على متن الرحلة التي كانت تقلني إلى طهران، وقبل دقائق من هبوط الطائرة، وجدت نفسي فجأة محاطة بنساءٍ مرتديات النقاب الذي يغطي الوجه ما عدا العينين، وفي المطار، لاحظت وجود رجال مدججين ببندقيات الكلاشينكوف. أما عند وصولي إلى الفندق، فكانت تعرض على تلفاز الردهة مشاهد للجيش البريطاني والأمريكي وهم يتعرضون للمنازل والمدارس مع بعض اللقطات لنسوةٍ وأطفالٍ يبكون. عندما سلمنا جوازي سفرنا لمدير الفندق قال لنا: "آه، بريطانيان" وفي التوقيت المثالي، ظهر على التلفاز مشهد لجموعٍ تحرق العلم البريطاني.
ذهبت وصديقي إيد إلى غرفتنا المتواضعة وأغلقنا الباب. لم نتعرض سابقًا لمثل هذا الموقف، أن نصل إلى بلدٍ غريب، ونشعر بالغربة فعلاً. هل يجب علينا أن نخفي هويتينا، ونجد الطريقة الأفضل للتصرف في هذا البلد الجديد والغريب الذي يدعى إيران؟ لا أظن ذلك!
في الصباح التالي، علّقنا كاميرا فيديو على مؤخر دراجتي الهوائية وأخفيناها جزئيًا تحت المعطف وتوجهنا إلى السفارة الأمريكية المعروفة محليًا بـ"عرين التجسس" ورحنا نصور النساء المحجبات اللواتي يعبرن بجانب الجداريات المناهضة للولايات المتحدة المرسومة على حائط السفارة بتشجيعٍ من الحكومة.
يُستعمل"العرين" حاليًا كمعسكرٍ لتدريب الحرس الثوري الإيراني. لذا يتشدد الملالي في موضوع تصوير هذا المركز، ولا يحق لأحد تصويره بالفيديو. مع الكاميرا المعلقة على مؤخر الدراجة والمغطاة بمعطف، كنا نبدو فعلاً كجاسوسين غير بارعين!
كانت البداية جيدة. توقفت أمام جداريةٍ كبيرة لتمثال الحرية تظهره على هيئة هيكلٍ عظمي، ووجهت الكاميرا المعلقة على مؤخر دراجتي الهوائية منتظرةً اللقطة المناسبة. لم تسر الأمور كما خططت لها، فقد ظهر رجلٌ يرتدي بزةً رمادية ووقف قبالة العدسة. طلبت منه الابتعاد، لكنه سرعان ما أخرج كاميرته من جيبه والتقط صورةً لوجهي ومن ثم أمسك بمعصمي وقال: "ما اسمك؟ عليك أن تبقى معي الآن”.
في العام 1979 اتهم 52 أمريكيًا بالتجسس على إيران وتم توقيفهم 444 يومًا في المبنى الذي كنت أحاول تصويره. فأجبت: "أنا آسفة، عليّ الرحيل الآن" وسحبت معصمي ومضيت بعيداً بدراجتي في شوارع طهران الخلفية.
انتابني وصديقي إيد شعور بالقلق، فإذا كان ذلك الرجل من أفراد الشرطة، كم سيستغرق من الوقت ليطابق الصورة التي التقطتها لي بصورة تأشيرة السفر الخاصة بي؟ ومع ذلك حاولنا إبعاد القلق والاستمتاع بالمعالم السياحية في طهران.
في تلك الأمسية، زرنا متحف طهران للفن المعاصر. في خارجه، التقينا مدير المتحف الذي عاد لتوه من باريس ومعه لوحة لبيكاسو. أمّا في الداخل، فقد التقينا 3 إيرانيين في العشرين من العمر: باباك الذي يعد الأفلام الوثائقية، وريما التي تعمل لمصلحة بلومبرغ، وبهاري التي تعمل لمصلحة اليونيسيف. سألتنا بهاري عن رأينا في إيران فأخبرناها عما شاهدناه على التلفاز في ردهة الفندق وعن الحادثة التي حصلت معي أمام جداريات "عرين التجسس" وذلك الرجل الذي التقط صورةً لي، فأظهرت امتعاضها وطلبت منا ركوب سيارتها.
بعد ساعةٍ وصلنا إلى منزلٍ تقام فيه حفلة سرّية، وهناك شربنا الفودكا ورقصنا على أنغام موسيقى البوب الأوروبية، وهما أمران محظوران في إيران. نزعت الفتاتان حجابيهما فور دخولهما للمنزل. وبينما كان باباك، الذي يعد الأفلام الوثائقية، يرقص على الأنغام الأوروبية، صرخ لنا يسألنا عن رأينا في شعب إيران. نحن نعتقد أنّ الشعب الإيراني شعبٌ رائع.
بعد قضاء 7 أيامٍ في طهران كان علينا الرحيل لبدء طوافنا، ولنبقى متقدمين بخطوةٍ عن “الفريق المخابراتي الذي سيتعرف على صورتي حتماً”. البحث عن بريطانيين في طهران يختلف كثيرًا عن البحث عن بريطانيين على دراجتين هوائيتين مرتديين زيين من الليكرا في المناطق النائية من إيران. الجميع يعلم أن ذلك بمثابة البحث عن إبرتين في كومة قش.
ركبنا الحافلة وتوجهنا إلى مدينة شيراز جنوب إيران وقررنا افتتاح رحلتنا في برسبوليس، وهي مدينة إيرانية قديمة تقع في زاوية سهلٍ مغبرٍ وراءه جبلٌ. يعود تاريخ هذه المدينة إلى 514 قبل الميلاد، في تلك الحقبة كنا في المملكة المتحدة نحاول معرفة كيفية استخدام الحديد. زرنا "قصر الابندا" و"قاعة المئة عمود" و"ضريح ملك الملوك". لقد نالت هذه المواقع الأثرية إعجابنا.
التقطنا صورةً احتفالية وتصافحنا أمام "بوابة جميع الأمم" كما أدلى كل منّا بكلمة. ومن ثم بدأت رحلتنا على الدراجتين الهوائيتين. خرجنا من المكان ومضينا في أول منعطف باتجاه الهضبة. الوجهة التالية: أصفهان. وصلنا إلى تقاطع طرق فسألت إيد أي طريق علينا أن نسلك ولكنه لا يعلم. خريطة إيران التي بحوزتنا والتي اشتريناها من "كوفنت غاردن" كانت غير نافعة، فهي تظهر أن هناك أقل من 20 طريقاً في إيران كلها، كما أنها لا تظهر مدينة برسبوليس.
على مفترق طرق، التقينا برجلٍ مجعد الوجه وخشن اليدين حاملًا بيدٍ منجلاً وبأخرى كيسًا من الحطب. إنّه لمن المبتذل القول إنني أحمل الكثير من الأمتعة من عدَة الدراجة الهوائية والكاميرا ذات الـ10.2 ميغابيكسل وكيس النوم القابل للنفخ. بالمقارنة مع الرجل، أحسسنا أننا ثريان من كوكب آخر.
أرشدنا محمد إلى الطريق الصحيح ثم بلغنا طريقًا رملية. تبعنا محمد بعد ساعةٍ على متن دراجته النارية مصطحبًا ابنه معه. كان قلقًا من أننا سنضل الطريق التي أرشدنا إليها. أعطانا رغيفين من الخبز وبعض النقود كما حاول ابنه إعطاءنا خاتماً كان في إصبعه ليعود محمد ويعطينا سترتين لأنه خشي علينا من برد الليل.
قدنا دراجتينا تحت السماء الزرقاء والواسعة التي جعلتني أبتسم بطريقةٍ عفوية تمامًا كما أبتسم عند تناول أوّل رشفةٍ من فنجان قهوةٍ لذيذة. كيف يمكن للمرء أن يشعر بالضيق في مكانٍ كهذا؟
في ليلتنا الأولى خيمنا في سهلٍ خالٍ حيث يمتد مجال النظر إلى قرابة الـ20 ميلًا. بدت لنا جبال صخرية وكأنها ظهرت من العدم، وأوان مغيب الشمس تحول لون هذه الجبال إلى وردي من أعلى قممها إلى أسفلها. في اليوم التالي وصلنا إلى طريقٍ صغيرٍ معبّد، اقتربت منا شاحنةٌ مزخرفة وعندما وصلت إلى أقرب نقطةٍ من أذني أطلق السائق بوقًا، وهذا ما أفقدني توازني، ثم قام راكبٌ بالخروج من نافذة الشاحنة وقال لنا: "مرحبا".
اصطحبتنا السيارات والدراجات النارية لمسافة أميال. لقد كان السائقون يتحدثون باللغة الفارسية. لم أكن أجيد الفارسية وكذلك صديقي إيد. ولكن الأسئلة كانت تتبع الإيقاع ذاته فأخذنا بالإصغاء إلى حديثهم وركزنا على المراحل التي يتوقف فيها الكلام.
سؤال: صوت غير محدد ولكنه عادةً يتضمن كلمة "خوجا" مع علامات الامتعاض ووجه متجه إلى الجنب ويد ملتوية.
جواب: انجليز.
سؤال: صوت غير محدد يتضمن "خوجا" مجددًا، وجهٌ ممتعض ولكن بدرجةٍ أقل ينظر إلى الأمام والوراء.
جواب: شيراز، أصفهان.
سؤال: صوت غير محدد يتضمن كلمة "خوجا"، حاجبان مرفوعان ووجه متسائل،
جواب: تركيا.
وعلى مسافةٍ ليست بعيدة من أصفهان اصطحبنا سائق دراجةٍ نارية يدعى مهدي وهو في مثل عمرينا. أطلق علينا مهدي لقب "رجال الدراجة الهوائية الإنجليز" والتقط لنا صورة بجواله الحديث. اقترب المغيب فأخذت وإيد في البحث عن مكانٍ للتخييم. توقفنا لودّاع مهدي قائلين: "خودا حافظ" فتوقف هو أيضًا وتسمر في مكانه.
ركبنا دراجتينا وانطلقنا فتبعنا. لم نرد أن ننصب خيمنا ومهدي في الجوار يبحث عن مكان له في إحدى خيمنا لذلك جعلناه يتقدمنا، فاختفى عند أوّل منعطف. عندئذ اختبأنا في غابة الأشجار الكثيفة وحرصنا على أن نبقي رأسينا منخفضين. حلّ الظلام وخفتت الأصوات وامتلأت السماء بملايين الغيوم. كنت أشعر بتعب شديد.
وفجأة سمعنا صوت بوق دراجة مهدي ورأينا مصباحها ينير المنطقة التي نخيّم فيها فأختبأنا خلف الأشجار وقفزنا فوق امتعتنا لأخفاء ظلالها.
مرّ أسبوعٌ على وجودنا في إيران. كان مصروفنا اليومي لا يزيد عن باوند واحد يوميًا. تناولنا اللبن والفاكهة الطازجة والعسل عند الإفطار وسندويشات الجبن والبندورة على الغداء. أمّا العشاء فكان عبارةً عن طبقٍ من المعكرونة. تناولنا كميات هائلة من الثوم ولم لا؟ ففي الجمهورية الإسلامية في إيران التقبيل غير مسموح ولم يكن بالتأكيد الكحول متوفرًا. بدأنا نشعر بأننا بصحةٍ أفضل وازدادت سمرتنا نتيجة تعرضنا للشمس، فبدوْنا وكأننا نشع صحّة وعافية.
بعد أسبوعين قصدنا جبال زاغروس. كثيرًا ما قدنا دراجتينا على طرقٍ موحلة، وكثيرًا ما كانت الطرقات منحدرة، مما أرغمنا على جر درّاجتينا والسقوط أحيانًا. كان علينا دفع الدراجتين صعودًا والقفز عليهما ومحاولة وضع أرجلنا على الدواستين قبل أن نقع. وكنّا في أغلب المحاولات، نقع.
ولكن في كل مرّة كنا نصل إلى الأعلى كان يحدث أمر غريب، كنا ننسى الألم عندما نرى تلك المناظر الخلابة. أطلقنا على هذه الحالة اسم "متلازمة جبل زاغروس" وهي متلازمة أعتقد أنّها تشبه تلك التي تصيب الأم التي أنجبت لتوها، فعلى الرغم من الألم الذي يرافق هذه العملية، فإن الأم تنسى الألم وتكون جاهزة للقيام بذلك مجددًا.
يقع الطريق الأصعب على علو 2800 مترًا. لقد أظهرت لنا الخريطة أنّ أوّل قرية سنصل إليها في الجهة المقابلة تدعى سوليباد. كان علينا أنّ ننتبه لفأل الشأم في سوليباد فأسمها يبدو سيئاً... ولكن مع نزولنا عبر الوادي باتجاه القرية، كنا في انتظار أن يستقبلنا أهل القرية استقبال الأبطال. لربما سيقوم العمدة بذبخ عجلٍ على شرفنا؟
توقفنا بالقرب من أحد محال سوليباد وتساءلنا أين سكان القرية! وفجأة اهتزّت الأرض على وقع أقدام قرابة الـ150 طفلًا، جميعهم لم يبلغوا الـ14 من العمر، وها هم يحيطون بنا، أرادوا أن يصافحونا كما أراد بعض الصبية لمس درّاجتينا. لم أكن متأكدةً إذا ما كان علّي السماح بذلك. اقترب الأولاد منّا أكثر فأكثر والبعض منهم كان كبير القامة. لم يكن باستطاعتنا الهرب إذا أردنا ذلك نظراً لعددهم. شعرت بصفعةٍ على ظهري ومن ثم تلقيت ضربةً قوية. سيقطعوننا إرباً في غضون 15 دقيقة!
لم أكن سعيدة في حياتي لرؤية مجموعة من الرجال غير المنتظمين يقتربون شاهرين أسلحتهم كما في تلك اللحظة. وصل رجال الأمن حاملين هراواتهم ورافقناهم إلى مركزهم وهو عبارة عن قلعة صغيرة تضم الكثير من الأبراج وفتحات لإطلاق الأسهم وأبواباً خشبية ثقيلة مكسوة بالحديد. في تلك الليلة رافقنا رجال الشرطة إلى خارج البلدة.
عندما توقفنا إلى جانب الطريق والتقينا بأحدهم كنّا عرضةً لتصرفات غريبة: نحن من بريطانيا العدو اللدود لإيران كما كنا نرتدي الليكرا وهو أمر قد يؤدي بإيراني إلى السجن، ولكن الشعب الإيراني بطبيعته مضياف، كما أنّه لن ينتقم من بريطانيين يسافران على دراجتيهما ويحملان أمتعتهما في أكياسٍ صغيرة بسبب الصراعات الجيوبوليتكية بين الدولتين. كنّا تنلقى تقريباً كل يوم دعوةً لزيارة منزل أحدهم كما تعلمنا أن لا نبدي إعجابنا بشيءٍ ما لأن مضيفنا سيحاول أن يقدمه لنا.
اقتربنا من أقليم كردستان الذي يقع على الحدود الغربية لإيران، وفي بلد شينارية التي تقع في قلب الجبل التقينا بشاب لطيف يقود سيارة بيجو 206 ويستمع إلى الموسيقى الغربية . كمعظم سكان هذه المنطقة، كان كرديًا، وقد قرأنا الكثير عن الأكراد. 40 مليونًا من الأكراد يعيشون في منطقة تمتد بين إيران وتركيا والعراق وسوريا، مما يجعل منهم الأمة الأكبر في العالم التي لا تتمتع ببلدٍ مستقل. دعانا جان إلى منزله.
في المساء ركبنا سيارة جان وسلكنا طريقًا يؤدي إلى خارج القرية. اتصل جان بأحدهم فظهرت شاحنة تقترب منّا. تبادل جان شيئًا ما مع سائق الشاحنة فاتجه هذا الأخير نحو الأشجار الكثيفة وعاد بعد دقيقتين ومعه زجاجة يخفيها تحت سترته وأعطاها لجان الذي لفها على الفور بقطعة ملابس ووضعها داخل كيسٍ تحت المقعد. قادنا جان إلى مكانٍ على بعد بعض الكيلومترات حيث ركن السيارة إلى جانب الطريق. نزلنا من السيارة وجلسنا على السجاد وأعطاني جان الزجاجة. إنها زجاجة من الويسكي من نوع "الملك آراك" King Arak وهو ملك مشهور في بيرمنغهام Birmingham في بريطانيا. قال جان "ويسكي! إنني أحب الويسكي" ثم سأل "هل هي حقًا ويسكي؟"، فأجبته بأنني أظن ذلك.
مع اقترابنا من مدينةٍ في شمال غرب إيران تدعى أوروميا، وهي المدينة الأقرب للحدود التركية، مررنا بجانب سيارةٍ للشرطة مركونة إلى جانب الطريق، فأوقفنا رجلان من الشرطة كانا في السيارة وقدما لنا الشاي. كان الرقيب عارف يجيد القليل من الإنكليزية إذ قال لنا: "مرحبًا أنا شرطي" وشرح لنا أنّه كان "رئيس شؤون الأجانب" في المدينة وأظنه يقصد أنّه مسؤول عن جمع المعلومات عن السياح.
تكلم الرقيب عارف مع زملائه عبر جهازٍ لاسلكي وقد تمت مرافقتنا إلى وسط المدينة حيث تقدمتنا درّاجتان ناريتان تابعتان للشرطة، ولحقت بنا سيارتا شرطة. كنت أنتظر هذه المعاملة الحسنة منذ وقتٍ طويل. أفسح لنا سكان المدينة الطريق وتوجهنا إلى أحد محال الإتنرنت. تجمعت الحشود في الخارج بينما كنت أرسل بريدًا إلكترونيًا لوالدتي. كان الرقيب عارف يقف بجانبي ويطدق ببندقيته الكلاشينكوف الأرض، لا أعلم الكثير عن الأسلحة ولكنني كنت أشك في أن كلاشينكوف تبدو محلية الصنع كتلك التي بحوزة عارف تتمتع بخصائص السلامة. على أيّ حال، لم يكن البريد الإلكتروني الذي أرسلته لوالدي هو الأطول.
استعددنا لمغادرة المدينة وودعنا رجال الشرطة لكنهم تبعونا، فتبادلت أنا وإيد النظرات وتذكرنا مهدي الذي قام بالتصرّف نفسه. في القرية التالية توقفنا وقصدنا متجرًا لشراء الجبن والبندورة فقام رجال الشرطة بإخلاء المكان إذ دفعوا بالزبائن إلى الخلف. لم تكن هذه التجربة الإيرانية التي كنّا نسعى لها وحاولنا أن نفهم الرقيب عارف بأننا نستطيع تدبّر أمرنا بأنفسنا إلّا أنّه أعرب عن رغبته في المساعدة.
في المساء، بعد أن وضع رجال الشرطة حاجزاً آخر بيننا وبين الناس، كان علينا أنا وإيد أن نتصرف! كان الرقيب عارف يتكلم مع رجاله فتسللنا إلى دراجتينا وسلكنا طريقًا يلتف على هضبة واختبأنا في غابةٍ إلى جانب الطريق. خرج موكب سيارات الشرطة من القرية ومرّوا إلى جانبنا وسلكوا المنعطف.
إننّا الآن فارّان من الشرطة الإيرانية. فرحنا بذلك وقمنا بتحضير المعكرونة وفجأة سمعنا صوت غضنٍ ينكسر ومن ثم "مرحبًا! إنّها الشرطة أيها الدرّاجان المحتالان!" لقد عاد الرقيب عارف بصحبة رجال الشرطة!
كانت مواكبة رجال الشرطة لنا مثالًا على الديناميكية الغريبة السائدة في إيران. هي بالتأكيد تجيسد لدولةٍ قمعية، إذ تمت ملاحقتنا لكي لا نقوم بأي عملٍ لا يرضيهم، ولكنني كنت واثقة أيضاً بأن ما يقوله لنا الرقيب عارف كان جزءاً من الحقيقة، فقد لحق بنا لكي يتأكد أننا لن نتعرض لحادثٍ. مواكبتنا هي تجسيد للطافة الشعب الإيراني الفائقة.
على بعد أميالٍ من الحدود الإيرانية التركية خرجنا من نطاق سلطة الرقيب عارف الذي قام هو ورجاله بتوديعنا. بعد أن غادروا شعرت وإيد بالوحدة. الوجهة التالية تركيا وهي بلد أكثر إلفةً، ولكنها أقل إثارة.
نشر هذا الموضوع على الموقع في 01.04.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع