قصة قبيلة "العزازمة" المصرية وأفرادها المحرومون من الجنسية
الأربعاء 9 نوفمبر 201611:42 ص
أن تكون مواطناً "بدوناً" في بلدك، فهذا يعني أنك ستعاني كثيراً على مستويات مختلفة. ولكن حين تعيش هذا الواقع الصعب في منطقة تقع بجانب العدو الأساسي لوطنك، فلن يكون الأمر سهلاً على الإطلاق. هذا هو واقع أبناء قبيلة "العزازمة"، الذين يسكنون في صحراء النقب بسيناء، يعانون من اتهامات بالخيانة والتطبيع مع إسرائيل.
عددهم ليس بالقليل، وينقسمون إلى 10 عشائر موزعة بين مصر والأردن وفلسطين. وقد زعم الرئيس السابق حسني مبارك أنهم هددوا باللجوء إلى إسرائيل، لكنهم يؤكدون على انتمائهم لمصر رغم تهميشهم، ولم يفكروا في تلبية نداء إسرائيل التي فتحت لهم الأسلاك الشائكة عقب تفجيرات طابا وشرم الشيخ عام 2005. مع ذلك لم يسلموا من الملاحقات الأمنية، ودفعوا ثمن تلك الهجمات غالياً، معتبرين أنها عملية انتقام جماعي من البدو.
"العزازمة" بين ثلاث دول عربية
يعيش بدو سيناء، الذين يمثلون ثلاثة أرباع عدد السكان في المنطقة، أياماً صعبة منذ تفجيرات طابا ونويبع. ولكن تعدّ "العزازمة" تحديداً، أكثر القبائل بؤساً، رغم أنها إحدى أهم القبائل التي تسكن صحراء النقب. قبل رسم الحدود الدولية، كانت مساكنهم موزعة بين مصر وفلسطين. ولكن بعد ذلك، انقسم أبناء "العزازمة" إلى قسمين، قسم داخل مصر يتبع الحكومة المصرية والاحتلال البريطاني، وقسم يتبع تركيا التي كانت تسيطر على منطقة الشام التي تتبع لها فلسطين، وبقي الوضع كذلك بعد الحرب عام 1948. وبعد مرور خمس سنوات من النكبة، عبر أبناء القبيلة المقيمون في فلسطين الحدود وطلبوا اللجوء إلى مصر، فسمحت لهم الحكومة بالدخول إلى الأراضي المصرية، وأعطتهم بطاقات تعريفية. يطلق على أبناء القبيلة وصف "بدون"، لأنهم لا يحملون الجنسية المصرية. فمنذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ونكسة 1967، احتلت إسرائيل سيناء مع الكثير من الأراضي العربية، وقامت بتقسيم العرب في فلسطين وسيناء وكل المناطق العربية إلى قسمين، قسم فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، وهم العرب الذين كانت مساكنهم في حدود الكيان الإسرائيلي قبل عام 1967. أما القسم الآخر، وهم العرب الذين كانت مساكنهم خارج كيان إسرائيل قبل هذا التاريخ، فلم تعطهم جنسيتها بل أعطتهم بطاقات كتب فيها كلمة "عربي". شمل ذلك قبيلة "عزازمة"، الذين ظلوا في سيناء، وبقي الوضع بهذه الصورة طوال فترة احتلال سيناء، إلى أن تحررت خلال حرب أكتوبر عام 1973، وطالب الأهالي بمنحهم الجنسية. ولكن ما حدث كان مخيباً لآمالهم، وبقي أبناء القبيلة لا يحملون جنسيات، ويعانون من التهميش والعزل حتى يومنا هذا.محرومون من التعليم والعلاج والكرامة بـ"التبعية"
يقول مرزوق عطا، أحد أبناء القبيلة (45 عاماً)، إن الحصول على الجنسية المصرية هو حلمهم الذي يتوارثه جيلٌ بعد آخر، أملاً في معيشة خالية من الاتهامات بالعمالة والتخوين، من قبل الأمن وجموع المصريين، الذين لا يعرفون عن أهالي القبيلة، إلا أنهم يعملون بالتهريب وطالبوا باللجوء إلى إسرائيل. وأضاف: "لم يهتم أحد بأن يأتي إلينا ويرى تلك العشش المصتوعة من الصفيح التي كنا نسكنها حتى عام 1998، قبل أن تسمح الحكومة لنا ببناء منازل من الطوب، بعد أن هدد البعض باللجوء إلى إسرائيل، كمحاولة للضغط على الحكومة ليس إلا". وأوضح عطا: "نحن لا نكره مصر، لكننا نكره حكومتها. ولدنا هنا وسنموت على الأرض نفسها، لا نحلم بالكثير، فقط بكرامة إنسانية تسمح لأبنائنا بالتعلم في المدارس الحكومية والعلاج في مستشفى أو مركز طبي قريب".لا يعرف غالبية المصريين عن قبيلة العزازمة، إلا أنهم يعملون بالتهريب وطالبوا باللجوء إلى إسرائيل... إليكم الحقيقةوأضاف: "من يمرض هنا ربما يموت قبل أن يصل مستشفى العريش، والسيدات يضعن حملهن في الطرق العامة أحياناً، نظراً لغياب الخدمات. فرغم وجود وحدة صحية إلا أنها اسم فقط، وليس فيها أي أجهزة طبية، ولا نذكر أن طبيباً زارها منذ إنشائها". وأكّد لرصيف22 أن القبيلة كلها لا تحمل أي شهادات، في ما عدا عدة أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة، يقومون بتعليم الصغار أساسيات القراءة والكتابة مقابل أجر زهيد يتقاضونه. وأشار إلى أن الحل الوحيد لحصول الأبناء على الجنسية، هو زواج الأب من إمرأة مصرية، والتي تكون من خارج القبيلة، رغم عرف البدو الذي يفرض زواجهم من أقاربهم. ولفت إلى أن زواج العزازمة بعضهم من بعض يأخذ شكل الزواج العرفي لأنه لا يوثق، فهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية. وعند الإنجاب، يبقى الأبناء بلا شهادات ميلاد، لحين إتمامهم الستة عشر ربيعاً، وقتها فقط تستخرج لهم تذكرة مرور. أما في حال كانت والدتهم مصرية، فيتم استخراج شهادات ميلاد للمواليد بموجب قانون 2004، الذي يمنح الجنسية لأبناء المرأة المصرية.