شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لماذا لا يستطيع الأزهر إنتاج خطاب ديني جديد؟

لماذا لا يستطيع الأزهر إنتاج خطاب ديني جديد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 20 ديسمبر 201807:03 م

"تجديد الخطاب الديني" هو الملف الشائك المطروح على الساحة الثقافية المصرية حالياً، وذلك في سياق الظرف السياسي المحيط، وما تشهده مصر من أعمال إرهابية ترفع شعار "الإسلام هو الحل". وبرغم زخم المواد الإعلامية ـ ربما بتوجيهات من القيادة السياسية ـ التي تتناول هذه القضية، إلَّا أنه لم تولد حتى الآن رؤية واضحة لخطاب جديد، يستجيب لتحديات اللحظة الراهنة. ومن ثم فالنتيجة "ضجيج بلا طحن".

يوضح عدد من المثقفين المهتمين بقضية الإصلاح الديني وتجديد الخطاب الديني بعض أبعاد الأزمة الحالية، لرصيف22، ويقدّمون رؤاهم حول كيفية التجديد والشروط الواجب توفّرها للنجاح، كما يقيّمون مشاريع الإصلاح المؤسساتية وخصوصاً دور الأزهر إضافة إلى مشروعات التنوير الفردية.

أشرف الصباغ

الكاتب والروائي الدكتور أشرف الصباغ يرى أن تداخل الدين مع الدولة وتحالف السلطة السياسية مع المؤسسات الدينية، بالإضافة إلى الوضع القانوني الغامض لهذه المؤسسات، ينسف كل محاولة للقيام بتجديد الخطاب الديني. ويقول "إن تجديد الخطاب الديني يرتكز في الأساس على مبدأ فصل الدين عن الدولة، ووضع ضوابط للمؤسسات الدينية أيّاً كانت عقيدتها، وأيّاً كان نشاط التابعين لها. وبعد ذلك تبدأ عملية التجديد من داخلها وليس من خارجها"، مشيراً إلى ضرورة الالتزام الصارم ببنود الدستور ومواد القانون التي تُجَرِّم التمييز على أساس الدين أو العرق أو الثقافة أو النوع.

ويوضح الصباغ الوضع القانوني للمؤسسات الدينية بقوله: "المؤسسات الدينية في مصر وضعها القانوني غير واضح وملتبس، فلا هي مستقلة عن الدولة ولها ضوابط اجتماعية وتشريعية، ولا هي مؤسسات ضمن مؤسسات القرار القادرة على فرض إرادتها في التوجهات الاجتماعية ـ السياسية". ويضيف أن "هذه المؤسسات التي تُفَرِّخ لنا الآلاف من الخريجين سنويّاً تلعب دوراً آخر تماماً في تقسيم المجتمع المصري. ولا شك أنها تعلن أشياء وتخفي أشياء أخرى". وفي ما يخص تحالف المؤسسات الدينية مع السلطة السياسية، وهو التحالف الذي يرى الصباغ أنه "لا يقل خطورة عن تحالف رأس المال مع السلطة السياسية"، يقول: "إن السلطة السياسية عامل مشترك يسعى إلى تدجين الغالبية العظمى من المواطنين، إما بالدين أو بالإفقار، وذلك للحفاظ على نفسها واستمرارها عن طريق الأجهزة الأمنية التي تقوم ببضعة أدوار، من بينها المرشد الديني وصاحب اليد القوية في التقويم والتهذيب إلى جانب ممارسة العنف باسم القانون". ويلفت إلى أن تحالف السلطة السياسية مع المؤسسات الدينية كان سبباً رئيسياً وراء عدم قدرة مشروعات التنوير، وتحديداً مشروعي المفكرين نصر حامد أبو زيد وفرج فودة، على الصمود في وجه التيارات الدينية المتطرفة، ويضيف: "إن مشروعيْ هذين المفكرين كانا إرهاصات في منتهى الأهمية والخطورة والجدية، لكن لأن النظام السياسي بشكله الحالي يمثل حليفاً للمؤسسات الدينية وتيارات الهرطقة، فهو لا يستطيع حماية تلك المشروعات وبلورتها في شكل تيار عام قادر على خلق بدائل، وقادر على تجديد الخطاب الديني على نحو يخدم دولة المواطنة والمجتمع المدني ومنظومة العلاقات الاجتماعية الصحية البعيدة عن الإجبار والإخضاع والتدجين".

شريف يونس

ويرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور شريف يونس، أن تجديد الخطاب الديني، أو ـ وفقاً لتعبيره ـ "نقد الأصولية والنصوصية وتجاوزهما نحو فهم للإسلام أكثر تعددية ورحابة، وأقل ارتباطاً بالسلطة والقهر"، لا يمكن أن يأتي إلَّا في سياق حركة فكرية ومشروع ورؤية أوسع من هذا النقد أو هذا التجديد، موضحاً أن "التجديد أو النقد لا يمكن أن يكون محصوراً في التخلص مما يسمى التفسيرات الإرهابية أو الجهادية العنيفة للفقه، بل يجب أن تمتد المساءلة للمنطق والممارسة الفقهية الموروثة أصلاً، والمشتركة إلى حد كبير بين مختلف الفتاوى المتصارعة. كذلك يجب أن تمتد إلى تأكيد مبدأ حرية العقيدة، وفتح الجروح كافة، التي يتواطأ الفقه وما يسمى الفكر الإسلامي على إخفائها" ذاكراً كأمثلة الكيل بمكيالين وغياب أي منطق أخلاقي في عمل الأصولية الإسلامية، بل و"قيامها على منطق التوحش فعليّاً، تجاه كل الآخرين وكل المختلفين".

وعن المشروعات التنويرية التي سعت إلى نقد الخطاب الديني وتقديم خطاب بديل، يؤكد يونس أن هذه المشروعات "ستظل حبيسة نخبة من القراء العقلانيين إن لم تساندها قطاعات اجتماعية واسعة"، ذاكراً على وجه الخصوص مشروع نصر حامد أبو زيد.

علي مبروك

ويقول أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة القاهرة الدكتور علي مبروك إن القيادة السياسية في مصر وضعت مهمة تجديد الخطاب الديني على عاتق مؤسسة الأزهر، ومن ثم السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل الأزهر بمستواه المعرفي وتركيبته الراهنة قادر على التجديد؟" ويجيب: "أشك في قدرة الأزهر على القيام بهذه المهمة، لأنها تتطلب مستوى تعليميّاً ومعرفيّاً غير متوافر في الأزهر، الذي يُكرس لكل ما هو قديم".

"القطيعة مع الموروث الديني" نادى بها بعض المفكرين وعلى رأسهم الشاعر أدونيس، إلَّا أن مبروك له وجهة نظر أخرى. إذ يقول: "الخطابات القديمة تتمثل خطورتها في أنها شكلت عقول الأحياء، ومن ثم علينا أن ندرك أننا لا نخوض معركة مع شيء منفصل عنا، بل نخوض معركة مع أنفسنا، ولذلك أرى أن مفهوم القطيعة يتم التعامل معه بقدر كبير من السذاجة. لأنهم يتعاملون مع القطيعة على أنها الخصام مع الموروث، لكني أرى أنه لا بد من الوصول إلى آليات جديدة وطريقة بديلة للتعامل مع الموروث الديني والسيطرة عليه، بإنتاج معرفة علمية جديدة وخطوات معرفية جادة وإلا فسيظل هذا الموروث يجد طرقه الخفية التي تمكنه من عقولنا".

جمال عمر

ويتفق الباحث جمال عمر مع مبروك، يقول: "الأزهر الشريف لا يمكنه القيام بإنتاج خطاب ديني جديد يتسق مع اللحظة الراهنة"، معللاً ذلك بما أسماه "تأميم الحياة الفكرية في مصر". ويوضح: "في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، أُنشئت وزارة الثقافة وتبعها تأميم الصحف، وقانون إصلاح الأزهر وإنشاء التلفزيون، وكل هذه الخطوات كانت بمثابة عملية تأميم للحياة الفكرية، ومن ضمنها تأميم الأزهر، ومن ثم أصاب هذه المؤسسة العريقة التي خرج منها محمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، ورفاعة الطهطاوي ما أصاب أوجه الحياة في مصر من انغلاق، وسرح بها سوس التشدد والتطرف".

ويشير صاحب كتاب "أنا نصر أبو زيد" إلى أن كل جهود ما نسميه بالتنوير ـ إلَّا قليلين جداً ـ كانت تتعامل مع الأفكار القديمة وتحاول أن تغير فكرة هنا وفكرة هناك، دون التطرق للأسس الفكرية التي أنتجت هذه الأفكار، مؤكداً أنه "بدون التعامل مع القرآن ليس كسلطة تُفرض بالقوة وتتخفى وراءها سلطات البشر، بل كنص يحتاج إلى الاجتهاد العقلي، وبدون التعامل مع السنّة نقديّاً والتفرقة فيها بين ما هو بشري واجتماعي يعكس ثقافة وزمن حياة النبي عليه السلام وبين ما هو ديني يُبلغ فيه عن الله، وبدون التعامل مع الأسس الفكرية المُنتِجة للخطاب الديني، سنظل في دائرة إعادة تدوير القديم في عبوات جديده براقة، وسيأتي أحفادنا في بدايات القرن الثاني والعشرين ويتكلمون في ما نتكلم فيه حالياً كما نتكلم نحن في ما تكلم فيه محمد عبده في بدايات القرن العشرين". ويؤكد عمر أننا نحتاج إلى خطاب جديد لا يلغي الأصول، بل يعيد النظر في الأسس التي قام عليها الخطاب الديني عند المسلمين ويكوّن علاقات جديدة معها.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image