غزالة أنه لا يمكن الغناء عن الكفاح والنضال في ظل واقع يدعو للتفاوض والسلام.مسابقات
وساهمت بعض البرامج التليفزيونية في ظهور عدد من الفرق المستقلة، حتى وإن كانت غير مهتمة بالموضوعات السياسية، مثل "فرقة جيتاناي" الأردنية التي ظهرت في برنامج المسابقات الشهير "إكس فاكتور"، ويقول فراس فرهود، أحد أعضاء الفريق لرصيف22: "باختصار نحن مهتمون بالموسيقى فقط، وهمنا الوحيد هو نشر طاقة إيجابية عن طريق حفلاتنا، التي اكتسبناها عن طريق البرنامج".من المستفيد؟
الدكتور شوكت المصري، أستاذ النقد الأدبي الحديث بأكاديمية الفنون، يقول لرصيف22، إن الفرق المستقلة موجودة من قبل الثورات العربية، لكنها زادت وحققت انتشاراً كبيراً مع حركات التغيير. ويرى المصري أن الأندرغواند ظاهرة تتوسع وتطور من نفسها، أما عن تأثيرها السياسي، فأوضح أن الفن مرآة للواقع، وليس دوره التأثير السياسي، "لكنه يشكل وعياً كبيراً لدى الشباب، ويغير حياة الناس على المدى البعيد". وعن العلاقة بين فرق الأندرغراوند والربيع العربي، يرى المصري، أن كليهما استفاد من الآخر، فالثورة وجدت من يعبر عنها من خلال الكلمة والموسيقى، وفرق الأندرغراوند وجدت أحداثاً تستطيع من خلالها أن تصل للشارع وتحقق الانتشار والشهرة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...