تابع العالم كله الانتخابات الأمريكية، وكانت غالبية استطلاعات الرأي في مصلحة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. لكن فاجأنا الشعب الأمريكي باختيار دونالد ترامب. وفاز على منافسته المخضرمة سياسياً، هو الذي جاء من عالم الأعمال، من دون أي خبرة سابقة في العمل السياسي.
الديمقراطيون لم يخسروا البيت الأبيض فقط، لكنهم خسروا كل شيء في ليلة واحدة. إذ فاز الجمهوريون في الليلة نفسها بغالبية مجلسي النواب والشيوخ. وبالتالي سيكون من السهل عليهم ترشيح قاضي للمحكمة الدستورية العليا جمهوري التوجه. وبهذا سيحكم الجمهوريون منفردين تماماً. فما الذي سبب هذه الخسارة الفادحة؟ وكيف تحول الأمريكيون من دعم باراك أوباما الواسع، إلى انهيار شعبية الديمقراطيين لهذا الحد؟ وما دور كلينتون في هذة النتيجة؟
1- فضيحة الأيميلات
على عكس بيرني ساندرز، المنافس الديمقراطي الذي خسر أمام كلينتون في الانتخابات التمهيدية، ركز ترامب على فضيحة الإيميلات. فهيلاري كلينتون التي شغلت منصب وزيرة الخارجية، لم تحترم اللوائح الخاصة بمنصبها، واستخدمت إيميل شخصي غير مؤمن لإرسال واستقبال إيميلات سرية. وهذا ما يتيح لأي مؤسسة أو دولة أجنبية إمكانية اختراق بريدها، ثم التعرف إلى أسرار الأمن القومي الأمريكي. كانت كلينتون في كل مرة تعتذر عن ذلك، ولكن الحقيقة أن موضوع الإيميلات ضرب مصداقيتها في مقتل. فالأمر لم يتوقف عند مخالفة اللوائح، إذ كانت هناك تصرفات غير مفهومة وغير مبررة، تستبعد احتمالية حسن النية. فمثلاً عندما سُئلت كلينتون عدة مرات هل أرسلت أو استقبلت إيميلات مصنفة سرية Classified، على الإيميل غير المؤمن؟ أجابت بكل ثقة كلا، لم أستقبل أو أرسل أي إيميلات سرية على الإيميل الشخصي. ما اتضح في ما بعد أنه كذب فج، إذ أفاد جيمس كومي، رئيس هيئة التحقيقات الفيدرالية FBI، أنها قامت بإرسال واستقبال إيميلات شديدة السرية على إيميلها الشخصي. وأيضاً عندما سؤلت إن كانت قد استخدمت جهازاً واحداً للتعامل مع الإيميل، قالت نعم، واتضح في ما بعد أنها أستخدمت بضعة أجهزة. كذلك عندما أرسل الكونغرس أمراً بتسليم الإيميلات مسحت 33 ألف إيميل بدون مبرر. كل هذه التصرفات أثارت العديد من الشكوك حول دوافعها لإخفاء الإيميلات.2- تسريبات ويكيليكيس
ما زاد الطينة بلة هو أن ويكيليكس قامت باختراق الإيميلات الخاصة بها وتسريب بعضها. واتضح من خلال هذه الإيميلات مخالفات جديدة. فقد كشف أحد الإيميلات أن مؤسسة بيل كلينتون تلقت تمويلاً قدره مليون دولار من قطر. في حين رفضت كلينتون أن تبلغ وزارة الخارجية كما ينص القانون. وفي البداية، أنكرت حملة كلينتون الأمر، ثم عادت واعترفت به بعد ما كشفته ويكيليكس. ما أكد شكوك الأمريكيين أكثر في مدى مصداقيتها. ويذكر أن نحو 70% من الأمريكيين قالوا إنهم لا يثقون بها، بحسب استطلاعات الرأي.3- انشقاق داخل الحزب
كان انحياز قيادة الحزب من البداية ضد المرشح بيرني ساندرز واضحاً. حتى أن مديرة لجنة الحزب الديموقراطي ديبي ويزرمان شولتز، قدمت استقالتها من عملها بعدما كشفت الإيميلات المسربة، عن تحيزها السافر تجاه هيلاري كلينتون، بينما كانت تمارس دور الحكم بين الاثنين أثناء الانتخابات التمهيدية. وما زاد الأمر سوءاً أن كلينتون عينتها في حملتها بعد هذه الفضيحة. والعجيب أنه تم تعيين مديرة مؤقتة، بدلاً منها، وهي دونا برازيل، التي سلكت النهج نفسه، فقامت بإرسال أحد الأسئلة التي طُرحت على كلينتون في أحد اللقاءات بشكل مسبق، لتساعد هيلاري على الفوز. وعلى أثر هذه الفضيحة جرى طردها من السي أن أن حيث كانت تعمل محللة سياسية.6 أسباب وراء الصفعة المدوية التي تلقاها الديمقراطيون في أمريكا، ومعهم الإعلام الأمريكي والعالمي في آنوعليه، بعد انتهاء الانتخابات التمهيدية، اهتزت ثقة كثير من الأمريكيين في كلينتون، وفي الحزب الديمقراطي أيضاً. ما أضر الحزب وليس فقط كلينتون. وتسبب في عزوف ملايين الناخبين عن التصويت للديمقراطيين. فقد انتخب أوباما عام 2008 نحو 70 مليون أمريكي، بينما انتخبه 66 مليوناً عام 2012، مقارنة بـ61 مليوناً فقط انتخبوا هيلاري عام 2016. هذا الفارق كان كفيلاً أن يحسم الانتخابات لمصلحتها.
4- انحياز الإعلام لهيلاري
كان الإعلام الأمريكي خلال فترة الحملات الانتخابية أشبه بالإعلام الموجه الذي نراه في الدول الديكتاتورية. رسالة واحدة يتم إملاؤها على مسامع الأمريكيين 24 ساعة في اليوم. هيلاري هي الاختيار الصائب وترامب غير جدير بالمنصب. كان الكلام عن ترامب يملأ الإعلام ليل نهار، وإن كان سلبياً، لكنه كان بطل المشهد طوال فترة الحملات. كان مدهشاً غياب التباين الكافي في وجهات النظر في الإعلام الأمريكي. وقد أفادت صحيفة البي بي سي منذ أيام أن 200 صحيفة كانوا يؤيدون كلينتون، بينما 20 جريدة صغيرة أيدت ترامب. ظن الإعلاميون أنهم بهذا الشكل سيدفعون الأمريكيين لانتخاب كلينتون، ولكن يبدو أن ذلك أتى بنتيجة عكسية.5- الاستخدام المبالغ فيها لكارت المرأة
كانت كلينتون أول أمرأة تحصل على ترشيح حزب كبير في التاريخ الأمريكي. وكانت تأمل أن تكون أول رئيسة للولايات المتحدة. وقد تم اللعب كثيراً باستخدام هذا الكارت. حتى أن إحدى الصحافيات اتهمت بيرني ساندرز في أحد المؤتمرات الصحفية أنه عنصري ومعادٍ للمرأة، فقط لكونه ينافس كلينتون في الانتخابات التمهيدية. بل وصل الأمر في أوقات كثيرة إلى حد الابتزاز السياسي. فكثيراً ما كانت الإجابة على الأسئلة الخاصة بموضوع الإيميلات وعدم مصداقية هيلاري كلينتون تنتهي بإجابات مثل: أنت تسأل هذا السؤال فقط لأنك رجل، وتكره أن تقبل بأمرأة في البيت الأبيض.6- الصوابية السياسية
يشعر الأمريكيون بالخوف من تنامي ظاهرة الهجمات الإرهابية. لا يفهمون كثيراً عن الإسلام، لكنهم يرون الذي يقتلون ويفجرون بمظهر إسلامي، ينطقون بآيات من القرآن وأحاديث من السنة. يتساءلون عن علاقة الفكر الإسلامي بالإرهاب في الخفاء، ويقولون في العلن إن الإسلام لا علاقة له بالأمر، لأن هذا ما يقوله السياسيون الديمقراطيون طوال الوقت. يشعرون بالخوف من المهاجرين المسلمين، ولا يستطيعون التعبير بحرية عن هذا الخوف. هل الإسلام هو السبب؟ هل الوهابية هي من أنتجت داعش؟ ما الذي يدفع مراهقاً لأن يقتل نفسه في تفجير انتحاري؟ كلها أسئلة يسألونها في الخفاء، وينكرونها في العلن. ومع انتشار الإرهاب غير المسبوق في ظل إدارة أوباما زادت هذه الأسئلة وفي الوقت نفسه جعل اليسار الديمقراطي مجرد التساؤل أو النقاش في هذا الأمر، نوعاً من أنواع العنصرية، مع غياب حلول حقيقية للمشكلة. وفي الوقت الذي تم فيه تسريب إيميل قالت فيه كلينتون إنه من المفيد أن يكون لك رأيان بخصوص أي قضية سياسية، واحد تقوله للعامة وآخر تقوله في الغرف المغلقة، ظهر ترامب كرجل يقول ما يشعر به من دون أي تجميل، مهما بدا غير مناسب من الناحية السياسية، فأحبه قطاع كبير من الناس، لصراحته التي جعلته مميزاً جداً عن بقية أهل السياسة، سواء من اليمين أو اليسار، الذين تربوا على فكرة الصوابية السياسية. وبالرغم من أن أوباما قام بكل ما في وسعه ليضمن كلينتون خليفةً له في البيت الأبيض، فقد تبيّن أن كلينتون كانت هي الدبة التي قتلت صاحبها. فقد شعر كثير من الأمريكيين أن كلينتون كانت فوق القانون بسبب قضية الإيميلات التي لم توجه لها تهم جنائية بخصوصها. كما أن تحالف الرئيس والإعلام، وحتى بعض السياسيين الجمهوريين لإنجاح كلينتون بهذا الشكل الفج، جعل من ترامب يظهر كنصير للناس ضد النخبة السياسية، التي لا يثق فيها كثير من الأمريكيين. ما دفع الأمريكيين إلى أن يسيروا في الاتجاه العكسي، وصفعوا الديموقراطيين صفعة مرعبة، واختاروا ترامب، ومن خلفه الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب، ليعيش أوباما آخر أيامه في البيت الأبيض، يتخيل كيف سيهدم ترامب والجمهوريون كل ما حققه هو في ثماني سنوات.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين