"لا معنى للعالم بدونكم، والآن علينا أن نعي أن جذورنا متشابكة". هذه الجملة وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العالم العربي أثناء إطلاقه النسخة العربية لموقع تي آر تي التابع للتلفزيون التركي الرسمي.
أدرك أردوغان وحكومة العدالة والتنمية أهمية توظيف الإعلام التركي للصفحات العربية من أجل التوجه إلى العالم العربي واختراق ثقافاته وسرعة الوصول إلى الشعوب العربية، خاصة عقب ثورات الربيع العربي وما صاحبها من تغيّرات سياسية واجتماعية.
وما يعكس تزايد الاهتمام التركي بالدول العربية، ارتفاع عدد الصفحات العربية الخاصة بالمواقع الإلكترونية والصحف والوكالات التركية. فبعد أن كانت محصورة في منبرين قبل الربيع العربي جرى تدشين العديد من الصفحات باللغة العربية، فضلاً عن اهتمام الرئيس التركي بزيادة التوجه إلى العالم العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مطلقاً حسابات خاصة به باللغة العربية على موقعي فيسبوك وتويتر.
أهمية الإعلام العربي
"الصفحات العربية ثورة تعادل الربيع العربي"، هكذا بدأ المنسق الديبلوماسي العام لرئاسة الوزراء التركية جمال الدين هاشمي كلمته في الاجتماع الذي نظمته المديرية العامة للصحافة والإعلام التابعة لرئاسة الوزراء بالتعاون مع وكالة الأناضول في مايو 2013، بحضور عدد من الصحافيين العرب. وأكد هاشمي أن "علينا الاعتراف بأن إصدار وكالة الأناضول نسختها العربية للمرة الأولى في تركيا يُعدّ ثورة تعادل ثورات الربيع العربي"، مشيراً إلى أن تدشين صفحات عربية لوسائل الإعلام التركية تأتي في إطار التحول السياسي الذي تعيشه تركيا خلال العقد الأخير. واهتم أردوغان وأعضاء حكومته بالمجتمعات العربية التي يتجاوز تعداد سكانها 350 مليون نسمة، وبمخاطبتها بلغتها لضمان سرعة التغلغل داخل المجتمعات العربية. وفي هذا الإطار، قال "نعرف أن جذورنا قد اختلطت بيننا، وعندما تشعر جيبوتي وأبو ظبي وصنعاء وتونس والجزائر وطرابلس وغيرها من المدن العربية بالسعادة كونوا على ثقة أن اسطنبول وأنقرة وغيرهما من المدن التركية تشعر بالسعادة نفسها، وعندما تحزن القدس والسودان وغيرها كونوا على ثقة بأن تركيا تشعر بالحزن، كما أود أن تعلموا أن مصير اسطنبول ليس منفصلاً عن مصير العرب".قبل "الربيع العربي"
تقتصر الصفحات العربية الصادرة عن مواقع ووكالات تركية قبل فترة ثورات الربيع العربي على تجربتي وكالة "جيهان" وموقع التلفزيون التركي "تي أر تي". وكالة "جيهان" التابعة لحركة الخدمة ومؤسسها الداعية فتح الله غولن تُعدّ صاحبة الريادة في مجال التواصل مع المجتمعات العربية. وتأسست "جيهان" في الأول من يناير 1994، وأصدرت نسختها العربية عام 1997. وفي 26 يوليو الماضي، أُغلقت وفقاً لقانون الطوارئ عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. أما التجربة الثانية فقد تمثلت في إطلاق التلفزيون التركي نسخة عربية لموقعه الإلكتروني في أبريل 2010. وتعليقاً على ذلك قال أردوغان إن "النسخة العربية لموقع تي آر تي تُعدّ جسراً بين تركيا والعالم العربي، وتستهدف مخاطبة 350 مليون عربي، فالأتراك والعرب مثل أصابع اليد الواحدة".بعد "الربيع العربي"
يصعب حصر الصفحات الإعلامية العربية التي أطلقتها تركيا بعد ثورات الربيع العربي، إلا أن أهمها وكالة الأناضول وصحف زمان ويني شفق وصباح، فضلاً عن بعض المواقع الإخبارية مثل "تركيا بوست" و"أخبار تركيا" و"أخبار العالم" و"ترك برس" و"هبرلر". دُشّنت النسخة العربية من وكالة الأناضول التركية في 18 نوفمبر 2012 في إسطنبول، وافتُتح مكتبها الإقليمي في العاصمة المصرية القاهرة في 22 يناير 2013، لتتحول أخيراً إلى إحدى أهم الوكالات الإخبارية في الوطن العربي. وفي سبتمبر 2013، أطلقت صحيفة "يني شفق" صفحتها العربية الموالية لحكومة العدالة والتنمية. ولم تختلف في سياستها التحريرية كثيراً عن وكالة الأناضول. في المقابل، أصدرت صحيفة "زمان" التركية نسختها العربية في يونيو 2014، لمواجهة تمدد أفكار الإعلام الموالي لأردوغان داخل المجتمعات العربية، وللكشف عن رؤية تركية مختلفة عما تقدمه الأناضول ويني شفق الهادفتان إلى ترسيخ فكرة زعامة الرئيس التركي في المنطقة العربية. وبعد ذلك، أصدرت صحيفة "ديلي صباح" التركية الموالية لأردوغان نسختها العربية في سبتمبر 2015. ولم يتوقف الأمر عند الصحف والوكالات، إذ أطلقت تركيا، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، عدداً من المواقع الإلكترونية باللغة العربية تخصصت في مخاطبة المواطن العربي، واهتمت بكشف الشأن الداخلي التركي وفقاً لرؤية تحريرية موالية للحكومة التركية، وعملت على الترويج للسياسات التركية الداخلية والخارجية. وأهم تلك المواقع "تركيا بوست" و"أخبار تركيا" و"أخبار العالم". وتمتلك بعض هذه المواقع صفحات باللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي لتعزيز وصولها إلى المواطنين العرب.صحيفة "مرحبا"
تدرك الحكومة التركية أن للصفحات العربية أهمية داخلية لا تقل عن أهميتها في العالم العربي، إذ يجري توظيفها لتعزيز العلاقات بين الحكومة ومؤسساتها والعرب المقيمين داخل تركيا ومنهم اللاجئون، ولتأمين التواصل المباشر والسريع بينهم وبين السلطات التركية في الاتجاهين. وفي هذا الإطار أطلقت صحيفة "مرحبا" الإلكترونية التركية نسخة ورقية باللغة العربية معنية بمخاطبة العرب داخل تركيا في المقام الأول، فضلاً عن مخاطبة الدول العربية، وهي صحيفة نصف شهرية ترفع شعار "صوت الأمة".صفحات رسمية
وتتضح الإستراتيجية التركية لاختراق العالم العربي عبر الصفحات العربية من خلال إطلاق بعض المواقع الرسمية التركية نسخات عربية لمواقعها الإلكترونية، مثل موقع الرئاسة التركية الذي دشّن نسخته العربية في 14 سبتمبر 2015، فضلاً عن موقع وزارة الخارجية التركية الذي أطلق نسخته العربية في سبتمبر 2013.آراء سياسية
يؤكد الكثير من الساسة الأتراك على أهمية إطلاق وسائل الإعلام التركية صفحات عربية لمواكبة التطورات السريعة التي تشهدها المنطقة العربية والشرق الأوسط. وقال رئيس الحكومة التركية الأسبق أحمد داود أوغلو، حول الصفحات العربية الموجهة إلى العالم العربي: "شهدت منطقتنا خلال الفترة الماضية العديد من الثورات والانقلابات الشعبية، وتحمل الصحافة على عاتقها مسؤولية كبيرة لنقل الأحداث وتعزيز التقارب بين شعوب المنطقة، وإطلاق تركيا للصفحات العربية خطوة هامة في هذا الشأن". وقال نائب رئيس الوزراء السابق ووزير العدل الحالي بكير بوزداغ، إن الصفحات العربية "ستساهم في الترويج للسياسات التركية الموجّهة إلى الوطن العربي والشرق الأوسط. وآمل أن تكون النسخة العربية لصحيفة يني شفق نموذجاً تحتذي به المؤسسات الصحافية الأخرى في تركيا". ومن جانبه، قال رئيس تحرير النسخة العربية لصحيفة "زمان" إسحاق انجي لرصيف22 إن إصدار صفحات عربية موجهة للوطن العربي تهدف إلى "نقل الحدث التركي إلى العالم العربي". وأضاف أن "جريدة زمان لها تأثير كبير على متابعيها العرب خاصة بعد انقلاب 15 يوليو الفاشل، إذ إنه لم يعد في تركيا إعلام حر، عقب مصادرة صحف والتضييق عليها من قبِل الحكومة التركية، وهو ما أدى إلى زيادة عدد متابعي صحيفة زمان في الوطن العربي". وتابع: "معلوم للجميع أن هنالك ثقافة وتاريخاً مشتركاً بين الدول العربية وتركيا، وبالتالي التأثير على الرأي العام العربي يهم الحكومة والشعب التركيين".محررون عرب
معظم المحررين والقائمين على الصفحات العربية المذكورة هم من العرب خاصة من المصريين والعراقيين والسوريين اللاجئين، ويجري العمل تحت إشراف تحريري تركي ووفقاً لسياسات تتوافق مع رؤية حكومة "العدالة والتنمية". وتستضيف تركيا اليوم ملايين العرب أغلبهم اضطرتهم الثورات والحروب الداخلية إلى الفرار إليها بحثاً عن حياة أفضل أو هرباً من الملاحقة الأمنية والاعتقال في بلادهم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين