"هناك، رغم الآلام التي كنت أعانيها بسبب جروحي، كانت هناك فكرة وحيدة تسيطر على ذهني طيلة الوقت...وهو كيف يمكن اختراع سلاح يسمح بقهر الفاشيين”. هكذا تحدث جندي سوفياتي أصيب في معركة بريانسك عام 1941 ضد الألمان، خلال الحرب العالمية الثانية، واستطاع أن يصنع سلاحاً صار الأكثر مبيعاً في العالم.
السلاح الجديد صار يمثل خمس الأسلحة الخفيفة الموجودة على كوكب الأرض الآن، وهو شاهد متكرر على انتصارات العرب وانكساراتهم العسكرية، خلال النصف الثاني من القرن العشرين. "كلاشنيكوف"، واعتاد الكثيرون نطقها كلاشينكوف بتقديم الياء على النون. هو ليس مجرد اسم للبندقية الروسية الآلية الشهيرة، لكنه أيضاً اسم مخترعها، ميخائيل كلاشنيكوف Mikhail Kalashnikov، المولود في 10 نوفمبر 1919، في إقليم ألطاي في الاتحاد السوفياتي.
لم يحصل كلاشنيكوف على شهادة تعليمية عليا، وكانت رتبته في الجيش الأحمر السوفياتي عريفاً، أي أقل من ضابط، وأتم تجنيده عام 1936، وكان سائقاً لدبابة في فوج الدبابات السوفياتي المرابط في أوكرانيا الغربية، لكنه كان يهتم بابتكار الأسلحة وتطويرها، فقرر وهو مريض، أن يصنع بندقية رشاشة بمواصفات عالية.
وبالفعل، أثمرت جهوده عن البندقية الوحيدة التي تعمل تحت أي ظرف، في الرمال، تحت المياه، في درجة حرارة باردة جداً وساخنة جداً، وتستطيع أن تصيب الهدف على بعد كيلومتر، وتطلق 100 رصاصة في الدقيقة الواحدة، إضافة إلى خفة وزنها، الذي يبلغ 4.5 كيلوغرامات، تقريباً.
ابتداءً من تلك الفكرة، وبعد جهود استمرت خمس سنوات، توصل كلاشنيكوف إلى اختراع البندقية الرشاشة الهجومية (K-47)، التي حملت اسمه عام 1947. وحصل عام 1949، على جائزة "ستالين"، تكريماً له على اختراعها، وكانت قيمة الجائزة 150 ألف روبل، وقال عنها كلاشنيكوف: "بواسطة هذا المبلغ كان يمكنني شراء دزينة سيارات من أرقى طراز".
لكن هناك مَن يشكك في الأمر، ويقول إن كلاشنيكوف ليس مخترع البندقية AK-47 الشهيرة، ومنهم الخبير العسكري الروسي، أنطون كالميكوف، الذي يقول إن تلك البندقية مقتبسة من المصمم الألماني هوغو شمايزر، وتحديداً من بندقيته SDA 44 الألمانية، التي صنعها في أواخر الحرب العالمية الثانية، ويشير إلى أن شمايزر ومصممين ألماناً، ومعهم خبراء روس، هم مَن ابتكروا البندقية الرشاشة الشهيرة AK-47.
انضم كلاشنيكوف إلى مجلس السوفيات الأعلى، وكانت المخابرات السوفياتية تجبره على إنكار هويته إذا سافر خارج دولته، خوفاً عليه. وبالتالي لم يظهر في الأوساط الدولية ويفصح عن هويته كمصمم للبندقية الشهيرة، إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
توفي كلاشنيكوف في 23 ديسمبر 2013. وحضر جنازته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورثاه رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، قائلاً: "رحيله فقدان هائل لا يمكن التعويض عنه بالنسبة لبلادنا كلها". رحل كلاشنيكوف تاركاً سلاحه في أيدي كل التنظيمات الفدائية العربية، وأقوى جيوشها. فمنذ ستينيات القرن العشرين، والبندقية التي تحمل اسمه هي السلاح الرئيسي للعرب، إلى درجة أن أغاني كتبت ولُحنت من أجلها، في فلسطين:
الكلاشنيكوف بندقية يستخدمها اليوم مقاتلو حركة حماس، ويستطيعون تفكيكها وتركيبها وهم معصوبو الأعين:
واستخدمتها وتستخدمها التنظيمات المسلحة في سوريا.
وأهدى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، نسخة مذهبة منها إلى العاهل السعودي فهد بن عبد العزيز.
وكانت هذه البندقية ملازمة لأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة السابق.
وبالنظر إلى واقع شيوع استخدام البندقية وارتباطها بالعرب، أنتجت السينما المصرية فيلماً من بطولة محمد رجب وغادة عادل، وقصة وائل عبد الله، وسيناريو وحوار محمود البزاوي، ومن إخراج رامي إمام، يتناول قصة قناص محترف، يترك حراسة الحدود ويعمل قاتلاً مأجوراً، واسمه "كلاشنكوف"، وهو الاسم الذي كان عنواناً للفيلم.
3 دول عربية تصنع الكلاشنيكوف
دخلت بندقية كلاشنيكوف موسوعة غينيس كأكثر الأسلحة الرشاشة مبيعاً في العالم، وبيع منها أكثر من 100 مليون بندقية، حتى عام 2012. وجاء في كتاب "أسلحة جين: المشاة 2015-2016" Jane's Weapons: Infantry 2015-2016 لريتشارد جونز Richard D. Jones وليلاند نيس Leland S. Ness، أن هناك نحو 95 دولة تستخدم تلك البندقية اليوم، منها نحو 60 دولة تعتمد عليها كقوام رئيسي لجيوشها.
وأشار الكتاب إلى أن الدول العربية التي تستخدمها بشكل رئيسي لقواتها هي: مصر، الجزائر، سوريا، اليمن، العراق، والسودان. كما تستخدم في قطر، السعودية، والإمارات، لكنها ليست قواماً رئيسياً لقوات تلك الدول، لافتاً إلى أن مصر والعراق والسودان هي ضمن الدول التي تصنع تلك البندقية أو تنتج إصدارات تحاكيها، في مصانعها الحربية المحلية.
وهناك 27 دولة تنتج كلاشنيكوف حول العالم، مثل فنلندا، ألبانيا، فنزويلا، صربيا، وكذلك الولايات المتحدة، المنافس الرئيسي للاتحاد السوفياتي وروسيا من بعده.
تنتج الولايات المتحدة هذه البندقية، لأن بندقية M16 الأمريكية التي توازي البندقية الروسية وتضاهيها في بعض الأمور، تتعطل خلال العمل في المناطق الرملية، على عكس كلاشنيكوف التي تعمل تحت أي ظرف.
وبندقية كلاشنيكوف مرسومة على علم الموزمبيق، تعبيراً عن الوفاء للسلاح السوفياتي الذي ساهم في تحريرها من الاحتلال البرتغالي، ومرسومة أيضاً على أعلام بعض التنظيمات العربية المسلحة كحزب الله اللبناني، وكتائب حزب الله العراقية وغيرهما.
أكثر من نصف قرن في المنطقة العربية
يقول الخبير العسكري، اللواء جمال مظلوم، إن كل حركات التحرر في العالم، تستخدم كلاشنيكوف، والحركات الإرهابية أيضاً، لأنها البندقية الأكثر تحملاً للظروف القاسية، والأرخص ثمناً، بالإضافة إلى أنها بسيطة في فكها وتركيبها وصيانتها.وجاء في كتاب Kalashnikov - AK-47 series لمارتن برايلر Martin J. Brayler، أن مصر كانت بوابة دخول تلك البندقية إلى المنطقة العربية عام 1955، ضمن الصفقة الكبرى التي أبرمتها لشراء أسلحة من الاتحاد السوفياتي، مُررت إليها عن طريق تشيكوسلوفاكيا، لحرص مصر حينذاك على عدم إغضاب أمريكا، لأنها كانت تسعى للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لتمويل إنشاء السد العالي.
مذاك، أصبحت كلاشنيكوف البندقية الرئيسية للجيوش العربية الكبرى. ويلفت برايلر إلى أنها كانت في أيدي الجنود المصريين عند العدوان الثلاثي عام 1956، وفي الحرب اليمنية، ونكسة 1967، وكانت في يد الجيوش العربية التي هُزمت على يد إسرائيل، وفي معركة أكتوبر 1973. ولا تزال أداة رئيسية في أيدي تنظيمات حزب الله وحماس، والجماعات المسلحة في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...