"تسخير الفن لخدمة السياسة" أصبحت أداةً مهمة خلال السنوات الأخيرة للترويج لسياسات وترسيخ أفكار وأهداف الساسة. وهذا ما يتضح في العديد من الأعمال الفنية. ويعد فيلم "الرئيس" أحد هذه النماذج، التي تروج لشخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
يترقب الكثيرون من الشعب التركي عامة، ومن مؤيدي ومناصري حزب "العدالة والتنمية" وأردوغان خصوصاً، بدء عرض فيلم "الرئيس" في دور العرض داخل تركيا في أكتوبر المقبل.
تمجيد السلطان
يأتي الفيلم في إطار حملة الفخر والتمجيد للرئيس التركي، الملقب وسط مناصريه ومؤيديه بـ"السلطان"، إذ لم يكتف بإطلاق اسمه على بعض مؤسسات الدولة وملاعب كرة القدم بتركيا. ويأتي ذلك على الرغم من تأكيد منتج الفيلم علي أفجي، حفاظه على حيادية سرد الأحداث، قائلاً: "هذا الفيلم لم يُصنع من أجل التمجيد". يأتي موعد عرض الفيلم المقرر في 14 أكتوبر المقبل، قبل نحو أسبوعين من الذكرى السنوية لتأسيس الجمهورية التركية، في يوم 31 من الشهر نفسه. كما يتزامن مع الشحنة المعنوية العالية، وروح الانتصار التي يعيشهما أردوغان، وحكومة حزب "العدالة والتنمية" عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو الماضي، وتوحد الشعب التركي مؤيداً ومعارضاً، إسلامياً وعلمانياً تحت عباءة شرعية أردوغان، مؤكدين رفضهم لمواصلة تاريخ الانقلابات العسكرية الدامية.قصة الفيلم
يعد "الرئيس" من أنواع الأفلام الروائية، وسيتناول قصة حياة الرئيس التركي بشكل درامي، تصاحبه رؤية فنية للمراحل المختلفة من حياة أردوغان منذ الطفولة حتى النضج وبدء المسيرة السياسية. ذكر الكاتب التركي في صحيفة "حرييت" عمر بيلجه أن فيلم "الرئيس" بدأ تصويره في يناير الماضي، ويسرد حياة أردوغان منذ كان طفلاً صغيراً في حي قاسم باشا الفقير على شاطئ القرن الذهبي في مدينة اسطنبول، إلى أن وصل إلى قمة الهرم في المدينة، إذ أصبح رئيساً لبلدية اسطنبول. وأضاف: "بكلمات أخرى، يتناول الفيلم حياة أردوغان منذ سن السابعة، مروراً بتقلده منصب عمدة اسطنبول بين عامي 1994 و1998، وصولاً إلى اعتقاله وحبسه 4 أشهر بعد أن ألقى شعراً إسلامياً للشاعر الراحل محمد عاكف عام 1999". وتنتهي أحداث الفيلم عند هذه الواقعة، التي تعد نقطة فاصلة في تاريخ الصعود السياسي لأردوغان، وتأسيسه لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم حالياً.أردوغان و"مندريس"
ويتضح من الإعلانات الترويجية التي أطلقتها الشركة المنتجة للفيلم، التطرق إلى واقعتي حظر رفع الآذان باللغة العربية في اسطنبول، وإعدام رئيس الحكومة التركية السابق عدنان مندريس. ومندريس سياسي تركي، ورجل دولة وحقوقي، يعد أول رئيس حكومة غير علماني في تاريخ تركيا حاول وضع حد لهيمنة رجال أتاتورك، وأول زعيم سياسي منتخب ديمقراطياً في تاريخها. تبدأ الأحداث بواقعة إعدام مندريس في 17 سبتمبر 1961، وهو من مؤسسي حزب الديمقراطية، رابع حزب معارض ينشأ بصفة قانونية في تركيا عام 1946. وقد أعدم شنقاً مع اثنين من أعضاء مجلس وزرائه.لسان حال بعض الأتراك اليوم: "رئيس واحد لا يكفي... سيكون هناك 5 رؤساء"
لم يكتف أردوغان بإطلاق اسمه على بعض مؤسسات الدولة وملاعب كرة القدم بتركيا... ينتظر الشعب التركي سلسلة أفلام تمجدهوتعكس المشاهد الترويجية للفيلم استياء وسخط الشعب التركي من قرار إعدام مندريس، وخروج الكثيرين للتعبير عن معارضتهم للقرار، على الرغم من الأحكام العرفية القائمة آنذاك. بينما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السابعة من عمره، ليبدأ إدراكه السياسي من هذه المحطة التاريخية. وتعمّد مخرج الفيلم إظهار مدى تأثر أردوغان بشخص مندريس، وتعلقه بتاريخه والدفاع عنه في عدد من خطاباته الأخيرة، مثل مقولته: "مندريس ورفقاؤه قدموا خدمات كبيرة للشعب التركي وكافحوا من أجل مستقبله، ولم ينظروا يوماً إلى الأمة التركية باستعلاء، ولم يتخلّوا عن طريقهم وضحوا بحياتهم من أجل الأمة". أما عن حكاية رفع الآذان باللغة العربية في إسطنبول، فكان مندريس، رئيس أول حكومة يمينية في البلاد، رفع حظر قراءة الآذان باللغة العربية، بعد أن كان يقرأ بالتركية اعتباراً من 1932. ويختتم أحد الإعلانات الترويجية للفيلم بدعوة بصوت أردوغان مفادها: "يا الله لا تحرم مآذننا من الأذان".
أبطال العمل
بعد العديد من جلسات العمل، استغرقت نحو أربعة أشهر، استقر الخيار على الممثل التركي يحيي بي أوغلو، لتجسيد دور أردوغان في شبابه. بينما قام الطفل باتوهان إيشيق جورال، بأداء مرحلة الطفولة، وأدت الممثلة أوزلم بالجي دور زوجة الرئيس التركي أمينة أردوغان. وشارك في الفيلم الذي بلغت كلفة انتاجه 8 ملايين دولار، عدد كبير من الممثلين مثل أوفق بايراقتار، وأبيدين يره باكان، وأورهان أيدين، وعلى يايلي، وألبير توريدي، وإسماعيل حقي، وفولكان باشاران. وتتضح من الإعلانات الترويجية للفيلم محاولة الفنان يحيي بي أوغلو تقمص شخصية أردوغان، والتقرب من نبرة صوته وأسلوب حديثه، من إطلاق الكلمات بشكل واضح والعبارات القصيرة والانفعالات المرفقة مع لغة الجسد. وأكد منتج العمل علي آفجي، رئيس مجلس إدارة الشركة المنتجة "إيفرينسال ميديا" التركية، أن فيلم "الرئيس" سيكون مفاجأة في الموسم السينمائي الصيفي بتركيا. وأضاف: "الفيلم لاقى أهمية كبيرة قبل عرضه، إذ شهدت العروض الترويجية المبدئية له، مع بدايات التصوير، اهتماماً عالمياً كبيراً، وتحدثت عنه وسائل إعلام عالمية". وتابع "الفيلم ليس سياسياً أو تسويقياً، بل عمل روائي، لم يأخذ بوجهة الداعمين السياسيين للرئيس، بل تطرق بموضوعية إلى تكوين العائلة وظروف النشأة والتربية منذ الطفولة، وأصدقائه والمحيطين به، ونستعرض بالفيلم بعض الصور الحقيقية لألبوم العائلة".آراء ونقاد
وجهت صحيفة "ذا تايمز" انتقاداً لبعض الإعلانات الترويجية للفيلم، مشيرةً إلى احتواء القصة على مغالطة تاريخية، تتمثل في بدء رفع الأذان باللغة العربية خلال مرحلة طفولة أردوغان. وأوضحت الصحيفة أن مسألة رفع حظر الأذان بالعربية، كانت قبل تاريخ ميلاد أردوغان بأربعة أعوام، أي عام 1950، مع بداية رئاسة مندريس للحكومة التركية. بينما أظهر الفيلم أن رفع الحظر، تزامن مع طفولة أردوغان تحديداً في عمر السابعة، وهذا ما يعد خطأً تاريخياً. وقال المنتج آفجي: "الفيلم سيسلط الضوء على الجوانب الإنسانية لأردوغان. نرى اليوم شخصيات سينمائية عالمية مثل سبايدرمان وسوبرمان، وهي شخصيات غير حقيقية، على القمصان التي يرتديها أطفالنا، وفي الكتب أيضاً، لكن لدينا نحن أيضاً أبطالنا الخاصين بنا، الذين ما زالوا على قيد الحياة"، مشيراً إلى أن الفكرة نتجت من التساؤل: "كيف أصبحوا أبطالاً؟".سلسلة "الرئيس"
قد يستغرب مشاهد الفيلم من توقف الأحداث عند عام 1999، أي قبل تأسيس أردوغان حزب "العدالة والتنمية"، وتحقيقه النهضة السياسية، ورحلة صعود نجمه وتدرجه حتى اعتلائه الرئاسة التركية. ولكن بحسب موقع "عالمي هبر"، يعدّ فيلم "الرئيس" المقرر عرضه في أكتوبر المقبل الجزء الأول من سلسلة أفلام ستحمل الاسم نفسه مقرر تصويرها خلال الفترة المقبلة. وستتكون السلسلة من 5 أجزاء تسلسلية تستكمل سرد مسيرة الصعود السياسي لأردوغان، ونجاح حزبه محلياً وإقليمياً. وعلّقت صحيفة جمهورييت التركية المعارضة على ذلك: "رئيس واحد لا يكفي... سيكون هناك 5 رؤساء".أردوغان وغولن
أشارت وسائل الإعلام التركية إلى أن مخرج الفيلم، هو نفسه مخرج فيلم "أشرف باشاليلار" عام 2010، الذي يسرد مرحلة شباب مؤسس حركة "الخدمة"، الداعية التركي فتح الله غولن، الذي يعد حالياً من ألد الأعداء السياسيين لأردوغان، وتم تصنيف حركته كتنظيم إرهابي في تركيا. وذكرت صحيفة "راديكال" التركية أنه من الغريب مصادفة إخراج يافوز فيلمين روائيين لشخصيتين هامتين، تفرق بينهما ستة أعوام، هما أردوغان وغولن، اللذان أصبحا عدوين سياسيين حالياً. ويتناول فيلم "أشرف باشاليلار" فترة شباب غولن، وإقامته وعمله إماماً في منطقة "أشرف باشا" في مدينة إزمير التركية، قبل انتقاله إلى اسطنبول، ثم نفيه إلى الولايات المتحدة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه