يُستخدم الدين في مصر في شتى مناحي الحياة اليومية. فمنذ العصر الفرعوني وعبارات تخليد الإله تكتب على المعابد، لإثبات التبعية له، سواء من جانب النظام أو من جانب الشعب. ومع دخول الإسلام مصر، انتشرت ظاهرة كتابة الآيات القرآنية، للتبرّك بها، ولكن البعض يستخدمها لتنمية ثروته.
"الدين مترسخ في وجدان الشعب المصري، وله بُعد نفسي. فمن ناحية، تكون الآيات القرآنية فاتحة خير، ومن ناحية أخرى يضعها التاجر ليطمئن المستهلك إلى منتجه أو سلعته"، تقول ريهام عبد المقصود، الباحثة الاجتماعية بجامعة الإسكندرية لرصيف22.
وسائل المواصلات الأكثر استخداماً
يتجه المواطن المصري إلى استخدام بعض الآيات من القرآن الكريم في وسائل المواصلات، ليحظى بالرعاية الربانية، بحسب اعتقاده، ولتساعده في مواجهة صعوبات الطريق. أحمد شريف يستقل سيارة الأجرة كل يوم أكثر من مرة، يقول إن كل سائق ينوّع بين استخدام آية من المعوذتين، الأولى: "قل أعوذ برب الفلق" ليتفادى أي حسد أو حقد من سائق زميل له، والثانية: "قل أعوذ برب الناس"، لتحفظ السائق من رجال الأمن والمرور، بالرغم من كونه مخالفاً لقانون السير.المؤسسات العامة بين الشفاء والحماية من الخوف
اتجهت المؤسسات الحكومية أيضاً إلى استخدام الآيات الدينية. فعلى مدخل مركز المصل واللقاح بالقاهرة، آية: "وإذا مرضت فهو يشفين". كما توجد على مكتب التأمينات الاجتماعية آية: "وآمنهم من خوف"، بالرغم من اختلاف سياق ومعنى الآية. وعن سبب وجود آيات دينية على مؤسسات حكومية، قالت عبد المقصود: "الدولة تحب أن تصدّر أي معلومة للمواطن، داخل عباءة دينية. وإذا لم تستخدم ذلك، فستوصف بأنها دولة علمانية، والعلمانية في نظر العامة كفر. الرئيس السابق محمد أنور السادات كان يقول: نحن دولة العلم والإيمان، وهذا الخطاب الديني انتشر حتى الآن وأصبح أساس التعامل بين الأفرد والمجتمع".آيات قرآنية أينما كان، على السيارات ومداخل المستشفيات ومحال العصائر...
"يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين" آية من سورة نوح يكتبها بعض السائقين على سياراتهم في مصر
"شراباً طهوراً"
"وسقاهم ربهم شراباً طهوراً" هذه الآية موجودة على معظم سبل المياه المفتوحة للعامة في الشوارع المصرية، وبعضها تُلصق عليه صورة الشيخ محمد متولي الشعراوي، تيمناً بذكراه. أما في محال العصائر، فتكتب أيضاً الآية نفسها، ما اعتبره محمد عطية (29 عاماً)، المحاسب في القطاع الحكومي، محاولة للاحتيال على الناس باستخدام الدين، كوسيلة للبيع والترويج، ليطمئن البائع إلى أنه رجل متدين ولن يغشهم، أو يطلق لحيته ويرتدي جلباباً، ليسوق بضاعته بسهولة من خلال المظهر الخارجي للدين. من جانبها، اعتبرت الباحثة الاجتماعية ريهام عبد المقصود، أن مستخدم الآية السابقة يريد أن يقول: "عصيري شراب الجنة". فهو يهيئ المستهلك لتقبل منتجه، بغض النظر عن جودته، فإذا كان سيئاً فإن المستهلك سيشعر بحرج أمام المحل الذي يضع هذه الآية."ولا تكن مع الكافرين"
"يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين"، هذه الآية من سورة نوح، يكتبها بعض السائقين، بالرغم من أنها أنزلت لتصف حديث النبي نوح مع ابنه قبل أن يغرق الطوفان الأرض. وتشرح عبد المقصود أن السائق يحاول إيهام الزبائن بأن يقول إن الله جعله آمناً، وبالتالي سيأمن كل من يركب معه هو فقط دون غيره."قل أعوذ برب الفلق"
المعوذتان سورتا الفلق والناس، الأكثر رواجاً في الأسواق والشوارع، ويرجع ذلك لإيمان المصري دائماً بأنه معرض للحسد. وتستخدمان بكثرة في وسائل المواصلات، خصوصاً الشعبية كـ"التوكتوك". وقالت عبد المقصود إن "الأمر بالنسبة لهذه الطبقة ليس له علاقة بخطاب ديني، فهو يحاول منع أي حسد". ولا يخلو مكان في مصر من صورة للكعبة المكرمة أو للمدينة، أو لآية دينية، أو حديث قدسي، فالدين في مصر له انتشار واسع ظاهرياً. كما نرى آية "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله" (الآية 38 سورة الكهف)، على مداخل البيوت والمحال التجارية، حتى تحث الزائر على أن يقول ما شاء الله، ويحصن المكان من العين والحسد.لم ينزل للكتابة على البيوت
"القرآن لم ينزل للنقش على البيوت للتباهي به"، قال محمد علي، 25 عاماً، خريج جامعة الأزهر، وتابع: "في عهد الرسول لم تعلق أي آية قرآنية". في المقابل، اعتبر الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر أن هناك آيات "ليس على استخدامها العام حرج، مثل أن يكتب محل عصائر "وسقاهم ربهم شراباً طهوراً"، أو تكتب سيارة "بسم الله مجراها ومرساها"، أو يكتب على المصعد "سبحان الذي سخر لنا هذا". وتابع أنه يشترط في التبرك أن يكون الاستخدام في محله، مشيراً إلى أن صحابة الرسول كانوا يرددون آية "كفى بالله ولي وكفى بالله نصيراً"، في غزوة الخندق."إحنا بنتشعبط في رضا ربنا"
وكما قيل في فيلم الفرح: "هي احنا بنتشعبط في رضا ربنا". فالإله، يكون هو الأمل بالنسبة للناس لتغيير أي واقع، بحسب عبد المقصود. ويستخدم المسيحيون أيضاً بعض العبارات من الأناجيل داخل المحال التجارية، لكنها لا تقارن بحجم انتشار الآيات الإسلامية. وأضافت عبد المقصود: "بالرغم من أن المسلمين الأكثر عدداً داخل مصر، إلا أنهم يشعرون بالاضطهاد، وأن عقيدتهم مهددة، وظهر هذا أخيراً عندما هاجم الإعلامي يوسف الحسيني صلاة جماعية في فناء مدرسة، فهوجم ووصف بأنه عدو للإسلام، وأعلنت أكثر من مدرسة إقامة صلاة جماعة للطلبة رداً عليه".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...