شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
6258 سنة حلوة يا مصر... الاحتفال برأس السنة على الطريقة الفرعونية

6258 سنة حلوة يا مصر... الاحتفال برأس السنة على الطريقة الفرعونية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 15 سبتمبر 201607:48 م

يُعتبر الشعب المصري أحد أكثر الشعوب شوفينية، أي تعصباً للوطن وتفاخراً بالانتماء إليه، رغم سخريته المستمرة من نفسه. ولكن ما الذي جعله يهمل عادة حضارية تخصه دون غيره من الشعوب، وهي الاحتفال التاريخي ببداية السنة المصرية، الذي تزامن هذا العام مع التحضيرات لعيد الأضحى؟

في كتابه "صبح الأعشى في صناعة الإنشا"، يقول القلقشندي على لسان أحد الرحالة: "عرفت أكثر المعمور من الأرض، فلم أر مثل ما بمصر من ماء طوبة، ولبن أمشير، وخروب برمهات، وورد برمودة، ونبق بشنس، وتين بؤونة، وعسل أبيب، وعنب مسرى، ورطب توت، ورمان بابة، وموز هاتور، وسمك كيك". جميعها شهور السنة المصرية، التي يحتفل بها المصريون في 11 سبتمبر منذ 6258 عاماً. 

كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا"

منوت، قرية في صعيد مصر، ما تزال تحمل اسمها الفرعوني، ويعني بالعربية "مكان توت". فيها ولد وعاش أحد الفلكيين الذين سيقدمون خدمة للإنسانية بحلول العام 4241 ق.م، أي في القرن الـ43 قبل الميلاد، ويضع أول تقويم في التاريخ. سيرفعه المصريون لاحقاً إلى مصاف الآلهة، ويصير إلهاً للقلم والحكمة والمعرفة، وذلك تقديراً لخدمته للإنسانية، باختراعه أيضاً الأحرف الهيروغليفية التي بدأت بها الحضارة المصرية. وسيحتفون ويحتفلون بها كل عام، حتى يومنا هذا، مجتمعين حول الحب والبلح الأحمر ذي القلب الأبيض، رمزاً للشهداء ونقائهم.

في التقويم الأدق، السنة 13 شهراً... كيف حسبها توت؟

بدأ التقويم المصري مع رصد "توت" لنجم الشعرة اليمانية، وحساب الفترة بين ظهوره مرتين وتقسيمها إلى 3 فصول كبيرة، هي الفيضان والبذار والحصاد، ثم إلى 12 شهراً، كل شهر منها 30 يوماً، وأضاف المدة الباقية وهي 5 أيام وربع اليوم، وجمعها في شهر أسموه بالشهر الصغير وهو "نسيء". وصارت السنة القبطية 365 يوماً في السنة البسيطة، و366 يوماً في السنة الكبيسة.

وكانت نسبة الخطأ في التقويم الجولياني القديم، هي يوم واحد كل 128 عاماً، أما التقويم الإسلامي العربي، ففيه عيب كبير، هو عدم تزامنه مع الفصول الشمسية، علاوة على نسبة الخطأ التي تصل إلى يوم كامل في العام، لاعتماده على الرؤية. وفي 238 ق.م، أجرى بطليموس الثالث تغييرات في التقويم المصري، لم ترق للكهنة فأجهض المشروع، حتى قام الامبراطور أغسطس بتعديله ليتزامن مع التقويم الجولياني.

تقويم أقباط مصر: ده عيد "مسيحيين"

تعتبر الغالبية المسلمة من المصريين، خصوصاً في أوساط غير المتعلمين، أن عيد النيروز، عيد رأس السنة المصرية، هو "عيد المسيحيين"، ولذلك حكاية. يرجع هذا لارتباط التقويم القبطي (كلمة قبط شاع استعمالها مترادفة للمسيحيين، ولكنها تعني "مصريون")، بالتأريخ لعام 284 ميلادية. وهي السنة التي اعتلى فيها الإمبراطور ديوقلديانوس عرش الإمبراطورية اليونانية. لذلك ينقص التاريخ القبطي عن التاريخ الميلادي بمقدار 284 سنة. وصار التاريخ القبطي ابتداءً من هذا التاريخ، يسمى تاريخ الشهداء الأطهار. فيحكى أن: "تعب دقلديانوس من ذبح المسيحيين وترك السيف في يده جرحاً، فاعتبر نفسه وفى بنذره، فكف عن الذبح، وقد أحصي عدد القتلى فقيل إنه بلغ 840 ألف شهيد".

السنة حكايات، ولكل شهر مثل وإله

بمرور السنوات، وفي عهد الفرس، في أيام الأسرة 26، وفي القرن 6 ق.م، حمّل المصريون كل شهر من أشهر السنة المصرية الـ13، اسماً ودلالة. واختصوا به إلهاً من آلهة كيميت مصر، كما يسميها الأجداد وتعني الأرض السمراء. والشهور هي: توت، بابة، هاتور، كهيك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى، نسيء. كما ارتبطت بها أمثال حملت جوانب مهمة من ثقافة المصريين، التي اعتمدت بالأساس على الزراعة.

ويقول المثل: توت... أزرع ولا أفوت

يرى المصريون أنه من السمو أن تبدأ السنة القبطية بالحكمة، التي يجسدها الإله توت. فكان الشهر الأول الذي يوافق سبتمبر، ورمزه "ايبس"، الطائر المقدس حامل المنجل، والذي يحمل بشارة وإشارة لبدء موسم الزراعة، أساس الحضارة على ضفتي الوادي. ومن هنا، ينطق توت متجسداً في ايبس ليضرب مثلاً للفلاح، ويحمسه منذراً ومتسائلاً: هل تنهض وأزرع معك الأرض أو أفوت بلا فائدة. ويقول المثل أيضاً "توت ري ولا تفوت"، و"توت يقول للحر موت"، نسبة إلى انكسار نسبة الحرارة في هذا الشهر.

ويقول المثل: إن صح زرع بابة غُلب النهابه

الشهر الذي ينسب للإله حابي، سر الحياة في مصر "النيل"، ويرمز للخصوبة. ويشير المثل إلى الوعد الذي يبرمه معهم بابة مقابل أكتوبر، أن ينمو الزرع صحيحاً هذا العام، حتى أنه حين الحصاد سيرهق الخير اللصوص من كثرته.
السنة على طريقة الفرعونية، لكل شهر مثل وإله
ويقول المثل أيضاً: "إن خاب زرع بابة ما يجيبش ولا لبابه"، وهو الوجه الآخر للمثل السالف.

ويقول المثل: هاتور أبو الدهب المنثور

شهر الإلهة الأم إيزيس، حين تتجسد مع حلول الشهر الثالث في صورة حتحور، البقرة المقدسة، رمز الخصب والجمال والنماء. لذلك يقول المثل: "هاتور أبو الدهب منثور"، ويقصد القمح. ويقول المثل أيضاً: "إن فاتك هاتور اصبر لما السنة تدور"، ويقع الشهر في مقابل الفترة الممتدة من 10 نوفمبر إلى 9 ديسمبر.

يقول المثل: كياك افطر ودور عشاك

كهيك، يتجسد في صورة عجل أبيس المقدس للمعبودة سخمت وبست إلهة الخير. أي شهر اجتماع الروح كا، ومنها كا هاكا، وفي المثل: "كياك صباحك مساك، شيل يدك من غداك، وحطها في عشاك". إشارة إلى قصر النهار في هذا الشهر وطول الليل. ويقول المثل أيضاً: "البهايم اللي متشبعش في كياك ادعي عليها بالهلاك". وشهر كيهك يمتد من 10 ديسمبر إلى 8 يناير.

ويقول المثل: طوبة يخلي الصبية كركوبة

معناه الأعلى، يقع في 11 منه عيد الفصح، ويبدأ تطويب الأرض أي إعدادها للزراعة. ويقول المثل: "طوبة تزيد الشمس طوبة"، "الغطاس عيد القلقاس واللي ماياكلش قلقاس يوم الغطاس يصبح جته من غير راس". وفي طوبة يشتد البرد، فيقال: "طوبة تخلي العجوزة كركوبة"، وفي المثل أيضاً: "الاسم لطوبة والفعل لأمشير". وتمتد الفترة من 9 يناير إلى 7 فبراير.

ويقول المثل: أمشير أبو الطبل الكبير والزعابيب الكتير

شهر إله الريح والزوابع "مشير"، يقال لثلثه 10 الغنامي "الراعي". إذ ينخدع الراعي بالدفء، والثلث الآخر "مشرشر"، أو 10 الماعز، إذ تنفق بسبب البرد. و"شراشر" لـ10 العجوز، إذ تبدأ العجائز في الحركة بعد ظهور الدفء، ويأتي في الفترة المقابلة لـ8 فبراير إلى 10 مارس. ويقول المثل: "أمشير أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير".

ويقول المثل: برمهات روح الغيط وهات

شهر برمهات يطلق عليه أيضاً برد العجوز، وينسب إلى بامونت، إله الحرارة. ويسمى شهر الشمس، في صورة فرعون مصر أمنحات. يقول المثل: "برمهات روح الغيط وهات قمحات وعدسات وبصلات"، لأن وهج الشمس يعود في الربيع، وتعتدل الحرارة، فتنضج المزروعات. ويقع في مقابل الفترة الممتدة من 10 مارس إلى 8 أبريل.

ويقول المثل: برمودة دق بالعمودة

ينسب إلى "رنودة" إلهة الحصاد والرياح القارصة والموت، ويتجسد في صورة أفعى. فيه ينتهي عمر الزرع، وتصبح الأرض قاحلة. ويقال "برمودة دق العامودة"، أي دق سنابل القمح بعد نضجها، ويقابل الفترة الممتدة من 9 أبريل إلى 8 مايو.

ويقول المثل: بشنس يكنس الغيط كنس

ينسب إلى الإله خونسو، إله القمر وابن الإله آمون، وفيه تدرس المحاصيل. يقابل الفترة من 9 مايو إلى 7 يونيو، ويقول المثل: "في بشنس خلي بالك من الشمس"، إذ يطول النهار ويقصر الليل.

ويقول المثل: بؤونه نقل وتخزين المونة

أو با أوني، أو وادي الحجارة، نسبة إلى "وادي الملوك" الشهير بالقرنة في الأقصر. فيه يبدأ تجهيز المؤونة للاحتفاظ بها بقية العام، وكان التخزين من عادات المصريين القدماء، خشية الفيضان الجارف أو انقطاع الفيض. ويقال "بؤونة الحجر"، لارتفاع الحرارة فيه، و"بؤونة تكتر فيه الحرارة الملعونة"، إذ يقابل الفترة من 8 يونيو إلى 7 يوليو.

ويقول المثل: أبيب طباخ العنب والزبيب

ينسب إلى أبيب إله الثعابين، أو هوبا أو حابي إله النيل. ويقول المثل: "أبيب فيه العنب يطيب"، و"أبيب طباخ العنب والزبيب"، "إن كلت ملوخية في أبيب هات لبطنك طبيب". في الأمثال أيضاً: "أبيب مية النيل فيه تريب" نسبة إلى الفيضان، إذ تشتد الحرارة في الفترة التي تقابل من 8 يوليو إلى 9 أغسطس.

ويقول المثل: مسرى تجري فيها كل ترعة عسرة

ثم تنتهي السنة القبطية بشهر مسرى، وأصلها سي ري، نسبة إلى إله الشمس رعن. ويقال في المثل: "عنب مسرى إن فاتك متلقاش ولا كسرة"، "تجري فيه كل ترعة عسرة"، إذ تزداد مياه الفيضان فتغمر كل مصر. ويقابل الفترة من 7 أغسطس إلى 5 سبتمبر.

في الغنوة والأدب

يقول صلاح جاهين: "الضحك قال ياسم ع التكشير، أمشير وطوبة وأنا ربيعي بشير". في رحلتنا مع الأدب المصري، نجد الشهور المصرية حاضرة بقوة، خصوصاً في قصائد الشعر العامية، لبيرم ونجم وحداد وجاهين والأبنودي وسرور وغيرهم. ولعل المثل الذي تغنى به على تنويعاته مطربو مصر، هو "توت حاوي توت" أي أن الحاوي يتكلم بالعلم والمعرفة بلسان الإله توت. "توت يا تروي يا تفوت".

وظهر في السنوات العشر الماضية ديوان "السنة 13 شهر"، للشاعر الشاب سالم الشهباني. وفيه تظهر المسافة بين ثقافة المجتمع في المثل المرتبط بشهور السنة، وبين واقع المجتمع وثقافته في العصر الحالي. مثل قوله: "يا برتقان يا أحمر يا جديد... بكره الوقفة وبعده الوقفة وبعده الوقفة.. لسه باقيلنا كتير ع العيد".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image