تتنافس شركات الطيران الخليجية، التي وصلت إلى أفضل المراتب عالمياً، بفضل دعم مالكيها غير المشروط وأساطيلها الفاخرة التي لا تضاهى. وقد أصبحت اليوم الواجهة البرّاقة للإمارات وللمملكات العربية، يديرها طاقم إدارة عالي المهارة يأتيها من كافة أنحاء العالم.
ولكن على بعد 3000 كلم من العمالقة العربي، تنمو شركة الطيران التركية مستخدمة استراتجية مختلفة. هي تعمل أولاً في سوق محلي يشمل 76 مستهلك، لكنها تبرز نفسها بوضوح في دور الناقل البديل لعدّة دول مجاورة، فتخطط وكأنها الناقل الأول لمئتي مليون مستهلك، وتروّج خدماتها على أنها “الناقل الأفضل في أوروبا” لا ناقلاً تركياً فقط.
بذلك، تمكنت الشركة من أن تكسب ولاء بلدان مجاورة، لا سيّما تلك التي لا تنعم بمؤسسات وطنية منافسة. تعمد أيضاً على منافسة الشركات العاملة في الأسواق المجاورة بأسعارها، لا سيما شركات العالم العربي، وبالأخص في سوق سفر المستهلكين، الذين يعتمدون بشكل أساسي على سعر التذاكر في اختيار رحلاتهم. كثيرون هم من يقررون السفر عبر اسطنبول، بزيادة 3 ساعات على رحلتهم، مقابل توفير 200 دولار من ثمن تذكرتهم أو أكثر.
أصبحت اسطنبول اليوم صلة وصل بين 238 مطار في 104 دولة تصل بينها شركة الطيران التركية، ما يجعلها الشركة الأولى عالمياً في عدد الوجهات. يشمل أسطولها 222 طائرة ركاب، تمتاز 44 منها ببنية ذات ممرّين. أعلنت الشركة كذلك عزمها على ضمّ 117 طائرة جديدة إلى أسطولها بحلول عام 2015 بالإضافة إلى إدخالها رحلات لعدّة وجهات جديدة منها كانو وندجامنيا في أفريقيا، بوستون، روتردام وغيرها.الناقل الأول بين أوروبا والشرق الأوسط
تحظى شركة ترك هفا يولاري Türk Hava Yolları بحصة كبيرة من سوق السفر في كل من إيران والعراق، فلها سبع محطات في إيران (مع دخول خط مزار الشريف على الشبكة هذا الشهر) وست محطات في العراق. أما في مصر، فلها أربع محطات، بالإضافة إلى الأسواق العربية الأخرى. شهدت منطقة الشرق الأوسط مرور 6.4 مليون راكب من اسطنبول واليها خلال عام 2012 بزيادة بنسبة 31 % عن السنة الماضية. بذلك أصبحت الشركة الناقل الأول بين أوروبا والشرق الأوسط.
يركّز النموذج الخليجي على الحركة بين شبه القارة الهندية وشرق آسيا من جهة وبين الغرب من جهة أخرى، كعامل أساسي للنمو، ولكن قد يفقد هذا النموذج فعاليته مع دخول طائرات جديدة قادرة على قطع مسافات أطول بتكلفة أدنى. من جهته، يركز النموذج التركي على النقل بين نقاط لا تبعد أكثر من 3000 كلم عن اسطنبول، باستخدام طائرات خفيفة الكلفة (ايرباص 320/321 وبوينغ 737).
تطمح الشركة اليوم لأن تكون الناقل الأول لكل من يريد السفر بين البندقيّة وعمان، بين إربيل وصوفيا، وبين الخرطوم وكييف. إن تأمينها فترة ترانزيت قصيرة، يجعل من اسطنبول المحطة الأنسب للانتقال من طائرة إلى أخرى.
الجدير بالذكر في ما يتعلق بهذه المجموعة التنقليّة الكبيرة بين 238 مطار، هو وجود رحلتين يوميتني (غير مباشرتين طبعاً) بين المدينة المنورة وتل أبيب، بالإضافة إلى رحلاتٍ لوجهات لم يسمع بها أحد يوماً، مثل أوفا في بشكيرستان!
لا تستدعي هذه الرحلات صلات مباشرة مع الناقلات العربية أو الأوروبية ولن تستدعيها، لذا تنفرد الخطوط التركية بعشرات الوجهات وتصبح الناقل الأول في مدنٍ عدة. لقد استنبطت الخطوط التركيّة سوقاً فعلياً للسفر بين عدد كبير من المدن، في ربطها الشبكي بين 35 مدينة في الشرق الأوسط و16 مدينة في شمال أفريقيا من جهة، وبين أوروبا والعالم من جهة أخرى.
يعدّ سوق الطيران في الشرق الأوسط أسرع الأسواق نمواً خلال العام التجاري المنتهي في شهر مارس 2013، وقد بلغ نمو شركة الخطوط الجويّة التركية 12.6% سنوياً. يدل هذا المؤشر على مستقبل تنافسي واعد، بعدد أكبر من الرحلات لوجهات أكثر، وبأسعار أفضل.
ترى مؤسسة أياتا IATA أن أفريقيا والشرق الأوسط سيشهداننمواً سانوياً يقارب 6.6% حتى نهاية عام 2016. لا شك أن الشركة التركية ستستفيد من ذلك، وهي تخطط اليوم للتوسع في أميركا الجنوبية، معلنةً عن افتتاح محطاط جديدة في كل من بوجوتا وكراكاس وهافانا والمكسيك، مستفيدة من نمو التجارة بين شرق أوروبا وأميركا اللاتينية ومن موقع اسطنبول.
أنتج هذا النمو المدروس والمبني على الطلب المحلي وعلى الترانزيت، ربحاً يعادل 400 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2013، بمبيعات تقدر بـ 7 مليارات دولار من دون أي دعمٍ لأسعار المحروقات أو سبلٍ أخرى من الدعم الخفي.
لا تنافس شركة الطيران التركية الناقلات الخليجية في الدرجات العليا، فهي لا تعرض رحلات بالدرجة الأولى مثلاً، كما أن رحلاتها بين البلاد العربية واسطنبول تكون على متن طائرات ذات ممر واحد، لا تضاهي مقاعدها مقاعد الأساطيل العربية الفاخرة. مجال منافستها قائم على وصل عدد كبير من الوجهات بأسرع وقت وبأسعار منافسة، مع تقديم خدمات متقنة، ودقة في المواعيد، على متن أسطول حديث.
باعتمادها هذه السياسة التي تأخذ الكلفة بعين الاعتبار، أدخلت الشركة درجة اقتصادية جديدة على الرحلات الطويلة، باسم “كمفرت”، تأتي بين الدرجة الاقتصادية ودرجة الأعمال، وبسعر مدروس. توفّر هذه الدرجة الجديدة للمسافر حيّزاً أطول لساقيه، ووجبات طعام أفضل، إضافة لإمكانية استخدام صالة الضيافة في المطار. تولي الشركة كذلك اهتماماً إضافياً في تحديث خدمة زبائنها، كقيامها مثلاً بإرشاد العاملات لديها إلى لون أحمر الشفاه الأفضل، لتفادي إزعاج الزبائن باللون الأحمر الفاقع!
ان كنتم ستسافرون عن طريق اسطنبول قريباً بالدرجة السياحية، ننصحكم بأن تأخذوا معكم وجبة تتناولونها في مطار اسطنبول، إن لم تكونوا مستعدين لدفع عشرين دولاراً ثمن وجبة عادية جداً. أما إن كنتم مسافرين بدرجة الأعمال، فشركة الطيران التركية تستقبلكم في صالون خاص مريح جداً يوفّر جميع الخدمات، لا سيما وجبات شهية وغرفة داكنة تعرض لكم أجمل السنفونيات الكلاسكية وأنتم مسترخون على كرسي مريح جداً تستمتعون بصوت الموسيقى العالي الجودة في انتظار الرحلة القادمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...