شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
التغيير كما يراه الشباب السعودي

التغيير كما يراه الشباب السعودي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 16 أكتوبر 201609:54 ص
من الطبيعي جداً أن يكون المشتركون في الشبكات الاجتماعية الحديثة، هم أولئك المهتمون بالتكنولوجيا، ومن يبحثون عن مكان للتعبير فيه عما يختلج في صدورهم، بغض النظر عن تلك الأفكار الكامنة في أذهانهم. وقد كانت هذه هي الحال مع بداية فسيبوك وتويتر. الأخير على وجه الخصوص منح بعض الشباب السعوديين فرصة للتعبير عن أفكارهم، وتداولها ومناقشتها، بل المطالبة بضرورة التغييرات، والإفراج عن سجناء الرأي، ومحاسبة “كائنًا من كان”، ذاك الكائن الأسطوري المسؤول عن نشر الفساد في الأوساط التجارية والإدارية، والمتسبب بالكثير من المآسي. وقد حذر مفتي الديار السعودية، الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، من موقع تويتر في أكثر من مناسبة، حتى أنه وصف تويتر بأنه "مصدر للأكاذيب والأباطيل" في تصريح له بأكتوبر 2014. بالعموم، لم يقف ذلك في وجه ازدياد عدد الحسابات الجديدة للسعوديين على موقع تويتر، خصوصاً مع ظهور عدد من برامج يوتيوب الشبابية، التي كانت تروّج لحساباتها في تويتر، عقب انضمام عدد من الأعلام والمشاهير، كشخصيات دينية أو سياسية أو غيرها، إلى الموقع. وكان الشيخ محمد العريفي والشيخ عائض القرني على وجه الخصوص، من أوائل السعوديين المنضمّين إلى الموقع وهما يحظيان بشعبية كبيرة لدى الأغلبية من الشعب. تدافع العديد على ساحة تويتر، له آثاره السلبية. فالقضايا العامة أضحت حالة أكثر عاطفية، لا يدوم النقاش فيها بضعة أيام، وسقف الحرية انخفض بشكل كبير؛ فالخطوط الحمراء للنقاشات بدت أكثر وضوحًا، وأقل مساحة. كما أن العديد من الحسابات الوهمية المنتشرة، التي كانت لها حرية الشتم والسباب، تسببت بشكل أو بآخر في ابتعاد الكثير عن طرح أفكارهم الخاصة، خوفاً من انعكاس ذلك عليهم بشكل جارح، أو بسبب الاشتباه في كون بعضها تابعة للجهات الأمنية للبلاد. وبعيداً عن الحسابات الوهمية، فمن البديهي جداً أن درجة الحرية في النقاش تختلف بين محيط وآخر؛ فبعد أن كان للشاب حريته في النقاش أمام أصدقائه، وجد نفسه محاطاً بزملاء العمل وأصدقاء الدراسة والوالدين والأقرباء، مما شكّل قيداً للتعبير عن كل ما لم يكن للشخص القدرة على التعبير عنه على أرض الواقع أمامهم. وكان لكثير من الشباب والشابات نصيب من النقاشات المطوّلة مع أقربائهم وأهلهم وزملائهم عن تلك الأفكار، التي لم تكن أغلب الأحيان مستهجنة أو غير قابلة للحديث، أكان ذلك رفضاً لتلك الأفكار وضعفاً في لغة الحوار، أو خوفاً من الآثار المترتبة على ذلك اجتماعياً أو أمنياً. المهم أن لتلك النقاشات تأثيراً سلبياً على واقع الكثير من الشباب.
شاب سعودي يتساءل: هل كان حراك الشباب مجرد نزوة وتأثر بمفاهيم غربية مستهجنة في مجتمعاتنا المحافظة؟
أسئلة كثيرة يطرحها شاب سعودي حول الحراك الشعبي في السعودية...
انتقلت المضايقات إلى مستوى أعلى، مع تكرار قيام الجهات الأمنية باستدعاء المغردين والمطالبين بالتغيير للتحقيق، أو حتى اعتقالهم بشكل سري، بدون استدعاء رسمي أو إعلان لعملية التحقيق والاعتقال المفاجئ. وكان الإعلان عن مثل هذه الاعتقالات - إن كان من إعلان - ينتشر بحسابات أصدقاء للمعتقل أغلب الأحيان، أو عن طريق أي شخص على معرفة بكلمة المرور السرية لحساب المعتقل، زوج أو صديق مثلاً. كانت الاعتقالات مفاجئة؛ أحدهم اعتُقل في أحد فروع مقاهي ستاربكس الشهيرة، وآخرون اعتقلوا من منازلهم، دون سابق إنذار. ثم انتقل الموضوع إلى مرتبة أمنية أعلى، إذ قامت استدعاءات قضائية لرموز المطالبة بالتغيير، باتهامات مثل “تأليب الرأي العام”، “نشر الفوضى”، أو غيرها من الاتهامات التي تراوح عقوبتها بالسجن بين 5 و25 سنة، وبالمنع من السفر. تزامن ذلك مع قرارين حكوميين ساهما في الحد من الحراك الشبابي ومطالباتهم المستمرة في التغيير؛ ينص القرار الأول على فصل أي موظف في جهة حكومية من وظيفته، إذا ما انتقد سياسات الدولة في أي وسيلة إعلامية، بما في ذلك الشبكات الاجتماعية. أما القرار الآخر فكان منع التجمعات بدون موافقة مسبقة من الأمارة أو الجهة المسؤولة. وعليه، فإن اضمحلال النقاشات والحرية في التعبير، بالإضافة إلى القرارين الحكوميين السابقين، حملا تأثيراً على الشباب المطالبين بالتغيير، والكثير منهم قام بحذف حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، أو على الأقل حذف التغريدات القديمة، خاصة المكتوبة ما قبل 2012، فمن الواضح أن النبش في تلك الفترة قد يسبب الكثير من المشكلات لأية مغرد، أو على أقل تقدير فهو كفيل بتشويه سمعته، وإظهاره كخارج عن القانون، جاسوس، عميل، كافر، أو أية تهمة تحتمل خلق مشكلات بين الشاب والسلطات، أو الشاب والمجتمع. وبطبيعة الحال، فقد توقفت غالبية برامج يوتيوب التي كانت تتناول القرارات والتصريحات الحكومية، بل إن بعضها قد انتقل إلى انتقاد الظواهر الاجتماعية. كما أن المنظمات التي كانت تنظم عددًا من المؤتمرات كـTEDx وغيرها من الملتقيات، قد اختفت هي الأخرى. في النهاية، أثّر كل ذلك بشكل كبير على تغيير مناخ الشبكات الاجتماعية، من حالة حراك شعبي إلى حالة أخرى لا تمت لهذا الحراك بأية صلة. يمكن القول بأن الساحة الشبابية حالياً تهتم بشكل كبير بريادة الأعمال، والمشاريع الاقتصادية الصغيرة، ومع الإعلان الحكومي عن الإصلاحات الاقتصادية، فإن أغلبية النقاشات اليوم على الشبكات الاجتماعية ترتكز على الجانب الاقتصادي الداخلي، مع اقتصار الحوار الديني أو السياسي على الجانب الخارجي، تركيا مثلاً. فكل المسببات السابقة، إضافة إلى أعمار الشباب المُشار إليهم، وخروجهم من المرحلةالجامعية، التي أعطتهم فرصة حراكية، وغيرها من الأمور الأخرى، هذه كلها سببت انتهاء تلك الحقبة من الحراك الشبابي وارتفاع الحرية في النقاش والتعبير. فبقيت الكتب الفلسفية والسياسية على أرفف المكتبات، وغاب النقاش عن أفكار “عزمي بشارة” و”جان جاك روسو” و”كارل ماركس” وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين، واتجهت الساحة إلى مواضيع أكثر سلمية: الفن والموسيقى والأدب والترجمة مثلًا. القراءة التي كانت متصلة بالتغيير كنتيجة، أضحت مجرد إدمان لا يمكن الفكاك منه، ومتعة بريئة لا أكثر. والتغيير المأمول بات مستحيلاً في عقول الكثير، وبرزت الهجرة حلماً جميلاً لدى الشباب. وجد الحراك الشبابي نفسه متخوفاً على حريته الشخصية ولقمة عيشه بعد كل تلك الأحداث، وغيرها من الأمور الصغيرة. وكانت حالة الفكاك من العدمية الأكثر إيجابية هي الانصباب على الاهتمام بالتخصصات الأكاديمية، واستغلال الإمكانيات والابتعاث للحصول على شهادات الدراسات العليا من جامعات مرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية أو المملكة المتحدة أو غيرهما من دول العالم الأول. كل ذلك شكّل خياراً أكثر ارتباطاً بالحياة من العدمية. كما أن عدداً منهم انتهى إلى الزواج وتكوين أسرة مع سقف من الحرية، محاصر بجدران المنزل، ومرتفع عن المألوف. ختاماً، أجدني محاطاً بعدد من الأسئلة، لا يمكن الإجابة عنها. هل كان الحراك الشبابي مجرد نزوة وتأثر بمفاهيم غربية مستهجنة في مجتمعاتنا المحافظة؟ أكان سبيلاً للشهرة، أم أنه مرتبط برغبة في التغيير وسخط على الواقع؟ وإذا ما كان التغيير ضرورياً، أيجب علينا إعادة هذا الحراك الشعبي؟ فبالنسبة إلى الجانب السياسي والاقتصادي والصحي والخدماتي، هل من حاجة إلى حالة المراقبة الشعبية، أم أن المؤسسات كفيلة بتطوير نفسها من دون تدخل مختلف فئات الشعب؟ وإذا كان الحراك الشعبي ضرورة، فهل يمكن إعادته من دون تفعيل مؤسسات مجتمعية مدنية، وضمان مساحة جيدة من الحرية للحوار والنقاش؟ أم أن سقف الحرية الحالي كفيل بذاك التطور، وارتفاعه عن وضعه الحالي يعدّ ترفًا يعود علينا بالضرر أكثر من الفائدة؟ ما رأيكم؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image