عينٌ على الشارع وأخرى على السياحة، وأذرع وسيقان تتماوج مع الموسيقى والإيقاع، لتصنع لوحات فنية تستوقف العابرين وتدهش المارة، ويصفق لها عشاق التجديد.
باليه القاهرة، أو ما يعرف بباليه الشوارع، حالة فنية جمعت بين تألق راقصات الباليه وروح مصر النابضة في شوارعها. مجموعة من الشباب التقوا على فكرتي نشر الفن وإظهار الشكل الجمالي لمصر، حرروا الباليه من القاعات المغلقة وانطلقوا به إلى الشارع ليشعر الناس بنبضه ويظهر لهم جماله.
هي تجربة جريئة تفاوتت ردود الفعل إزاءها ما بين مرحب ومستنكر ومتحفظ، لكنها في النهاية انطلقت من المناطق الأثرية وتتطلع في المستقبل للوصول إلى المناطق الشعبية.
الباليه يعبّر عن جمال مصر
محمد طاهر، مصور فوتوغرافي وصاحب ومنفّذ فكرة باليه الشوارع، قال لرصيف22 إن فكرة "Ballerinas of Cairo" مستوحاة من فكرة أقيمت في ولاية نيويورك الأميركية منذ عشر سنوات، وشاهدها أثناء دراسته في الولايات المتحدة. وأضاف: "بدأت بتنفيذ الفكرة بالبحث عن فتيات الباليه ورشّح صديقي المخرج أحمد فتحي لي مارينا باهي واقترح عليها الفكرة فتحمست لها. وبدأنا في يناير 2016 بالنزول إلى الشارع والتصوير مرة كل أسبوع، وأحياناً كل شهر ومستمرون حتى الآن". ووصف طاهر ردود فعل المصريين في الشارع بقوله: "كانت في البداية تتلخص في ذهول البعض واستغرابه لرؤية فتيات بملابس باليه يرقصن في الشارع، وكانت هنالك بعض المضايقات التي انحصرت في نظرات ساخرة من بعض المارة، وبعض المضايقات اللفظية، لكن الأخيرة كانت قليلة وكنا نتجاهلها، وكنا حريصين أنا وصديقي أحمد على حماية الفتيات من التعرّض لأي مضايقات، لذلك كنا نوقف التصوير أحياناً إذا شعرنا بالقلق. لكننا وجدنا الكثير من التشجيع أيضاً، خصوصاً بعد نشر الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكان يستوقفنا بعض الفتيات والشباب لالتقاط صور معنا". يهدف المشروع إلى نشر ثقافة الباليه في الشارع، بجانب إظهار الشكل الجمالي لمصر، ودعم السياحة المصرية، وكل هذا بجهود ذاتية، وبدون دعم من أي جهة تذكر، بحسب طاهر. ويستعد الفريق لتنظيم معرض تُعرض خلاله بعض الصور التي تم التقاطها.الشارع لجميع الفنون
من جانبه، قال أحمد فتحي، مخرج ومصور فوتوغرافي، لرصيف22 إن "الفكرة لم تكن جديدة علي، فهي موجودة في البلاد الغربية، لذلك تحمست لها عندما اقترحها علي طاهر". وأضاف: "في بداية الأمر اتفقنا على أن يكون مكان التصوير حديقة الأزهر كتجربة لقياس ردود فعل الناس أولاً على مواقع التواصل الاجتماعي قبل النزول إلى الشارع. وبدأنا النزول إلى الشارع والتصوير في الأماكن الأثرية ووسط القاهرة، والمترو". واستنكر فتحي تعسف بعض رجال الأمن في مطالبتهم بتصاريح أمنية حتى تتمكن الفتيات من الرقص في الشارع، مؤكداً أن الشارع للجميع ويجب أن تمارس فيه مختلف الفنون بدون تصاريح ما دام ذلك لا يضر بالآخرين.لا تخافي من أحد
ميرلي عازر، 23 سنة، طالبة في كلية الطب في جامعة عين شمس، أبدت سعادتها بمشاركتها في عروض باليه الشارع. وقالت لرصيف22: "عندما عرض عليّ أفراد الفريق الفكرة لم أفكر كثيراً، وعلى الفور طلبت منهم تحديد موعد للتصوير". وأضافت: "لم أتوقع ردود الفعل الخيالية من الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد استقبلت عشرات الرسائل على حسابي من فتيات من مختلف المحافظات يستفسرن عن كيفية تعلم الباليه، وهل هنالك عمر محدد لذلك أم لا؟ وكنت أجيب على استفساراتهم بالتشجيع وبأنه يمكن لأي شخص ممارسة الباليه وتعلمه وليس هنالك عمر محدد لذلك". وترى عازر أن باليه الشوارع يحمل عدة رسائل، منها مخاطبة المجتمع بأن الباليه فن يحق لأي شخص ممارسته في أي مكان وأي وقت، "والباليه ليس فناً تحتكره الطبقات الراقية فقط لكنه فن يمكن لأي فرد من أي طبقة ممارسته". الرسالة الثانية التي أرادت عازر إيصالها كانت لسيدات وفتيات مصر لمطالبتهن بتغيير ثقافة الخوف من الشارع والمشي بقلق من لفت الانتباه والتعرّض للتحرش. "من حقك أن تكوني شجاعة واثقة من نفسك. البسي ما تريدين واركضي ومارسي ما تحبين من هوايات دون خوف من أحد"، قالت للفتاة المصرية. وعبّرت عن سعادتها بما وجدته من تفاعل إيجابي معها قائلة: "أغلب الناس استغربوا في البداية ما يحدث، ولكن حالما بدأت الرقص رأيت الانبهار في أعين أغلب الموجودين في الشارع، إلى درجة أن أغلبهم طلب أن يلتقط صوراً معي". وعن المضايقات والتحرش قالت عازر: "أغلبها كان لفظياً من بعض المارة بالسيارات أو الدرجات النارية، يقولون كلامهم ويمضون، لكننا لم نكن نلقي لها بالاً". وعن خطواتها القادمة، قالت عازر إنها مع فريق Ballerinas of Cairo سيجوبون كافة محافظات مصر السياحية كالإسكندرية والجونة وشرم الشيخ والأقصر وأسوان ليبعثوا بفنهم رسالة إلى العالم أجمع بأن مصر أرض الفن والجمال والسلام.الباليه فن الجمال والصفاء الروحي
مارينا باهي طالبة في الجامعة البريطانية ومدربة باليه ومشاركة في تجربة Ballerinas of Cairo، قالت عن تجربتها: "كنت من أوائل مَن التحق بالفريق في يناير 2016، شعرت بالقلق في البداية من الرقص في الشارع ومن ألا يتقبل الناس الفكرة، ولكن وجود إحدى صديقاتي معي طمأنني إلى حد ما". وأضافت: "استغرب والداي في البداية الفكرة لكنهما لم يرفضاها وقالا إنه لا مانع من التجربة. كانا خائفين من أن أتعرض للتحرش البدني أو اللفظي من المارة، إلا أنهما اطمأنا بعد أن شاهدا الصور وقرآ ردود الفعل". وتسعي باهي إلى إيصال رسالة مفادها أن كل مَن يمتلك أيّة موهبة يجب أن يمارسها في أي مكان دون خوف أو قلق من ردود الأفعال. وتتمنى أن تستمتع كل فئات الشعب بفن الباليه، فهنالك مَن لا يستطيع الذهاب إلى المسرح لمشاهدته ويتيح لهم الفريق فرصة مشاهدته في الشارع مجاناً.قابلت سخريتهم بالضحك
ياسمين ساهر، مدربة باليه وطالبة فنون تطبيقية في الجامعة الألمانية، قالت إنها عرضت الفكرة على والديها فوافق والدها وشجعها لكن والدتها اعترضت بشدة وقالت لها: "مينفعش تنزلي ترقصي في الشوارع في مصر، الناس مش هتتقبل ده وممكن يضايقوك أو تتعرضي للتحرش". وأضافت ساهر: تعرضت لبعض السخرية من بعض المارة وقالت لي إحدى السيدات البدينات "أنتي ما بتاكليش محشي زيّنا ولا إيه" وعلق أحد الشباب منادياً على صديقه: "الحق يلا، بت بترقص باليه أهي". لكنني قابلت سخريتهم بالضحك.الباليه يفصلني عن العالم
أما روشان هشام، مراسلة تلفزيونية وراقصة باليه في الأوبرا المصرية فقد تحمست للفكرة بعد مشاهدتها الصور فتواصلت مع الفرقة ورحبوا بانضمامها إليهم. وعن أول يوم تصوير روت لرصيف22: "هشام نزّلنا الصبح بدري في رمضان الماضي في شارع المعز ولبست لبس الباليه”. تضحك وهي تتذكر صاحب أحد المحال عندما رآها باكراً في ثياب الباليه فقال "لا حول ولا قوة إلا بالله بتعملوا إيه على الصبح كده"، لكنه بعد أن رأى العرض ابتسم وتابعها بانبهار، و"كان هنالك رجل يقرأ الجريدة ويجلس في أحد المقاهي فتقدم منّا وقال لنا "حرام عليكم الناس صايمة" وظل يرددها طوال فترة الرقص وكنت أسمعه وأضحك عندما أراه يشاهد رقصي من خلف الجريدة". وتتطلع روشان إلى تطوير أفكار الفريق بأن تكون الخطوة القادمة التصوير في الملاهي وفي الأحياء الشعبية كبولاق وشبرا لنشر ثقافة فن الباليه بين أبنائها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 ساعاتكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...