عندما نشرت وسائل الإعلام في أغسطس الماضي صورة الشرطي الفرنسي الذي يطلب من سيدة خلع البوركيني "رداء السباحة المستخدم للمحجبات"، أو مغادرة الشاطئ، انتشرت معها الآراء وردود الأفعال العربية والمصرية القاسية عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وتركّزت غالبيتها على اتهام فرنسا بالعنصرية. ولكن الأمر لا يختلف كثيراً في مصر، البلد الذي تُعاني فيه معظم الفتيات والسيدات على اختلاف أشكالهن ومظهرهن من عنصرية مقيتة، سواء كنّ محجبات أو لا، حتى أنه يتمّ منعهن من دخول بعض الأماكن بناءً على ذلك.
هو موسم الانفتاح، بعد ثورة يناير
قبل ثورة 25 يناير كان من المتعارف عليه منع المحجبات من العمل في عدة مهن، من ضمنها الظهور على شاشة التلفزيون الرسمي. أما بعد الثورة، فصدر حكم قضائي يمكّن المذيعات المحجبات من ممارسة عملهن دون شروط. كما أنه من المتعارف عليه أن العمل في السلك الدبلوماسي المصري للمحجبات أمرٌ صعب، لكن بعد ثورة 25 يناير، بدأ الحديث عن فرصة المحجبات للالتحاق بالعمل. وفقاً لبحث أجراه معهد البحوث الاجتماعية بجامعة ميشغان الأمريكية عام 2014، ونشره مركز بوي للدراسات في 7 بلدان مسلمة، منها مصر، جاء فيه أن 52% من المصريين يرون أن الحجاب التقليدي هو اللباس المناسب للنساء في الأماكن العامة، مقابل 4% يفضلون النساء غير المحجبات.الحجاب ضروري لدخول جامعة الأزهر
رغم نفي من تولوا رئاسة جامعة الأزهر صدور تعليمات بمنع دخول غير المحجبات، إلا أنه متعارف عليه ضرورة ارتداء غطاء للرأس عند الدخول للجامعة، حتى لو تم خلعه في الداخل. وفي مارس عام 2011، منعت المحامية مها سرور من الدخول للجامعة بسبب عدم ارتدائها للحجاب، وإصرارها على رفض التحايل بارتداء غطاء مؤقت للرأس. حينها نفى أسامة العبد، رئيس جامعة الأزهر وقتذاك، صدور أي تعليمات باشتراط الحجاب لدخول الجامعة. لم تكن أميرة حمدي ترتدي الحجاب في المرحلة الثانوية. وعندما لم تتمكّن من الالتحاق بكلية الألسن في جامعة عين شمس، نصحها أصدقاؤها بالدراسة في جامعة الأزهر. تقول: "قيل لي إنه يمكنني ارتداء إيشارب خفيف عند الدخول للجامعة فقط، وخلعه في الداخل ثم أعود لارتدائه عند الخروج، ما دفعني للمسارعة بارتداء الحجاب، ولم أندم على ذلك". نسمة، التي طلبت منّا تغيير اسمها، تعمل في محل شهير لبيع الحلويات الفرنسية في مصر. تقول لرصيف22: "أضطر إلى خلع الحجاب أثناء عملي في المحل، وأعود لارتدائه بعد انتهاء موعد المناوبة، لاشتراط عدم ارتداء الحجاب، واحتياجي الشديد للعمل. في البداية خجلت وكنت أبكي كثيراً لكنني اعتدت بعد ذلك، خصوصاً أنني أرتدي غطاءً بسيطاً لشعري وفقاً للمعايير الصحية المطلوبة مني في العمل، ما جعلني أتقبل الأمر".منع المحجبات والإحساس بالدونية
بعد الحراك الفكري والثقافي الذي شهده المجتمع المصري إبّان ثورة 25 يناير، بدأت الممارسات العنصرية ضد المحجبات في التزايد، عقب أحداث 30 يونيو، وسقوط حكم الإخوان المسلمين. "مش من حقك تمنعني"، "احترم حجابي"، "ضد العنصرية"، هذه هي العناوين الأبرز للهاشتاغات التي جمعت آلاف التغريدات والبوستات على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي سجلت عليها فتيات وسيدات قصص منعهن من دخول مطاعم داخل القاهرة، أبرزها في مناطق الزمالك والمهندسين، وغالبيتها في الساحل الشمالي، خصوصاً مارينا وهاسيندا، والعين السخنة ورأس سدر. وشمل المنع أيضاً دخول شواطئ في مارينا. ومعروف منع دخول المحجبات للملاهي الليلية والأماكن التي تقدم المشروبات الروحية، ما تعتبره رنده نبيل حجة جاهزة لتبرير منع دخول المحجبات. وقالت لرصيف22: "ذهبت برفقة زوجي وأصدقائه في العمل وبعضهم من الأجانب، إلى مطعم في حي الزمالك ويطلّ على النيل، وفي الساعة التاسعة طلب مني مغادرة المطعم لأنهم يقدمون الخمور ويوجد فرقة موسيقية تعزف موسيقى الجاز. وبعد مناقشات غاضبة تركت المطعم".تطبيقات مخالفة للقانون ولا محاسبة
لا يقتصر منع المحجبات في مصر على دخول المطاعم فقط بل يصل إلى حد المنع من النزول إلى حمام السباحة وارتداء البوركيني. تروي شيماء وحيد أنها كانت في قرية لافيستا في العين السخنة، وطُلب من زوجها التوقيع على تعهّد بعدم استخدامها حمامات السباحة العامة، والاكتفاء بحمام السباحة الخاص بالسيدات فقط. وتم تبرير ذلك بأنه يعود لأسباب صحية. وبعد مناقشة سريعة مع ممثل إدارة القرية، قال إن القرار هدفه مراعاة شعور النزلاء، وعدم تشويه المظهر العام، وهو واحد من إجراءات عدة منها منع نزول الخادمات والسائقين إلى حمام السباحة، كما الحيوانات الأليفة.فقط في مصر: ربط صورة النساء المحجبات بالعفة وغير المحجبات بقطع الحلوى غير المغلّفة
بحجاب أو من دون حجاب، في الحالتين لن يتركها المجتمع بسلام...تقول شيماء: "ظل ابني يسأل عن سبب عدم نزولي برفقة والده إلى حمام السباحة كما اعتاد ولم أعرف كيف أردّ". أما عن رد الجهات الرسمية، فأعلنت وزارة السياحة المصرية مراراً في بيانات صحفية رسمية عدم إصدارها قراراً رسمياً بمنع دخول المحجبات بعض المنشآت السياحية، أو نزول البحر أو حمام السباحة. لكن هذا لم يوقف العديد من المنتجعات السياحية من وضع "فيتو" على المحجبات في منشآتهم.
صالونات تجميل إسلامية تمنع "السافرات"
مقابل منع المحجبات، يوجد صالونات تجميل في مناطق مختلفة من القاهرة، منها مدينة نصر ومصر الجديدة والهرم، تمنع دخول غير المحجبات وتكتب على اللافتة الخاصة بها "للمحجبات والمنقبات فقط". في محاولة لدخول أحد صالونات التجميل في مدينة نصر القريبة، رفضت العاملة بأدب شديد استقبال الفتاة غير المحجبة، وبررت ذلك بأنه "صالون تجميل إسلامي". تروي سارة السيد أنها دخلت أحد صالونات التجميل الإسلامية، ولم تلتفت كثيراً إلى اللّافتة الخارجية المعلّقة على بابه، فوجدت مكاناً أحكمت أبوابه جيداً. وحين طلبت "تنظيف حاجبيها"، رفض طلبها لأنه حرام، وقالت العاملة في صالون التجميل إنها تقوم بتشقير الشعر الزائد فقط، لكن لا تستطيع إزالة الشعر لأنه نمص، وذكرت الحديث النبوي الشهير عن لعن نمص الحاجبين. وتضيف: "أطلعتني العاملة على قائمة المحظورات، منها إزالة الشعر الزائد في منطقة العورة، أي من السرة إلى الركبة، وتركيب الرموش أو الأظافر أو وصلات الشعر". بعدها غادرت سارة صالون التجميل، ولاحظت أن غالبية المترددات عليه من المنقبات.الأسرة هي المفتاح لتقبل أي آخر
تقول الدكتورة سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس لرصيف22: "نعيش حالة استقطاب مجتمعي في السنوات الأخيرة. المجتمع لا يقبل المختلف سواء كان محجباً أو غير محجب، مسلماً أو مسيحياً، من أهل الحضر أو من أهل الريف، ولكن لا يمكن اعتبار الأمر بمثابة الظاهرة". وأوضحت قدري أن الأفكار الخاصة بنبذ الآخر وكل الانقسامات الاجتماعية ناتجة عن الأسرة في المقام الأول. الأسرة هي التي تنشىء أبناءها على هذه القيم، والطفل الذي ينشأ في بيت يتقبّل كل الناس ويتقبّل الاختلاف، يكبر على أساس تقبل واحترام جميع الأطياف. ويأتي التعليم في المدرسة في المقام التالي، ليرسخ هذه القيم، فتصبح جزءاً من كيانه. ثم يأتي دور التعليم والإعلام والخطاب الديني لإرساء قيم تقبّل الآخر، وهنا بالتحديد مكامن الخلل.ربط الحجاب بالعفة وغير المحجبات بقطع الحلوى غير المغلّفة
وبحسب انتصار السعيد، مديرة مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، تسود المجتمع نظرة نمطية تربط ارتداء الحجاب بالعفة، مقابل تشبيه غير المحجبات بقطعة الحلوى غير المغلفة، وهي نظرة دونية ونزعة عنصرية تجاه غير المحجبات. وأشارت السعيد إلى انتشار الأفكار المتطرفة في المجتمع المصري نتيجة للردة الثقافية والمجتمعية التي حدثت على جميع المستويات. من ضمن هذه الأسباب، عمل المصريين في الخليج، وانتشار الأفكار المتطرفة في بعض الفضائيات، يقابلها في الوقت نفسه أصحاب الفكر الراديكالي المطالب بالتحرر. لا تبدو السعيد متفائلة بأنّ الحل آتٍ إلاّ بإدماج مبادئ المساواة بين الجنسين في المناهج التعليمية المختلفة، للتغلب على النزعة الذكورية المتطرفة التي زُرعت لدى الفتيان والرجال في أجيالنا الحاضرة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...