في الولايات المتحدة عدد كبير من المدارس والأطياف والأفكار، والأهم، التوجهات الإسلامية المختلفة. وبالنظر إلى تلك التوجهات يلاحظ مدى التنوع الفكري، والتقدم في بعض الأفكار، بغض النظر عن المرجعية الدينية التي ينتمي إليها صاحب الفكرة، سواء كانت من طائفة معينة، أو حزب محدد، أو حتى أيديولوجيا.
في أمريكا اليوم نحو 3.3 مليون مسلم، يشكلون 1% من سكان الولايات المتحدة. البعض منهم مندمجون في الثقافة الأمريكية، ونسبة منهم، تملك آراء، تعتبر مقدمة في الطيف الإسلامي التقليدي، خصوصاً في دول العالم الإسلامي.
علماً أن عدد المسلمين في أمريكا يزداد سنوياً، بناءً على تقرير نشره موقع Pew research. فنصف اللاجئين القادمين إلى الولايات المتحدة هذا العام من المسلمين. ومعروف أن معدل الولادة لدى الجاليات أو المجتمعات الإسلامية، هو الأعلى على مستوى العالم. فكيف يفكر المسلمون في أمريكا، وما هي وجهة نظرهم في العديد من القضايا، خصوصاً تلك التي تثير بعضاً من الجدل في الطيف الإسلامي؟ وما هو مستقبلهم في أميركا؟
المسلمون الأكثر تسامحاً
بحسب دراسة نشرتها صحيفة "ذا إندبندنت"، يعتبر المسلمون حالياً في أمريكا أكثر مجموعة أقليات مكروهة. وتنامى هذا الكره بحسب الصحيفة، بعد أحداث 11 سبتمبر. قبل الأحداث، كان الملحدون في أمريكا هم المجموعة الأقل شعبية، ليصبحوا لاحقاً في المرتبة الثانية بعد المسلمين. وفي دراسة قام بها قسم علم الاجتماع في "جامعة مينيسوتا"، تبين أن نسبة الكراهية للمسلمين في السنوات العشر الأخيرة، تنامت بنسبة 24%. بينما ذكر مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير"، أنّ العام 2016 شهد 55 حالة اعتداء على المساجد في أمريكا. وبناءً على مقال للكاتب مايكل ليبكا على موقع Pew، فإن أكثر المخاوف التي يواجهها المسلمون في السنوات الأخيرة، هي الرؤية السلبية حولهم. ويجد 29% من المسلمين أنها أكثر المشاكل التي تؤرقهم. بينما يرى 20% منهم أن هناك نوعاً من التمييز العنصري ضدهم. والأمر شبيه تماماً بالقانون الذي أقرته مدينة نيس في جنوب فرنسا لمنع البوركيني. الأمر الذي اعتبره كثيرون تدخلاً في الحياة الخاصة، وقراراً يميز المرأة المسلمة عن غيرها. ويخشى معظم مسلمي أمريكا من المستقبل في حال فوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب. ويعتبر غالبيتهم أنهم سيخافون من الحكومة الأمريكية أكثر من أي شيء آخر، ومن ازدياد نسبة الإسلامفوبيا المنتشرة أصلاً في الولايات المتحدة. علماً أن هناك العديد من الأحداث الموثقة التي تثبت صحة تمييز المسلمين عن غيرهم، مثل حادثة طرد عائلة مسلمة عن رحلة للخطوط الأمريكية هذا العام.تبين دراسة جديدة أن المسلمين هم أكثر مجموعة أقليات مكروهة في الولايات المتحدة
20% من مسلمي أميركا يرون أنهم ضحية للتمييز العنصري ويخشون من وصول ترامب إلى البيت الأبيضيعتبر المسلمون في أمريكا أكثر تسامحاً من غيرهم من المسلمين خارج أمريكا. فـ8% فقط من مسلمي أميركا، يجدون أن هناك مبرراً للعمليات الانتحارية، مقابل 35% في بريطانيا يبررون ويرون شرعية العمليات الانتحارية، وتزيد النسبة في فرنسا إلى 42%. كما نجد أن 5% فقط من مسلمي أميركا يؤيدون القاعدة بحسب التصويت نفسه. بينما نسبة التأييد للقاعدة لدى الجالية المسلمة في بريطانيا تصل إلى 13%، حسب التصويت الذي قامت به ICM. عام 2011 أظهرت دراسات نشرها موقع People press، أن واحد من كل أربعة مسلمين في الولايات المتحدة، لا يؤيدون عمل المرأة، ويفضلون بقاءها في المنزل. وتتنوع آراء المسلمين الأمريكيين حول المواضيع المثيرة للجدل خصوصاً فيما المتعلق بالمرأة. تذكر في هذا الإطار قصة سيدة قامت بمهمة إمامة وخطبة الجماعة في صلاة العيد، ما جعلها عرضة للانتقادات والاعتراضات من مشايخ إسلاميين أمريكيين، حتى خارج الولايات المتحدة. أحد التعليقات كان من الدكتور الأمريكي محمد صالح الذي ذكر أن هناك إجماعاً بين علماء المسلمين على تحريم إمامة المرأة. فكان رد هيئة ثوابت المسلمين التقدميين Muslims For Progressive Values بتبني إمامة السيدة، حين ذكر أن الإسلام سمح للمرأة أن تقود الجيوش، وتكون والية على تجارتها، والمرجعية الدينية في بعض الأحيان. وبالتالي، من الممكن إعادة النظر في تحريم إمامتها للجماعة. يؤمن بعض رموز الإسلام في أمريكا بتكافؤ الرجل والمرأة والمساواة بينهما، حتى في الأجور وغيرها من تفاصيل الحياة. وذهب بعض مشايخ الولايات المتحدة، نمو ملفات أكثر إثارة للجدل، مثل إمام مسجد ديتروت، داعية عبدالله، الذي يؤمن بأهمية دعم المسلمين لقضية زواج المثليين، إضافة إلى فتواه الشهيرة بجواز صلاة المرأة بجانب الرجل في المسجد، من دون حاجز يفصل بينهما. يقول الشيخ داعية في مقابلة نشرت على موقع الجزيرة أمريكا: "قرار الحكم على الناس يرجع إلى الله وحده، وليس لنا دخل، نحن العلماء أو البشر، في الحكم بعضنا على بعض".
طرفان يتنازعان على دينٍ واحد
هناك، بالطبع بعض الأصوات الإسلامية في أمريكا، مثلها مثل المسيحية أو اليهودية التي تكون أكثر تطرفاً أو ميولاً لليمين، مثل الشيخ خالد ياسين، أحد أقوى الأصوات في المشهد الإسلامي في البلاد. يتمتع الشيخ بقاعدة جماهيرية، لخطابه الذي يمس الواقع المسلم اليوم، رغم تشدده في الكثير من الأحيان. لكن خطابه لا يخلو من الدعابة والطرافة في العديد من المناسبات، مثل طرفته الشهيرة، حين شبه الإعلام الأمريكي بأفلام المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ. ويرى بعض المسلمين في الولايات المتحدة، أن ياسين بحاجة لتجديد خطابه، ليكون أكثر تسامحاً واعتدالاً. لكن لا يمكن التغافل عن كونه الأشهر حالياً في الولايات المتحدة، بجانب العالم الإسلامي الأمريكي الأكثر ميولاً لليسار أو قرباً للفكر الليبرالي رضا أصلان من أصول إيرانية. ويرز نجم هؤلاء بعد رحيل أو خفوت شمس مشاهير، أمثال مالكوم إكس، ووارث الدين محمد، وزكي شاكر وغيرهم. يحظى أصلان باحترام في الوسط الأكاديمي الديني العلمي، خصوصاً بعد تأليفه كتباً، ليست فقط عن الثقافة الإسلامية، بل تعدت ذلك لكتب عن الديانات الأخرى، مثل كتابه الشهير "حياة يسوع المسيح Zealot: The Life and Times of Jesus of Nazareth. وواجه فيه هجمات قوية من الإعلام المسيحي المحافظ في أمريكا, ويتميز أصلان بخطابه الأكاديمي العميق والواعي، وثقافته العالية، وقدرته على الخطابة، والنقاش، واللغة الفريدة.مبادرات للاحتفاء بالإسلام
موقع MALA الخاص بطرح قضايا تهم العالم الإسلامي في الولايات المتحدة، يستعرض العديد من الأخبار غير المتوقعة والغريبة أحياناً، عن مسلمين لديهم تفسيرات وفهم مختلف عن السائد في العالم الإسلامي بشكل عام، والوطن العربي بشكل خاص. من بينهم روشدية إسلام التي تفخر بهويتها الإسلامية وإيمانها العميق. فقد نشأت في عائلة مسلمة ومتدينة في أمريكا، وهي من أصل بنغلاديشي. تعرفت إلى ثقافة احترام التنوع والأفكار المختلفة أثناء نشأتها في الولايات المتحدة، بعد انتقالها إليها في عمر 12 سنة. اليوم، تجد روشدية نفسها مسلمة معتدلة، وتجد أن الإسلام بالنسبة إليها هو الصفاء والروحانية والتواضع مع النفس، واحترام الآخرين. وترى روشدية، في المقابلة أن نظرتها للإسلام متعلقة بتصرف شخصي يرتبط بكرامتها وباستقلاليتها، من دون تدخل الآخرين. تدير زينب خان موقع مالا، وهي سيدة مقيمة في الولايات المتحدة، من أسرة منحدرة من آسيا الوسطى. قدمت أسرتها إلى أمريكا في ستينيات القرن الماضي. تنشر عبر موقعها قصصاً حول أشخاص تركوا الإسلام لأسباب مختلفة، وعلى أفراد يناضلون ليعيشوا كمسلمين أحرار في الغربة، ولاجئين يشاركون تجربتهم، لإعطاء بقعة أمل للمسلمين الذين يواجهون تحديات كبيرة في يومياتهم، من دون أن يتمكنوا من مشاركتها مع أحد. أسست زينب الموقع مع مجموعة متنوعة من المسلمين الأمريكيين، واعتمد الموقع شراكة مع "مؤسسة ملالا للتعليم" التي تركز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، واستعراض قضايا حجاب النساء، وختان الإناث، والعنف الأسري والتعليم في المجتمعات المسلمة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...