مغامرات عدة خاضها الرحالة المصري إسلام كامل. فقد تسلق أشهر جبال العالم، وسبح مع أسماك القرش الأبيض في المحيط الأطلنطي، وسار بجانب أسود أدغال زامبيا، وصاحب غوريلا الجبال بالكونغو، وعبر أعنف أنهار العالم بقارب مطاطي. كما أنه أول عربي يقوم بالغطس تحت صفحة جليد القارة القطبية الجنوبية، ومغامرات أكثر. لكننا حين نسأله عن أصعب مغامرة قام بها، تكون إجابته غير متوقعة: "أخطر رحلاتي وأكثرها صعوبة هي رحلتي لاكتشاف نفسي، هي رحلة داخلي".
يحكي إسلام كامل لرصيف22 "رغم كثرة مغامراتي لكن هناك تجارب لن أنساها، منها مغامرة الغطس تحت جليد أنتاركتيكا، والسباحة في المحيط المتجمد الشمالي، ومنها الوصول إلى جزر الجلاباجوس وعبور صحراء الملح بأمريكا الجنوبية، ولن أنسى أبداً القفز بحبل في منابع النيل، ودخول فوهة أحد البراكين النشطة في أيسلندا".
وأضاف: "كلها تجارب رائعة تجعل الأدرينالين يندفع في عروقي بعنف، ولكن سأذكر لك ثلاث لحظات هي الأكثر تأثيراً وإبهاراً. الأولى لحظة انقشاع الضباب من أمام السفينة التي عبرت بها ممر دريك البحري في المحيط الجنوبي ورأيت جبال أنتاركتيكا العظيمة للمرة الأولى، كان شيئاً مذهلاً، وعندما خطوت على سطحها للمرة الأولى كنت وكأنني أخطو على سطح كوكب آخر. الثانية، عندما رأيت الأضواء القطبية تملأ سماء محيط الشمال في استعراض مبهر من الأضواء، بدت وكأن يد الله ترسم السماء. والثالثة عندما اقتفينا أثر عائلة من غوريلا الجبال في أوغندا، ووجدت نفسي وجهاً لوجه أمام ذكر غوريلا فضي الظهر. كان يمكن له إن أراد أن يقضم ظهري لنصفين. تطلع إلى عيني مباشرة في نظرة هزت وجداني والعجيب أنني لم أشعر بالخوف".
"التحريض" على السفر
من خلال مدونته أدرينالين يسعى إسلام كامل لفتح نافذة على عالم لا يعرفه الشباب العربي. تسجيل مشاهدة تختلف عن التنميط الإعلامي، لحضارات وثقافات تشاركنا هذه الأرض. ويحاول المغامر من خلالها، طرح رؤية أكثر عمقاً لتجارب السفر. يقول: "أحاول تقديم تجربة تتجاوز مجرد استقلال الطائرة لبلاد ألتقط فيها الصور الفوتوغرافية، وأنا أرفع علماً أو أمسك لوحة تحمل رقماً. أحاول أن أكون مسافراً وليس مجرد سائح، والفرق كبير! فأي شخص يملك ما يكفي من المال والوقت بإمكانه أن يسافر إلى الدنيا كلها. السفر بالنسبة لي فلسفة خاصة وقراءة في التاريخ والحاضر والمستقبل، تجربة شخصية بحتة تجعلني أتطور وتتطور معي رؤيتي لهذا العالم".بداية الحلم
البداية كانت من الإسكندرية، حيث ولد إسلام. وبصحبه والده تعرف إلى باعة الكتب في شوارع الإسكندرية. حين كان طفلاً تعوّد أن يقرأ مغامرات "تان تان"، ورحلات "جليفر"، وحكايات "روبنسون كروزو". يحكي كامل: "كنت أتصفح هذه الإصدارات بنهم ورغبة لرؤية هذه العوالم المذهلة، لقد كنت مجرد طفل في السابعة من عمره، ولكنني حلمت بالذهاب إلى أماكن في أبعد أركان الأرض، حلمت بوجهات بعيدة وعوالم من الخيال ولم يخطر لي أحلام الطفولة ستصبح واقعاً".مغامر مصري: "قررت أن أدفع حدود الخوف نفسها، فإذا كنت أخاف أسماك القرش يجب أن أسبح معها مثلاً..."يرى إسلام أن السفر يتيح له فرصة لإعادة اكتشاف نفسه، يقول: "أجد أنني أثناء السفر ومهما كانت غرابة الوجهة، أقوم برحلة أخرى إلى الداخل، لاستكشاف النفس وتحديها ومعرفة حدود قدراتها، للتطور والنمو في سبيل أن أكون إنساناً أفضل على مختلف المستويات". ويضيف: "حين كنت صغيراً، كنت أخاف من كل شيء. كنت أخاف الماء والمرتفعات وأخاف الكلاب وحتى القطط! وفي لحظة ما من حياتي قررت أن أواجه هذه المخاوف كلها. بل أدفع حدود الخوف نفسها، فإذا كنت أخاف أسماك القرش يجب أن أسبح معها مثلاً، وهكذا، أدفع باستمرار حدود ما أظن أنها أقصى قدراتي. واختبر نفسي في مواقف جديدة، عندها وجدت أنه فقط عندما يحاول الإنسان، سيفاجئه ما يمكن أن يفعله وهذا هو أساس فلسفتي في الحياة الآن". اختلفت اهتمامات إسلام ونظرته للحياة وللناس. ويوضح: "قررت أن أبدأ ما أحب وأنه لا داعي لأن يكون هدفي في الحياة، هو جمع المال كالمجنون لأقوم بصرفه بعد سنين على الأطباء والدواء، قررت أن لا حاجة لأن أرضي المجتمع، ولا يصح أن أحيا وفق مفاهيم وتقاليد فرضت علي، ولم يكن لي يد في صياغتها، كالسيارة الفارهة أو المنزل الفاخر. يجب أن لا أنتظر تقاعدي لأبدأ حينها في رؤية العالم، أو ملاحقة شغفي وأحلام طفولتي. سأجعل كل هذا يحدث الآن. أصبح هدفي هو أن أكتشف عوالم أخرى لأتعلم وأزداد خبرة ومعرفة. عشقت المغامرة وعلمت أن الحياة بدون مغامرة هي في الحقيقة ليست حياة، إنما مجرد حالة انتظار!". علّم السفر إسلام أشياء عدة، منها ألا يشغل نفسه بالبحث عن السعادة إذ أدرك أن السعادة تكمن في الرحلة نفسها وليس في الوجهة، أن السعادة الآن وليست غداً، وصار يقدّر الأشياء البسيطة، وازداد احترامه للآخر عندما اكتشفه وحاوره وتناقش معه، بغض النظر عن دينه، ولونه، أو ثقافته! يحكي بحماس أن السفر يجعله أيضاً أكثر تواضعاً أمام عظمة وجمال هذه الأرض. يؤكد: "بات ذلك واضحاً عندما ألقيت عصا السيلفي بعيداً، أصبحت أعتبرها أداة تجسد حب الإنسان لنفسه. لا أكن لها الكثير من الإعجاب. فلماذا مثلاً وأنا أمام جبال "أنتاركتيكا" العظيمة سأقوم بتصوير نفسي لأحتل ثلثي الصورة؟! أنا أريد أن أنقل صورة عن المكان وليس عن نفسي، وربما تكفيني صورة أو أثنتان لنفسي على سبيل الذكرى".
إلى آخر الأرض
يجهز المغامر المصري كتابه الأول الذي سيوثق فيه مغامراته، وسيحمل عنوان "إلى آخر الأرض"، يتناول الكتاب السفر من زاوية مختلفة. يضيف إسلام: "في كتابي سأستعرض أسئلتي عن الحب والحياة والدين والسياسة، التي طرحتها على من قابلتهم في شتى بقاع الأرض، وأستعرض الإجابات وقد أذهلني تشابهها من غابات الكونغو، حتى صحارى بوليفيا. نحن لسنا مختلفين، نتشارك الأحلام والآمال والمخاوف والميثولوجيا نفسها، إن فرقتنا الحدود فقد جمعتنا الإنسانية. والكتاب يستعرض هذا الجانب الإنساني والنفسي المصاحب للسفر". يضيف المغامر: "لن تجد في الكتاب حديثاً عن أفضل مطاعم البيتزا السياحية في روما، ولكن ستجد حديثاً عن الموز المقلي في حواري سانتا كروز، وأوراق الكوكو في طرقات كيتو، ولحم التمساح في ذلك المطعم الصغير الذي يبعد أميالاً قليلة من شلالات فيكتوريا، وطعم لحم حوت المينكي، الذي تناولته في "ريكيافيك". ستجد حديثاً عن قصص مثيرة للقاءات مع الأسود والضباع والغوريلا وأسماك القرش". ستجد حديثاً عن قمم جبال وأعماق محيطات لم أظن يوماً أنني قد ألقي عليها نظرة. ستجد حديثاً عن حضارات قديمة لم نقرأ عنها في كتب التاريخ المدرسية، ستجد حديثاً عن أماكن باردة وأخرى مظلمة وثالثة لا تغرب عنها الشمس، ستجد وصفاً لأضواء الشمال، التي هزت وجداني، ستقرأ قصصاً عن التعايش والانسجام. عن كيف تزين باب تلك الكنيسة اليسوعية على ضفاف بحيرة تيواناكو برسومات إله الشمس عند الإنكا. وكيف تمر مسيرة الإله جانيش الهندوسي أمام المساجد في شرق آسيا. ستجد حديثاً عن الخوف والأحلام، عن مفاهيم السعادة، عن الحب، عن الحياة. عن تحدي النفس ودفع الحدود". قبل أن أترك إسلام ليجهز حقيبته من أجل الرحلة المقبلة، ظهر من مكان ما صوت بائع روبابيكا عجوز ينادي في الشارع، "أي حاجة قديمة للبيع" يضحك إسلام ويقول: "هذا ما أفتقده دائماً أثناء سفري، الضوضاء. هناك دائماً ضوضاء محببة في مصر هي مزيج من أصوات الشارع وأصوات المقهى، ونداء الباعة الجوالين، وحديث الجيران، لا أجده في أي مكان آخر من العالم، وهو أكثر ما أفتقده وأنا بعيد عن مصر".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين