أن تكون مواطناً "بدوناً" في بلدك، فهذا يعني أنك ستعاني كثيراً على مستويات مختلفة. ولكن حين تعيش هذا الواقع الصعب في منطقة تقع بجانب العدو الأساسي لوطنك، فلن يكون الأمر سهلاً على الإطلاق. هذا هو واقع أبناء قبيلة "العزازمة"، الذين يسكنون في صحراء النقب بسيناء، يعانون من اتهامات بالخيانة والتطبيع مع إسرائيل.
عددهم ليس بالقليل، وينقسمون إلى 10 عشائر موزعة بين مصر والأردن وفلسطين. وقد زعم الرئيس السابق حسني مبارك أنهم هددوا باللجوء إلى إسرائيل، لكنهم يؤكدون على انتمائهم لمصر رغم تهميشهم، ولم يفكروا في تلبية نداء إسرائيل التي فتحت لهم الأسلاك الشائكة عقب تفجيرات طابا وشرم الشيخ عام 2005. مع ذلك لم يسلموا من الملاحقات الأمنية، ودفعوا ثمن تلك الهجمات غالياً، معتبرين أنها عملية انتقام جماعي من البدو.
"العزازمة" بين ثلاث دول عربية
يعيش بدو سيناء، الذين يمثلون ثلاثة أرباع عدد السكان في المنطقة، أياماً صعبة منذ تفجيرات طابا ونويبع. ولكن تعدّ "العزازمة" تحديداً، أكثر القبائل بؤساً، رغم أنها إحدى أهم القبائل التي تسكن صحراء النقب. قبل رسم الحدود الدولية، كانت مساكنهم موزعة بين مصر وفلسطين. ولكن بعد ذلك، انقسم أبناء "العزازمة" إلى قسمين، قسم داخل مصر يتبع الحكومة المصرية والاحتلال البريطاني، وقسم يتبع تركيا التي كانت تسيطر على منطقة الشام التي تتبع لها فلسطين، وبقي الوضع كذلك بعد الحرب عام 1948. وبعد مرور خمس سنوات من النكبة، عبر أبناء القبيلة المقيمون في فلسطين الحدود وطلبوا اللجوء إلى مصر، فسمحت لهم الحكومة بالدخول إلى الأراضي المصرية، وأعطتهم بطاقات تعريفية. يطلق على أبناء القبيلة وصف "بدون"، لأنهم لا يحملون الجنسية المصرية. فمنذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ونكسة 1967، احتلت إسرائيل سيناء مع الكثير من الأراضي العربية، وقامت بتقسيم العرب في فلسطين وسيناء وكل المناطق العربية إلى قسمين، قسم فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، وهم العرب الذين كانت مساكنهم في حدود الكيان الإسرائيلي قبل عام 1967. أما القسم الآخر، وهم العرب الذين كانت مساكنهم خارج كيان إسرائيل قبل هذا التاريخ، فلم تعطهم جنسيتها بل أعطتهم بطاقات كتب فيها كلمة "عربي". شمل ذلك قبيلة "عزازمة"، الذين ظلوا في سيناء، وبقي الوضع بهذه الصورة طوال فترة احتلال سيناء، إلى أن تحررت خلال حرب أكتوبر عام 1973، وطالب الأهالي بمنحهم الجنسية. ولكن ما حدث كان مخيباً لآمالهم، وبقي أبناء القبيلة لا يحملون جنسيات، ويعانون من التهميش والعزل حتى يومنا هذا.محرومون من التعليم والعلاج والكرامة بـ"التبعية"
يقول مرزوق عطا، أحد أبناء القبيلة (45 عاماً)، إن الحصول على الجنسية المصرية هو حلمهم الذي يتوارثه جيلٌ بعد آخر، أملاً في معيشة خالية من الاتهامات بالعمالة والتخوين، من قبل الأمن وجموع المصريين، الذين لا يعرفون عن أهالي القبيلة، إلا أنهم يعملون بالتهريب وطالبوا باللجوء إلى إسرائيل. وأضاف: "لم يهتم أحد بأن يأتي إلينا ويرى تلك العشش المصتوعة من الصفيح التي كنا نسكنها حتى عام 1998، قبل أن تسمح الحكومة لنا ببناء منازل من الطوب، بعد أن هدد البعض باللجوء إلى إسرائيل، كمحاولة للضغط على الحكومة ليس إلا". وأوضح عطا: "نحن لا نكره مصر، لكننا نكره حكومتها. ولدنا هنا وسنموت على الأرض نفسها، لا نحلم بالكثير، فقط بكرامة إنسانية تسمح لأبنائنا بالتعلم في المدارس الحكومية والعلاج في مستشفى أو مركز طبي قريب".لا يعرف غالبية المصريين عن قبيلة العزازمة، إلا أنهم يعملون بالتهريب وطالبوا باللجوء إلى إسرائيل... إليكم الحقيقةوأضاف: "من يمرض هنا ربما يموت قبل أن يصل مستشفى العريش، والسيدات يضعن حملهن في الطرق العامة أحياناً، نظراً لغياب الخدمات. فرغم وجود وحدة صحية إلا أنها اسم فقط، وليس فيها أي أجهزة طبية، ولا نذكر أن طبيباً زارها منذ إنشائها". وأكّد لرصيف22 أن القبيلة كلها لا تحمل أي شهادات، في ما عدا عدة أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة، يقومون بتعليم الصغار أساسيات القراءة والكتابة مقابل أجر زهيد يتقاضونه. وأشار إلى أن الحل الوحيد لحصول الأبناء على الجنسية، هو زواج الأب من إمرأة مصرية، والتي تكون من خارج القبيلة، رغم عرف البدو الذي يفرض زواجهم من أقاربهم. ولفت إلى أن زواج العزازمة بعضهم من بعض يأخذ شكل الزواج العرفي لأنه لا يوثق، فهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية. وعند الإنجاب، يبقى الأبناء بلا شهادات ميلاد، لحين إتمامهم الستة عشر ربيعاً، وقتها فقط تستخرج لهم تذكرة مرور. أما في حال كانت والدتهم مصرية، فيتم استخراج شهادات ميلاد للمواليد بموجب قانون 2004، الذي يمنح الجنسية لأبناء المرأة المصرية.
"العزازمة" في عيون القبائل الأخرى
وشرح عبد القادر مبارك الناشط السيناوي من قبيلة السواركة، أن معاناة قبيلة العزازمة تتمثل في عدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية باستثناء وثيقة مصرية، كتب عليها عبارة غير معين الجنسية. وهم دائماً يطالبون بتغيير هذا الوضع، إلا أن نحو 500 أسرة منهم تعيش بدون أوراق. مشيراً إلى أن بعضهم يعيش في منطقة بئر السبع بفلسطين، وآخرين يتمركزون في قرية صان الحجر بسيناء، وعدداً كبيراً منهم تم ترحيله إلى الأردن. وأضاف لرصيف22 أن حال هؤلاء الأسر كحال الـ"بدون" في الكويت والعراق، ليس لهم الحق في تملك أراضي أو بيوت. أما في ما يخص الوضع الحالي، في ظل انتشار الجماعات الجهادية بسيناء، فيشير مبارك إلى أن غالبية العمليات تنفذ بعيداً عن أماكن تواجد "العزازمة"، مضيفاً أنهم لا يشتبكون مع الجهاديين ولا يتعاونون مع الجيش. ويعتبر مبارك أن أهم ما يميزهم عن أبناء القبائل الأخرى، هو أنهم يعملون في التهريب، إذ يتاح لهم التنقل بسهولة إلى إسرائيل. ولفت إلى أن نقطة التحول في علاقتهم بالحكومة المصرية كانت حين تعرضوا لمضايقات عام 1999، وطلب بعضهم اللجوء إلى إسرائيل وهربوا إليها، إلى أن استعادتهم الحكومة، ووفرت لهم مدرسة، ووحدة صحية، وبعض الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء.عسكريون: "فشل من الدولة"
وتساءل اللواء شوقي الحفناوي، الخبير الاستراتيجي، عن دور السلطات المصرية والقانون. وأشار إلى أن الدولة لم تثبت تواجدها في بعض المناطق بسيناء، في ظل سيطرة الجماعات الجهادية على العريش والشيخ زويد ورفح. وأضاف لرصيف22 أنه من الأولى أن تتوافر لدى أجهزة الدولة معلومات وتفاصيل كافية عن الأسر المنتمية لقبيلة العزازمة أو غيرها، ممن يتيهون في صحراء سيناء. فلا بد أن تعرف أصول تلك القبائل ومن أين أتوا وتاريخ وجودهم بمصر، مشدداً على أن الجماعات التكفيرية في سيناء يمكنها بسهولة استقطاب هؤلاء الأفراد وتجنيدهم. وأكد أن عواقب عدم حصولهم على جنسية، خطيرة على الوضع الأمني في مصر، وعدم قدرة الحكومات على التعامل مع الأمر، يعني فشل الدولة في حماية حدودها. وطالب الخبير الاستراتيجي بسرعة تدخل أجهزة الدولة لتحديد أوضاعهم، إما بإعطائهم الجنسية، أو معرفة موطنهم الأصلي وترحيلهم. في المقابل، قال اللواء سيد هاشم، المدعي العسكري اﻷسبق والخبير في القانون الدولي، إن محاولة الاستيطان وزرع عناصر من خارج البلاد داخل سيناء من قبل إسرائيل، له هدف، هو تفريغ فلسطين من أبنائها والبحث لهم عن أوطان بديلة. وأشار لرصيف22 أن الحصول على الجنسية له ضوابط، وهي أن يولد الفرد لأب وأم مصريين. لافتاً إلى أنه تم إصدار قرار من جامعة الدول العربية بعدم إعطاء الجنسية المصرية للفلسطينيين، ليحتفظوا بجنسيتهم الأصلية ولضمان استمرارية الكيان الخاص بهم. وأشار إلى أنه ربما يكون هذا السبب هو ما يعيق منح أبناء قبيلة العزازمة الجنسية، فأقاربهم لا يزالون يقطنون في منطقة بئر السبع.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع