شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أن تكون

أن تكون "كلب بلدي" في شوارع القاهرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 13 سبتمبر 201606:43 م

في أحد شوارع منطقة بولاق الدكرور (منطقة شعبية تقع في محافظة الجيزة المصرية) تجمّع أطفالٌ حول كلب شارع بعد أن وثقوه بالحبال. بدأوا حفلة تعذيب للكلب. حاول أحدهم إضرام النار في ذيله. شاهد الموقف عشرات المارة، لكن من دون أن يهتم أحد بوقف ما يتعرض له الكلب. تغير الأمر عند مرور شريف عبد الرحمن، وهو ناشط في مجال حقوق الحيوانـ ومتطوع في عدة جمعيات مهمتها حماية كلاب الشوارع. أجبر عبد الرحمن الأطفال على ترك الكلب، وحمله إلى منزله ليضمه لكلبين آخرين وجدهما في ظروف مشابهة، وقرر تربيتهما فوق سطح البيت. ما شاهده شريف يتكرر بشكل يومي في شوارع مصر التي تعد من أسوأ الدول في معاملة كلاب الشوارع. "أن تكون كلب شارع في القاهرة، فذلك يعني أنّك في قعر الجحيم"، يقول شريف عبد الرحمن لـرصيف22. "تظنّ الناس أن جملة كلب بلدي (مصطلح شعبي يعني كلباً ضالاً يعيش في الشوارع) تعني أنه كلب مسموح بتعذيبه وإهانته. شاهدت أناساً تطفىء سجائرها في أجساد كلاب الشوارع وهم يضحكون. هناك حفلات ضرب مبرح يقوم بها بعض الشباب كإثبات رجولة وعدم خوف من الكلاب، والكارثة الأكبر أن هناك من يضع للحيوانات سماً في الأكل حتى تموت بحجة أنها قد تعض سكان الشارع". يضيف: "تطوعت في عدة جمعيات تهدف لجمع الكلاب الضالة من الشوارع لحمايتها من التعذيب، لكن لن يتغير الأمر أبدًا إلا إذا قررت الحكومة المصرية أن تقوم بحملة قومية لتوعية الناس على أن تعذيب الحيوانات جريمة".

كلب شارع الأهرام

تعذيب كلاب الشوارع أمر متكرر في شوارع مصر، ودائمًا لا يتعرض من يقوم به لأي محاسبة. لكن هناك واقعة شاذة عن هذه القاعدة، وهي حادثة كلب شارع الأهرام التي وقعت في بداية العام 2015، حين قامت مجموعة من المصريين بذبح كلب في منطقة شبرا الخيمة، وصورهم أحد أصدقائهم في فيديو شهير تم رفعه على يوتيوب كنوع من الفخر. لكن نشطاء مصريين أطلقوا حملة لمطالبة الداخلية بالقبض عليهم بتهمة قتل حيوان. رد الفعل الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي جعل الأمن المصري يقبض على المتهمين بذبح الكلب، وحوكموا. وفي شهر مارس من العام 2015، قضت محكمة جنح شبرا الخيمة، بالسجن 3 سنوات مع الشغل والنفاذ لثلاث متهمين حضوريًا، وغيابيًا على متهم رابع في تلك الواقعة البشعة. وكان الحكم غير مسبوق، فلم يسبق لمحكمة مصرية إصدار أي أحكام على من يقتل أو يعذب حيواناً. وقتها اعتبر العديد من النشطاء والعاملين في جمعيات أهلية معنية بحقوق الحيوان أن الحكم قد يكون بداية جديدة لمعاملة إنسانية راقية للحيوانات. لكن لم تتغير الأوضاع كثيرًا. فبعد هذا الحادث بأشهر قليلة، وبالتحديد في أغسطس من العام 2015، شهدت محافظة الإسكندرية مجزرة حقيقية ضد كلاب الشوارع، حين قام عشرات الأشخاص (غير معروفين حتى الآن) بقتل عشرات الكلاب الضالة بالرصاص الحي، وتركوا الجثث في الشوارع. وقتها أعلنت محافظة الإسكندرية أنها ستحقق في الأمر لتعرف من هم الجناة. لكن الملف أقفل، وبقيت جثث الكلاب في الشوارع حتى تحللت. وتردد وقتها أن المحافظة هي من قتلت الكلاب، لكن لم يتم إثبات ذلك رسميًا. وفي شهر إبريل من العام الجاري، شنّت محافظة القاهرة حملة لقتل كلاب الشوارع بحجة أنها خطر على المواطنين، ووضعت المحافظة السم لعشرات الكلاب. لكم لم تثر الحادثة أي جدل على وسائل التواصل الاجتماعي.

جمعيات في خدمة الكلاب

تعمل في مصر عدة جمعيات أهلية تحاول إنقاذ الحيوانات الضالة ونشر ثقافة عدم تعذيبها، منها الجمعية المصرية لحماية حقوق الحيوان S.P.A.R.E في منطقة سقارة، والجمعية المصرية للرحمة بالحيوان ESMA في منطقة المنصورية، والجمعية المصرية لمعونة ومساعدة الحيوانات في محافظة الإسكندرية، والجمعية المصرية لأصدقاء الحيوان ESAF في المريوطية، وعشرات غيرها من الجمعيات... لكن يظل تأثير هذه الجمعيات غير ملموس، وكثير من المصريين لا يعلمون حتى بوجودها. "بعضها جمعيات تهدف بالفعل لحماية الحيوانات، لكن للأسف البعض الآخر هدفه البيزنس وجمع تمويل فقط"، هكذا يقول وجدي علي الناشط في مجال حقوق الحيوان لـرصيف22. ويضيف: "بعد تطوعي لسنوات عدة مع جمعيات أهلية، اكتشفت من له أهداف أخرى غير إنقاذ حيوانات الشوارع". يلفت وجدي النظر إلى أزمة في عقول ملايين المصريين تجاه الكلاب تحديداً. "قابلت الكثير ممن يعتبرون أن الكلب كائن "نجس وتربيته حرام"، وهذا الفهم المغلوط للدين يكون مبرراً لتعذيب الكلاب، فبالعض يظنون أن تعذيبه أمر ديني بسبب نجاسته". لكن في المقابل هناك مشاهد إنسانية مؤثرة بحسب وجدي: "قابلت كثيراً من الناس الفقراء والمشردين يعطفون على كلاب الشوارع ويضعون لها المياه والطعام، وكأنهم يشعرون بمعاناتها". يضيف وجدي: "إهانة كلاب الشوارع تبدأ منذ الصغر، حين يسرق بعض الأطفال جراء للعب بها، فيحرمون الأم من جروها والجرو من أمه، هذا يتكرر بشكل كبير في شوارع مصر، الأزمة الحقيقية هي أزمة عقول "الكلب البلدي مناعته قوية جدًا ضد الأمراض، وقوي، وذكي جدًا، ويمكن ببعض التدريب أن يصبح كلب حراسة ممتاز، تعاملت مع كلاب من كل الأنواع، لكن حين تبنيت كلاب شوارع في بيتي، وبعد تدريبها، اكتشفت أنها الأفضل والأقوى".

تغيير الواقع القبيح بالسينما

المقربون من الممثل المصري أحمد فهمي يعلمون اهتمامه الشديد وزوجته منة (ابنة الفنان حسين فهمي بقضية كلاب الشوارع). وقد قاما بإنشاء ملجأ للكلاب الضالة، يهدف لإعادة تأهيلها وحمايتها. لذلك لم يكن غريبًا أن يكون أحدث أفلام أحمد فهمي ـ المعروض حاليًا في دور السينما المصرية ـيحمل اسم "كلب بلدي". تدور أحداث الفيلم حول شخص محب للكلاب، وقد شارك في تصويره أكثر من 150 كلباً من كلاب الشوارع. وبطريقة كوميدية يحكي الفيلم عن بطل خارق سرّ قوته هو أن كلبة شارع أرضعته حين كان رضيعًا. العمل من تأليف شريف نجيب وأحمد فهمي، ومن إخراج معتز التوني، ويشارك فهمي في البطولة المذيع أكرم حسني وبيومي فؤاد.

لم يكن فيلم فهمي هو الأول من نوعه الذي يهدف لتغيير الصورة النمطية عن الكلب البلدي، فهناك عدة أفلام مصرية أولها فيلم قصير أنتج في العام 1963، من بطولة كلب، وهو من تأليف وإخراج محمد سالم، وشارك في بطولته الفنان جورج سيدهم. تحكي قصته عن كلب يتم طرده من المنزل فيدور في شوارع القاهرة، ثم ينقذ طفلاً من حريق.

لا تسأل عن الأرقام

قمنا بمحاولات عدة للحصول على أرقام تتعلق بعدد كلاب الشوارع في مصر، لكننا لم نجد أي إحصائيات لدى منظمات المجتمع المدني أو في المنطقة البيطرية التابعة لمحافظة القاهرة (حكومية)، ولا حتى في الهيئة العامة للخدمات البيطرية (حكومية تابعة لوزارة الزراعة). الرقم الوحيد الذي يمكنك معرفته هو رقم "صفر" والذي يمكن إعطاؤه للدولة المصرية حين يتعلق الأمر بدرجة حمايتها لكلاب الشوارع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image