"تجديد الخطاب الديني" هو الملف الشائك المطروح على الساحة الثقافية المصرية حالياً، وذلك في سياق الظرف السياسي المحيط، وما تشهده مصر من أعمال إرهابية ترفع شعار "الإسلام هو الحل". وبرغم زخم المواد الإعلامية ـ ربما بتوجيهات من القيادة السياسية ـ التي تتناول هذه القضية، إلَّا أنه لم تولد حتى الآن رؤية واضحة لخطاب جديد، يستجيب لتحديات اللحظة الراهنة. ومن ثم فالنتيجة "ضجيج بلا طحن".
يوضح عدد من المثقفين المهتمين بقضية الإصلاح الديني وتجديد الخطاب الديني بعض أبعاد الأزمة الحالية، لرصيف22، ويقدّمون رؤاهم حول كيفية التجديد والشروط الواجب توفّرها للنجاح، كما يقيّمون مشاريع الإصلاح المؤسساتية وخصوصاً دور الأزهر إضافة إلى مشروعات التنوير الفردية.أشرف الصباغ
الكاتب والروائي الدكتور أشرف الصباغ يرى أن تداخل الدين مع الدولة وتحالف السلطة السياسية مع المؤسسات الدينية، بالإضافة إلى الوضع القانوني الغامض لهذه المؤسسات، ينسف كل محاولة للقيام بتجديد الخطاب الديني. ويقول "إن تجديد الخطاب الديني يرتكز في الأساس على مبدأ فصل الدين عن الدولة، ووضع ضوابط للمؤسسات الدينية أيّاً كانت عقيدتها، وأيّاً كان نشاط التابعين لها. وبعد ذلك تبدأ عملية التجديد من داخلها وليس من خارجها"، مشيراً إلى ضرورة الالتزام الصارم ببنود الدستور ومواد القانون التي تُجَرِّم التمييز على أساس الدين أو العرق أو الثقافة أو النوع.
شريف يونس
ويرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور شريف يونس، أن تجديد الخطاب الديني، أو ـ وفقاً لتعبيره ـ "نقد الأصولية والنصوصية وتجاوزهما نحو فهم للإسلام أكثر تعددية ورحابة، وأقل ارتباطاً بالسلطة والقهر"، لا يمكن أن يأتي إلَّا في سياق حركة فكرية ومشروع ورؤية أوسع من هذا النقد أو هذا التجديد، موضحاً أن "التجديد أو النقد لا يمكن أن يكون محصوراً في التخلص مما يسمى التفسيرات الإرهابية أو الجهادية العنيفة للفقه، بل يجب أن تمتد المساءلة للمنطق والممارسة الفقهية الموروثة أصلاً، والمشتركة إلى حد كبير بين مختلف الفتاوى المتصارعة. كذلك يجب أن تمتد إلى تأكيد مبدأ حرية العقيدة، وفتح الجروح كافة، التي يتواطأ الفقه وما يسمى الفكر الإسلامي على إخفائها" ذاكراً كأمثلة الكيل بمكيالين وغياب أي منطق أخلاقي في عمل الأصولية الإسلامية، بل و"قيامها على منطق التوحش فعليّاً، تجاه كل الآخرين وكل المختلفين".
وعن المشروعات التنويرية التي سعت إلى نقد الخطاب الديني وتقديم خطاب بديل، يؤكد يونس أن هذه المشروعات "ستظل حبيسة نخبة من القراء العقلانيين إن لم تساندها قطاعات اجتماعية واسعة"، ذاكراً على وجه الخصوص مشروع نصر حامد أبو زيد.علي مبروك
ويقول أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة القاهرة الدكتور علي مبروك إن القيادة السياسية في مصر وضعت مهمة تجديد الخطاب الديني على عاتق مؤسسة الأزهر، ومن ثم السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل الأزهر بمستواه المعرفي وتركيبته الراهنة قادر على التجديد؟" ويجيب: "أشك في قدرة الأزهر على القيام بهذه المهمة، لأنها تتطلب مستوى تعليميّاً ومعرفيّاً غير متوافر في الأزهر، الذي يُكرس لكل ما هو قديم".
"القطيعة مع الموروث الديني" نادى بها بعض المفكرين وعلى رأسهم الشاعر أدونيس، إلَّا أن مبروك له وجهة نظر أخرى. إذ يقول: "الخطابات القديمة تتمثل خطورتها في أنها شكلت عقول الأحياء، ومن ثم علينا أن ندرك أننا لا نخوض معركة مع شيء منفصل عنا، بل نخوض معركة مع أنفسنا، ولذلك أرى أن مفهوم القطيعة يتم التعامل معه بقدر كبير من السذاجة. لأنهم يتعاملون مع القطيعة على أنها الخصام مع الموروث، لكني أرى أنه لا بد من الوصول إلى آليات جديدة وطريقة بديلة للتعامل مع الموروث الديني والسيطرة عليه، بإنتاج معرفة علمية جديدة وخطوات معرفية جادة وإلا فسيظل هذا الموروث يجد طرقه الخفية التي تمكنه من عقولنا".جمال عمر
ويتفق الباحث جمال عمر مع مبروك، يقول: "الأزهر الشريف لا يمكنه القيام بإنتاج خطاب ديني جديد يتسق مع اللحظة الراهنة"، معللاً ذلك بما أسماه "تأميم الحياة الفكرية في مصر". ويوضح: "في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، أُنشئت وزارة الثقافة وتبعها تأميم الصحف، وقانون إصلاح الأزهر وإنشاء التلفزيون، وكل هذه الخطوات كانت بمثابة عملية تأميم للحياة الفكرية، ومن ضمنها تأميم الأزهر، ومن ثم أصاب هذه المؤسسة العريقة التي خرج منها محمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، ورفاعة الطهطاوي ما أصاب أوجه الحياة في مصر من انغلاق، وسرح بها سوس التشدد والتطرف".
ويشير صاحب كتاب "أنا نصر أبو زيد" إلى أن كل جهود ما نسميه بالتنوير ـ إلَّا قليلين جداً ـ كانت تتعامل مع الأفكار القديمة وتحاول أن تغير فكرة هنا وفكرة هناك، دون التطرق للأسس الفكرية التي أنتجت هذه الأفكار، مؤكداً أنه "بدون التعامل مع القرآن ليس كسلطة تُفرض بالقوة وتتخفى وراءها سلطات البشر، بل كنص يحتاج إلى الاجتهاد العقلي، وبدون التعامل مع السنّة نقديّاً والتفرقة فيها بين ما هو بشري واجتماعي يعكس ثقافة وزمن حياة النبي عليه السلام وبين ما هو ديني يُبلغ فيه عن الله، وبدون التعامل مع الأسس الفكرية المُنتِجة للخطاب الديني، سنظل في دائرة إعادة تدوير القديم في عبوات جديده براقة، وسيأتي أحفادنا في بدايات القرن الثاني والعشرين ويتكلمون في ما نتكلم فيه حالياً كما نتكلم نحن في ما تكلم فيه محمد عبده في بدايات القرن العشرين". ويؤكد عمر أننا نحتاج إلى خطاب جديد لا يلغي الأصول، بل يعيد النظر في الأسس التي قام عليها الخطاب الديني عند المسلمين ويكوّن علاقات جديدة معها.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحلو نعرف ان كان اسلوب البرنامج ينجح في خلق نقاش حقيقي حول قضايا حقوق المرأة...
Chrystine Mhanna -
منذ أسبوعصعب يا شربل.. معظم الناس لا يتحدثون صراحة عن تجاربهم الجنسية/الطبيّة وهذا ما يجعل من هذا الملف ضروري
Ahmed Gamal -
منذ أسبوعتقديم جميل للكتابين، متحمس اقرأهم جداً بسبب المقال :"))
Kareem Sakka -
منذ أسبوعما وصلت جمانة لهون الا بعد سنين من المحاولة بلغة ألطف..
Charbel Khoury -
منذ أسبوعموضوع مهم، وغير مسلط الضوء عليه كثراً في المواقع المستقلة.
يا ليت استطعنا قراءة تجارب أكثر.
Farah Alsa'di -
منذ أسبوعبحب كتابات جمانة حداد بالعادة، بس مرات بحس أنه اعتمادها الأسلوب الاستفزازي ما بحقق الهدف اللي هي بتكتب عشانه