لم يفز دونالد ترامب بسبب ذكوريته كما لم تخسر هيلاري كلينتون لكونها امرأة، صحيح ذلك، فجنس المرشحين لم يكن عامل حسم لطرف على حساب الآخر. لكن "العمق الذكوري" الذي صاحب الحملات الانتخابية، أوصل الأمريكيين لخلاصة مفادها أن "الولايات المتحدة ليست جاهزة بعد لانتخاب امرأة". عزّز ذلك تلك الذكورية الفجة التي عبّر عنها ترامب في مناسبات عدة، كما عكست خريطة جنس المقترعين وأعمارهم ذاك الانقسام، إذ صوّتت النسبة الأكبر من الذكور ومن الفئات العمرية المتقدمة له.
الفرحة لم تكتمل
في أكتوبر الماضي، قامت أستل شولتز (98 عاماً) بالتصويت عبر البريد من دار المسنين حيث تقيم. كانت شولتز عاملة في مصنع أثناء الحرب العالمية الثانية، وما زالت تذكر كيف اصطحبتها والدتها عندما ذهبت للتصويت للمرة الأولى في حياتها. تقول إنها قررت أن تعيش طويلاً لتشهد هذه اللحظة، وعندما "أدركت أن الوضع خطير"، طلبت من حفيدتها أن تنشر لها صورة على فيسبوك أثناء التصويت. حازت الصورة على الآلاف من الإعجابات، فبدأت الحفيدة بالبحث عن قصص مشابهة. هكذا، أبصر موقع "انتظرت 96 عاماً" النور، وفيه تجمعت نساء من عدة ولايات ليشاركن ذكرياتهن عن اكتساب المرأة الحق في التصويت، حين تم تعديل المادة 19 من دستور الولايات المتحدة. بين هؤلاء إيرين ميلاماد (97 عاماً) الفرحة بكونها عاشت لتصبح "جزءاً من التاريخ"، وآن ويسكونت التي اعتبرت في عمر الـ99 و9 أشهر أنها حققت هدفها "أهلي شاركوا في بناء البلاد وجيلي أسقط هتلر... ولا أريد أن أرى ما بنيناه يُهدم بالعنصرية والخوف من اللاجئين.. هيلاري 2016". أما ليا سيلفر فقد ولدت قبل حصول المرأة على حق التصويت في العام 1918، وقد شاركت صورتها وهي ترتدي كنزة كتبت عليها "مكان المرأة الفعلي هو البيت الأبيض". في المقابل، ردّت كلينتون على هذا الاحتفاء برسالة وجهتها لشولتز جاء فيها "كنت كثيراً ما أشعر بالخوف من التفكير في المسؤولية الرهيبة التي ألقيت عليّ كأول مرشحة أميركية من حزب سياسي كبير. لقد حققنا الكثير، ولم يتبق سوى عقبة واحدة لنجتازها. شكراً لكن، من أعماق قلبي، على خلق مسارات جديدة في حياتكن الخاصة وشقّ الطريق لنا لكي نسير عليه". لم تكتمل فرحة تلك النساء، إذ تبدو الطريق أمامهن أكثر صعوبة مما اعتقدن، والعقبات ليست مجرّد "واحدة"، حسب الرسالة. وبدل أن تتوّج كلينتون مساراً نسائياً طويلاً بدأ في العام 1872، انضمت لتكون بين النساء الـ11 اللواتي يحاولن تعبيد الطريق أمام "الرئيسة المنتظرة”، يوماً ما.12 امرأة ومسار طويل
في العام 1872، كانت فيكتوريا وودهال أول امرأة أمريكية تترشّح للرئاسة. أثار ترشيحها صدمة يصاحبها الإعجاب بتلك المرشحة عن حزب "الحقوق المتساوية" التي تجرأت على خوض غمار الانتخابات الرئاسيّة، بينما كانت محرومة من حق التصويت. حينها كان تصويت المرأة في الولايات المتحدة غير قانوني، أما النساء اللواتي يتجرأن على دخول مراكز الاقتراع فكنّ معرضات للاعتقال. أكثر من 140 عاماً تراكم فيها النضال النسوي الذي تحدى القانون وضغط المجتمع والنظرة الذكورية في تاريخ الولايات المتحدة. فيكتوريا وودهال كانت الأولى، وكان ترشحها رمزياً لأنه لم يصدر عن هيئة موكلة بالترشيح الرسمي. في ذلك الوقت، واجهت صعوبة في استقطاب دعم المفكرات والناشطات في أمريكا، بينما قبض على من حاولن التصويت للقيام بعمل "غير مشروع". بعد 12 عاماً، شقّت بيلفا آن لوكوود طريقها كأول مرشحة رسمية عن حزب "الحقوق المتساوية". هاجمتها الصحف حينها ووصفتها بـ"السيدة العجوز". حصلت على 4000 صوت، بينما اتهمت لجنة فرز الأصوات بالتزوير. وفي العام 1940، أضفت غراسي آلين جواً من الفكاهة على الأجواء الانتخابيّة. حينها كان فرانكلين روزفلت، أحد أقوى رؤساء أمريكا، يخوض المعركة. كانت ممثلة كوميدية ونجمة سينمائية، ولديها برنامج تقدمه مع زوجها جورج بيرنز، وخلال البرنامج دار بينهما الحوار التالي:- جورج سأخبرك سراً. سأترشح للرئاسة.
- تترشحين للرئاسة!
- نعم
- ومنذ متى هذا الأمر
- منذ 150 عاماً، بعدما بدأه جورج واشنطن
- ولكن في كل تاريخ أميركا، لم يكن هناك امرأة في منصب الرئاسة
- نعم، ألا تجد ذلك ممتعاً؟ سأكون أول امرأة.
ماذا عن العالم؟
بعض السياسيات في العالم استفدن من تاريخ سياسي صنعه أب أو زوج، وأخريات حققن ذلك بجهد شخصي خالص. من هؤلاء رئيسة البرازيل ديلما روسيف، المرأة الأولى التي تصل إلى سدّة الرئاسة في البرازيل في العام 2011. وفي العام 2006، انتخبت ليبيريا إلين جونسون سيرليف (78 عاماً) لتصبح رئيسة، وكانت المرأة الأولى التي تحكم دولة أفريقية ولقّبت بـ"المرأة الحديدية"، كما فازت بجائزة "نوبل" للسلام في العام 2011. هناك رئيسة تشيلي يشال باشيليه، وكاثرين سامبا بانزا في جمهورية أفريقيا الوسطى. وانتخبت أول رئيسة مسلمة في تاريخ موريشيوس، إذ أصبحت أمينة غريب فقيم (56 عاماً) أول امرأة تشغل منصب رئيسة. وفي ليتوانيا، وصلت داليا غريباوسكايتي وكوليندا غرابار كيتاروفيتش في كرواتيا. وأصبحت رئيسة مالطا ماري كوليرو بريكا السيدة الثانية التي تتولى الرئاسة منذ استقلال هذه الجمهورية الجزيرة الواقعة في البحر المتوسط عن بريطانيا العام 1974، بينما تولت بارك كون هيه كأول امرأة رئاسة الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية في العام 2013. في المنطقة العربية، لم يصل النضال النسوي، إلى خاتمة سعيدة بعد. ثمة وجوه نسائية حاولت دخول المعترك، لكن حضورها بقي خجولاً جداً، كما حصل مع فاطمة عبد المحمود في السودان وكلثوم كنو في تونس ورشيدة القيلي في اليمن وبثينة كامل في مصر وماجدة البطش في فلسطين وغيرهن. فكم عاماً سننتظر بعد ليُكتب هذا "اليوم التاريخي”؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...