السيسي مؤيد من الله، هذا آخر ما تفتق عنه ذهن وعلم الشيخ أحمد كريمة، أحد أعلام الأزهر الشريف، وأستاذ الفقه المقارن بجامعته، في سلسلة تتابع حلقاتها منذ زمنٍ بعيد، وتدور في ثنائية الأزهر والسلطة، وحالة التأييد شبه المطلق لقضايا تأتي غالباً بعكس رغبة الشارع.
الدعاية الدينية للسلطة... قبلة وحياة
الجملة الصادمة التي نطقها الشيخ، الذي تجاوز عمره الخامسة بعد الستين، وتلقفتها وسائل التواصل الاجتماعي، أتت لتثبت أن الأزهر يمارس الدعاية الدينية للسلطة، ويسبغ كبيرها وصغيرها بالقدسية والتأييد الإلهي. هذا الدور يؤديه ببراعة المشايخ، سواء أصحاب المناصب الحكومية، أو الذين يتبرعون بلعبه، إما تقرباً أو رغبة في لعب دور مستقبلي. والموقف الأخير لم يكن الأول، ولن يكون الأخير، في السلسلة التي تربط رجال الأزهر بالسلطة، على مدار التاريخ الحديث، وبشكل خاص خلال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي تشهد نوعاً من الفجاجة في التأييد المطلق، وتبرير تصرفات سياسية لا تعني الأزهريين بالأساس، ولا تقع ضمن نطاق تخصصهم. لم يكن إعلان الشيخ كريمة أن الرئيس السيسي مؤيد من الله، تصريحه الأول الذي يثير ضجة وسخطاً. إذ سبقه بنحو شهر، تصريح تسبب في غليان الشارع المصري، بعد أن كفّر كريمة فرقة "أطفال شوارع"، التي كانت تنتج فيديوهات ساخرة، تنتقد الرئيس والأوضاع السياسية. وتم القبض على جميع أعضائها، وفشلت كل المحاولات القانونية والحقوقية في الإفراج عنهم.أزهريون في مواقف غريبة وفتاوى تكفير عجيبة يثبتون أنهم بخدمة السلطة وبعيدون عن الناس
الأزهريون الساعون إلى تولّي مناصب رسمية يطلقون الفتاوي الغريبة على أمل أن تراهم أروقة صنع القرارعلى الهواء مباشرة، خلال اتصال مع الإعلامي المثير للجدل والمعروف بقربه والتصاقه بالسلطة أحمد موسى، أكد كريمة أن مجموعة الشباب الذين لم يتجاوز متوسط أعمارهم الـ25 عاماً، قاموا بالسخرية من شعائر إسلامية معلومة من الدين بالضرورة وهو ما يثبت ردتهم، مطالباً بمحاسبتهم. والمثير أنه عندما سأله موسى إن كان شاهد الفيديو الذي يتحدث فيه الشباب، أجاب كريمة بأنه لم يتابعه، بل عرف المحتوى الإجمالي عبر وسائل الإعلام. هكذا اختار الشيخ أن يورط نفسه في قضية سياسية بالأساس، ويعادي شباباً محتجزين بتهمة إهانة الرئيس، وسط تعاطف جارف معهم، سواء من أوساط الشباب أو حتى من تكتلات معروفة بقربها من الرئيس، ونددت بحبسهم، ليسير الشيخ بعكس التيار، ويطلق أغرب فتوى بتكفير ربما على امتداد التاريخ الحديث.
عندما ابتعث الله الرجلين
ولم يكن كريمة الأزهري الوحيد الذي يبرر تصرفات السلطة. سبق موقفه تصريح مثير للجدل للدكتور سعد الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الذي قال في حفل تكريم أسر مصابي وشهداء الشرطة، إن الله ابتعث رجلين كما بعث من قبل رجلين موسى وهارون، وهما السيسي ومحمد ابراهيم، وزير الداخلية السابق، الذي فُضّ في عهده اعتصاما ميداني رابعة والنهضة.مجرمون وعملاء
ووسط حمّى تأييد الأزهريين للسلطة، بل المزايدة والغلو، اندفع أصحاب الألقاب الرسمية نحو إطلاق الفتاوى المؤيدة والرادعة، في وجه معارضي الحكومة. فقال وزير الأوقاف الحالي محمد مختار جمعة، إن الداعين إلى تظاهرات 25 يناير الماضية، مجرمون وعملاء. وكالعادة حتى يكون هناك حصن يرتكن عليه، اعتبر انها دعوات للتخريب والقتل وهدم المؤسسات. ولم يفرق الوزير، بين الذين ألمحوا إلى ذلك بالفعل، من التيارات المتطرفة، الذين لفظتهم القوى المدنية التي دعت للتظاهر احتجاجاً على قانون التظاهر، وبين غيرهم. واندفع ليروّج للسلطة متباهياً بإنجازاتها، خصوصاً مجلس النواب، الذي اعتبره حينها علامة فارقة في العالم كله رغم أن قطاعات واسعة من الشعب قاطعت الانتخابات، وانتقدت طريقة تكوينه. الطريف أن وزير الأوقاف نفسه، له فيديو منشور قبل هذه الفتوى بعامين، يطالب فيه علماء المسلمين بالابتعاد عن العمل السياسي. معتبراً أن العلماء الحقيقيين المخلصين لا يتطلعون إلى سلطة سياسية، مؤكداً أن مَن يوظفون الدين لتحقيق مآرب سلطوية هم "أدعياء العلم"، لأنهم لو كانوا علماء حقيقيين لتفرغوا لمهمتهم في هداية الناس. مشدداً على أن المجتمع المصري لم يعد يتحمل جريمة حكم سياسي تحت عباءة الدين، في إشارة إلى ما حدث من تداعيات حكم الإخوان.مسار قديم
ارتباط الأزهريين برجال السلطة ليس حديث العهد في زمن الرئيس السيسي، بل كان موثقاً، خصوصاً بعد قيام ثورة 1952. صحيح أن هناك مراحل شد وجذب معروفة في التاريخ الحديث، لكنها كانت تتراخى بمرور الوقت. إلا أن التأييد شبه المطلق بات مثل الفرض، أو بروتكول العلاقة التي يجب أن تكون. ويذكر الكثيرون الفتوى الشهيرة لشيخ الأزهر أحمد الطيب بعدم جواز استمرار التظاهرات ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، في مرحلة الثورة. معتبراً أنها داعية للفوضى، خصوصاً بعدما فوض مبارك صلاحياته لنائب مدير جهاز المخابرات الراحل، اللواء عمر سليمان، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ما اعتبره الثوار آنذاك حيلة لثني الميدان عن قرار التصعيد والإطاحة بالنظام ورجاله الكبار.تحجيم عبد الناصر والسادات للأزهر
قبل نظام مبارك، وتحديداً في عهدي الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، ظهرت بوادر شد وجذب انتهت بمعركة كبرى، خاضها شيخ الأزهر الراحل عبد الحليم محمود، بعدما صدر قرار بقانون آخر عام 1974، تنصّ مواده على تجريد منصب شيخ الأزهر من اختصاصاته، ونقلها إلى وزير الأوقاف، الذي اقتضت التقاليد بأن يكون أزهرياً دائماً. بالإضافة إلى إلغاء جماعة كبار العلماء، وهذا دق إسفيناً في العلاقة بين المؤسستين العملاقتين الأزهر والأوقاف، إلى درجة الصدام العلني بين شيخ الأزهر محمود شلتوت، وتلميذه الدكتور محمد البهي وزير الأوقاف. ونجح مخطط السلطة في شغل الأزهر بالصراع مع الأجنحة التي اخترعوها له، لا سيما أن عبد الناصر كان يعلم قوة الأزهر الحقيقية، والتي أسهب في الحديث عنها، عندما ذهب لأخذ البيعة منه لرئيس جمهورية مصر العربية الأول اللواء محمد نجيب، وكان وقتها ناصر عقل الثورة وأهم أضلاع حكمها. هذا الواقع فهمه عبد الحليم محمود جيداً عندما حاول السادات اللعب على الوتر نفسه، وإصدار ملحق لقانون عبد الناصر، يهدم ما تبقى لشيخ الأزهر. فقدم استقالته، ليدرك السادات أن الرجل ليس سهلاً، فأعاد الأمور إلى ما كانت عليه، وألغى القرار.الإفتاء للسلطة
لم يسهم ذلك في استقلال الأزهر، بل بات على درجة قريبة جداً من الدولة، وتبين ذلك في عدم اعتراض المؤسسة الدينية الرسمية على اتفاقية كامب ديفيد، أو إبداء تحفظات عليها، في ظل مقاطعة مصر من غالبية دول العالم الإسلامي. وربما يكون ذلك هو السبب الرئيسي في صعود تيار الإخوان بقوة خلال تلك الفترة، ومن خلفه الجماعات الدينية التي اعترضت على الاتفاقية، واستمرت في اعتراضها حتى انتهى الأمر باغتيال السادات. شيئاً فشيئاً باتت التقارير الأمنية أهم عامل في إصدار قرار تعيين رأس المؤسسة الدينية المصرية، وبدوره يعين المناصب حوله تبعاً لأولويات ورغبات الدولة. وهذا ما أنشأ حالة من التهافت على إرضاء السلطة، وإظهار التأييد لقرارتها، بل تقديم القرابين ممن يتطلعون لتولي منصب رسمي. فيطلقون الفتاوى الغريبة على أمل أن تراهم أروقة صنع القرار.شخصية شيخ الأزهر معيار القوة والضعف
وقال بندة يوسف، أستاذ علم الاجتماع، أن مواقف الأزهر التاريخية تأرجحت حسب شخصية شيخه بين المهادنة والقوة والاستكانة والصمت. ولفت إلى أن الأزهر نأى بنفسه عن الصدام مع عبد الناصر والسادات، بغض النظر عن موقف شيخه عبد الحليم محمود، الذي أخذه السادات على محمل الجد، وأعاد بعضاً من الهيبة لمنصبه. لكن ذلك لم يسمح للأزهر بإقحام نفسه في أي من إشكاليات هذا العصر، بكل ما كان فيه من عواصف سياسية ودينية، ما ساهم في انحسار دوره. مروراً بزمن مبارك، الذي انتهى، والأزهر يشكّل فيه جزءاً من قرار الدولة يعبّر عنها وتعبّر عنه. أما البدري فرغلي، أحد رموز العمل النقابي، ورئيس اتحاد المعاشات، فيرى أن الدور الاجتماعي للأزهر لم يعد يحتمل أكثر من طلب التبرع لصندوق الزكاة، وصرفها في مصارفها الشرعية. ولفت، في حديث لرصيف22، إلى أن القضايا الرئيسية التي تشغل الشارع المصري سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي، لا يتدخل فيها الأزهر إلا حسب تأثيرها على النظام الحاكم، وفي الغالب يكون التدخل لمصلحة الدولة، أو لاتخاذ موقف محايد أو الصمت. واعتبر أن الحديث الآن عن تاريخ الأزهر والتحامه التاريخي باهتمامات المصريين، لم يعد مجدياً في ظل ابتعاد الشارع عن التأثر بالرأي الديني، خصوصاً من الشباب. والدليل عدم الاهتمام بفتوى شيخ الأزهر وسائر رموز السلفية بما أبدوه من تضامن مع مبارك، وإفتائهم بعدم جواز الخروج عليه وهو ما لم يلتفت إليه أحد.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون