يعيش مئات آلاف المسلمين في الدول الاسكندينافية، أقصى شمال أوروبا. ويتصاعد سنوياً الجدل حول مواقيت الإمساك والإفطار، بسبب طول ساعات النهار، خصوصاً في الصيف، التي تصل في بعض الدول إلى 23 ساعة ونصف. أصبح شهر رمضان عامل تشتيت وضياع لهؤلاء المسلمين بدل أن يكون عامل توحيد بسبب كثرة الفتاوى حول المسألة. الدول الاسكندينافية هي السويد والنرويج والدانمارك وفنلندا وآيسلندا. ويعمل المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث على تنظيم أمور أهل السنة، كما المجلس السويدي للأئمة وغيرهما. وتنضوي تحت لواء هيئة الاتحاد الشيعي غالبية الجمعيات التي تعنى بشؤون الشيعة، إضافة إلى أئمة المساجد المنتشرة ورجال الدين المقيمين هناك.
صعوبات المسلمين المقيمين في تلك البلاد
يعتبر محي الدين (30 عاماً)، وهو لبناني مقيم في السويد منذ عام 1989، أن رمضان ليس ظاهراً مثل بقية الدول، ومن الصعب التكيّف معه، لأن غالبية المجتمع الاسكندينافي لا تؤمن به. [caption id="attachment_60482" align="alignnone" width="700"]مسجد البعثة الإسلامية العالمية في أوسلو
ويقول لرصيف22: "يتوجب عليَ كمسلم أن أخطط بدقة لشراء المنتجات الحلال وحساب توقيت الصيام المناسب. فالمعاناة تنحصر في اختلاف التقاليد والعادات الاجتماعية، لكن لا يوجد أي مبرر يمنعني من الصيام. أيضاً هناك مشكلة في السحور بسبب قربه من وقت العشاء". وأضاف: "هنالك بعض المرجعيات الدينية الشخصية التي أثق بها، وأستعين ببعض المراجع الإلكترونية كالصفحة الرسمية الإسلام ويب لمعرفة الفتاوى". أما ميرا (33 عاماً)، وهي سيدة لبنانية من الطائفة الشيعية تعيش في السويد منذ 8 سنوات، فقالت: "شهر رمضان يشكل معاناة بالنسبة لي بسبب طول ساعات الصيام، وبسبب عملي الليلي ممرضةً أحتاج لشرب المنبهات كالقهوة والشاي، فتوقفت عن الصوم منذ ثلاث سنوات".
فتاوى أهل السّنة
تناول العلماء المعاصرون هذه المسألة بالدراسة، وهناك 3 آراء أساسية، هي عبارة عن اجتهادات مستندة إلى ما يفهم من النصوص الشرعية. مفتي فنلندا الشيخ وليد نزار حمود، عدّد لرصيف22 بعض الفتاوى التي يصوم على أساسها غالبية المسلمين السنّة، في البلاد التي يطول نهارها في الصيف. القول الأول: يقول به علماء السعودية والخليج، وبعض علماء المدرسة السلفية، ويقضي بوجوب الصيام على أهل تلك البلاد ما دام هناك غروب وشروق، وتبين الفرق بين الليل والنهار. ومن لم يستطع ذلك أو خاف على نفسه من الضرر الصحي المحقق أو من الأذى والهلاك، أفطر شرط أن يقضي ما في ذمته من صيام في أي وقت من أوقات السنة.القول الثاني: قول معظم الذين تولوا مشيخة الأزهر: في مثل هذه المناطق يقدَر الصيام تقديراً على توقيت مكة المكرمة أو المدينة، أو أقرب البلاد المعتدلة إليهم ويصومون تبعاً لمواقيتها بعد تحديد عدد ساعاتها.
أما القول الثالث، فهو القول الذي ينصح به المفتي حمود: لمن لا يستطيع الصيام على التوقيت المحلي، يبدأ صيامه من فجر المنطقة التي يعيش فيها، ثم يفطر مع توقيت المغرب في مكة. أما فتاوى الصوم في الدول الاسكندينافية والقطب الشمالي، التي لا يتبين فيها الليل من النهار، فله أن يختار أحد الأقوال التالية: الأول يقضي بالإفطار مع توقيت مكة أو المدينة، أو أقرب بلد معتدل إليه، والصيام على توقيته. الثاني يقوم على أن يقدّر الصائم آخر يوم شاهد فيه الشروق والغروب ظاهرين وواضحين ويمشي كل مدة رمضان على هذا الأساس.
ويرى حمود أنه يمكن لجسم الإنسان احتمال 18 ساعة صيام، ولا محاذير صحية في ذلك. والإسلام حلل للمريض أو المسافر أن يفطر، وتختلف المذاهب حول شروط وتفاصيل الإفطار في هذه الحالات. لكن الغالبية يقولون بالسفر لمسافة 81 كيلومتراً. ويرى القاضي الشيخ محمد هاني الجوزو، المختص بالفقه المقارن، أن الفقه واسع جداً، ولا مرجعيات حصرية عند أهل السنة، والاجتهاد مفتوح، فلا مركزية في الفتاوى كما عند الشيعة. وتابع: "هناك العديد من الفتاوى المعاصرة ولكن ليس كل اجتهاد مقبول إلا إذا كان اجتهاداً يستند إلى أدلة". أما بالنسبة للمواطن العادي فيجب عليه أن يعرف رأي العوام وعادة ما يكون رأي يثق به الناس ومنتشر بسبب علم قائله وشهرته، يقول الجوزو، ويضيف: "على المسلم المكلف الصيام إذا تميز الليل من النهار، أما إذا عجز فله أن يفطر شرط أن يقضي الصيام لاحقاً. فالعبادة ليست على حساب مصلحة الإنسان وسعادته".
فتاوى الشيعة
الباحث الإسلامي ومدير إذاعة البصائر في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الشيخ علي فقيه، قال لرصيف22: "لا يمكن تخصيص الحكم الشرعي لبقعة جغرافية في الأرض، أو مجموعة تعيش في تلك البقعة. الحكم الشرعي حكم ثابت في القرآن الكريم ينص على وجوب الصيام من طلوع الفجر إلى الغروب". وأضاف: "لا يمكنني أن أقول للمسلم أنه بإمكانك الصوم 16 ساعة دون دليل شرعي واضح وثابت، لذا يجب التقيد بالصوم وفقاً لما تشير إليه الآية القرآنية وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الليل. وهذه الآية حكم عام تجري على جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم". وتابع: "للمسلم في الدول الاسكندينافية أقول أنت أيها المسلم المكلف ذهبت باختيارك إلى تلك البلاد وأنت تعرف أن الصوم فيها طويل ولم يجبرك أحد على السفر، أي أنك وطنَت نفسك عندما سافرت إلى تلك البلاد، لأن تكون جزءاً من النظام التكويني لها". ويوضح أن هناك تخريجة شرعية لهؤلاء الأشخاص في تلك الدول: "هل كل فصول السنة مدة النهار فيها طويلة؟ طبعاً كلا. هناك فصول في السنة يقصر النهار جداً، والحل الشرعي الذي أوجهه للمسلمين أن يسافروا يومياً ويقطعوا 22 كيلومتراً ذهاباً و22 كيلومتراً إياباً، ثم يفطروا، شرط قضاء أيام الصوم حين يصبح النهار أقصر. وهذه المسافة يمكن قطعها بسهولة في 15 دقيقة". ويرى بأن الإسلام دين يسر وليس دين عسر وأكبر المرجعيات المسلمة يفتون بجواز السفر للإفطار، كالسيد السيستاني والسيد الخامنئي والسيد الخوئي.فتوى السيد السيستاني
إذا كان الإنسان في بلد نهاره 6 أشهر وليله 6 أشهر، فعليه الانتقال إلى بلد يتمكن فيه من الصيام، إما في شهر رمضان أو بعده. وإن تعذر ذلك، فعليه دفع الفدية بدل الصوم. أما إذا كان نهاره طويلاً جداً، فعليه أداء الصوم مع التمكن منه، وإذا لم يستطع يسقط عنه الصوم شرط قضائه أو دفع الفديه بدله.فتوى السيد محمد حسين فضل الله
القادر على الصوم مع طول فترة النهار عليه أن يصوم، أما غير القادر فيجوز له الإفطار وعليه القضاء، ولا يصح صوم جزء من النهار بل يجب الصوم من الفجر حتى الغروب. ويجوز السفر اختياراً للإفطار شرط قضاء الصيام لاحقاً عندما يتمكن منه. بالنسبة للمناطق التي لا يتبين فيها الليل من النهار، فالمسلم غير مكلف بالصوم فيها شرط أن يقضي أيام الصوم عندما يتمكن من ذلك.فتوى السيد الخامنئي
الصيام مفروض على المسلم المكلف طالما وجد فجر وغروب، أما إذا عجز عن الصيام، فعليه قضاؤه حين يستطيع. أما بالنسبة للدول التي لا يتبين فيها الليل من النهار، فعلى المسلم أن يصوم وفقاً لأقرب بلد. كما يحق للمسلم السفر 22 كيلومتراً والإفطار شرط تعويض صيامه لاحقاً.فتوى السيد الشيرازي
فتوى السيد محمد صادق الحسيني الشيرازي تعتبر أن اليوم العرفي للصيام يراوح بين 16 و18 ساعة، وبإمكان المسلم في تلك البلاد صيام هذه المدة والإفطار حتى لو لم يحن الغروب بعد عنده، وفقاً لأي بلد معتدل يهتدي بتوقيته.أسباب الاختلافات في الفتاوى
يرى الجوزو أن أسباباً عدة تقف وراء اختلاف الأحكام الشرعية، ومنها اختلاف لغوي، فاللغة العربية تحتمل التأويل. كذلك اختلاف الأدلة المستند إليها، واختلاف فهم هذه النصوص والأدلة. وطبعاً التدخلات السياسية. أما الشيخ علي فقيه، فقال: "إن الخلاف يعود إلى التزوير والكذب اللذين حصلا عبر التاريخ من خلال وضع روايات وأحاديث لا تمت بصلة إلى رسول الله، وبسبب عدم وصول النص الصحيح إلينا لأن بعض الجهات عبر التاريخ أخفت الأحاديث النبوية التي توضح لنا القرآن. وقامت مجموعة من الأشخاص باختراع الأحاديث المغلوطة وفبركتها، فأصبح الحديث الواحد يصل إلى الناس بمئات الأشكال والمعاني". الشيخ قاروط المخول من قبل رئاسة المحاكم الشرعية الشيعية اللبنانية في اسكندينافيا، وممثل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في السويد، قال: "أسباب الاختلاف إنسانية وجدانية، لأن تشخيص الفتوى مستند إلى ذوق الخبير، فهنالك نوعان من الأدلة، أولها يشبه ميزان الحرارة الذي لا لبس فيه ولا يختلف عليه اثنان، والنوع الثاني كالأشعة دليل يحتمل الاجتهاد والتأويل، ويقوم بالأدلة التي تحتمل الفهم بأكثر من وجه".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...