شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل أصبحت زيارة المقامات بديلاً من الحجّ لدى الشيعة؟

هل أصبحت زيارة المقامات بديلاً من الحجّ لدى الشيعة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 15 سبتمبر 201606:58 م

أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا". تتغلغل هذه العبارة المنسوبة إلى الإمام جعفر الصادق في وجدان كل من يتبع المذهب الشيعي، فيجد نفسه مسؤولاً بشكل شخصي عن حفظ ذكر أهل البيت. ليست هذه العبارة وحدها التي تجعل محمد متمسكاً بزيارة العتبات المقدسة في العراق وإيران وسوريا، فالشاب الثلاثيني يصف نفسه بـ"عاشق أهل البيت". يتحدث عن زيارة مقاماتهم بكثير من الحب والإيمان، ويقول "هناك الله أقرب". في وجدان محمد، وكثر من أبناء الطائفة الشيعية، مكان ثابت منذ الطفولة لسير الأئمة وأهل بيتهم، يذهبون بعيداً في الإحساس بالمظلومية الشيعية، فيعتبرونها مداداً لاستكمال إحياء الذكر، وملجأ لـ"قضاء الحوائج" وإطلاق الدعوات. ولكن ماذا عن الخطر المحدق بمحيط هذه المقامات؟ في العراق، حيث مرقد الإمام الحسين والعباس، سقط الكثير من الضحايا، ويحكى عن أكثر من 10 آلاف زائر قتلوا هناك. كذلك في سوريا، في محيط مقام السيدة زينب، حيث راح العشرات وخُطف زوار. يجيب محمد "بالعكس، في إحساس الخطر ذاك، تماهٍ مع الظلم الذي لحق بأهل ا لبيت”.

" تلتقي زينب (38 عاماً)، التي عادت أخيراً من زيارة الإمام الحسين في العراق، مع محمد في اعتبار المقام "أجمل مكان على الأرض، ولو أمكنها لقضت العمر هناك". تذهب بعيداً في "إحساس المظلومية"، تقول كلاماً قاسياً عن العراقيين الذين باعوا الإمام خلال ثورته. تمتعض قائلة إنهم "لا يستأهلون أن يكون إمامي مدفوناً لديهم". العباس هو "البطل" في نظرها، وروايات التنكيل به ومواجهته بكثير من "الإيثار والتضحية حتى الرمق الأخير" تدفعها لمواجهة الظلم المحيط بها. لا تعترض على الظلم في الممارسات اليومية كثيراً، فالظلم يجعلها أقرب لأهل البيت و"يعجّل ظهور الإمام المهدي الذي سيأتي بعدما تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً".

لن أحجّ كي أَقتُل في اليمن وسوريا!

دارت هذه الأحاديث عن الزيارات المقدسة بينما كان الصراع السعودي - الإيراني على موسم الحج في أوجه. الإيرانيون قاطعوا الحج هذا العام ووصفوا السعودية بـ"الشجرة الملعونة"، والأخيرة اتهمتهم بتسييسه ومارست التضييق على الحجاج. وبين الحج كركن من أركان الدين والزيارة للمقامات المقدسة كمستحب ديني، لم تعد الصورة واضحة في المقاربة الشيعية، إذ يظهر شيعة كثر أكثر تمسكاً بالذهاب إلى إيران والعراق وسوريا، منه إلى مكة في السعودية.


أسباب كثيرة يسوقها من قابلناهم من الشباب الشيعة عن امتناعهم التفكير بالحج واستبدال الأخير بالزيارة. يقول غالب إنه لا يفكر بالحج ما دام آل سعود يسيطرون على الحجر الأسود والمراسم في المدينة المنورة. "لماذا أدفع الأموال للحج لدى آل سعود؟ كي يستخدموها في قتل الشيعة في اليمن وسوريا؟". يأتي جوابه حاسماً، معترضاً على سؤالنا له عن الحج "لمن استطاع إليه سبيلاً"، فمن يمتلك المال والصحة للزيارة، ألا يصبح من الخطأ ألا يحج؟ يقول غالب بأنه ليس المسؤول عن عدم الذهاب، فالسعودية، ولا سيما بعد حادثة منى الأخيرة والتي سقط فيها عشرات الحجاج معظمهم من الإيرانيين، باتت تضيّق في إعطاء التأشيرات للشيعة، ولا تسمح لأصحاب الأعمار الصغيرة بالذهاب، كما تعطي كوتا محددة وتستبعد المتهمين بالقرب من "حزب الله" وإيران. ولا ينسى التذكير بحادثة مقتل السفير الإيراني السابق غضنفر ركن آبادي، مدرجاً إياها في خانة المؤامرة. يتحدث غالب عن زيارته للسيدة زينب التي ملأته اكتفاءً روحياً يعادل ألف حجة. عندما زارها شعر بالقوة لا سيما أن ذلك أتى في خضم الحرب الدائرة حولها، ومحاولة "الإرهابيين طمس الهوية الشيعية". مع ذلك لا يفضل غالب الذهاب للزيارة في حملات منظمة، فهي أصبحت أشبه بـ"ترند" ولا يمكنه تحمل "الابتذال الديني" فيها، إضافة إلى تحولها إلى ما يشبه التجارة.

الحملات لزيارة أهل البيت: كل شيء مؤمّن

أصبحت الحملات جزءاً أساسياً من المجتمع الشيعي. "حملة عشاق الحسين"، "حملة ساقي العطاشى"، "حملة أبا الفضل العباس"، "حملة نور الإمام الحسين"، "حملة الجوادين"... تتعدد الأسماء والخدمات واحدة. الحملة تشمل التأشيرة وتذكرة الطائرة وتكلفة الفندق والمشورة الدينية. يشرح صاحب "حملة أنصار العقيلة" الحاج محمد الملاح لرصيف22 الجانب اللوجستي، إذ ينقل أكثر من 80 زائراً شهرياً إلى كربلاء والنجف في العراق، وفي شهر يوليو من كل عام إلى إيران لإحياء مولد الإمام علي الرضا، وفي الربيع لإحياء عيد النورز وخلال ليالي القدر. وتزيد الأعداد أكثر بكثير في المناسبات الدينية.

بدأ تسييره للحملات في العام 2000 إلى سوريا، لكنه توقف بعد تفجير الباص أخيراً بالقرب من السيدة زينب. وبعد العام 2003، بدأ الحملات إلى العراق، لكنه لا يذهب إلى سامراء والكاظمية حيث الخطر مرتفع جداً. وفي العام 2006، دخلت إيران إلى خريطة عمله. تبلغ تكلفة الرحلة معه 750 دولاراً، تشمل كل شيء، ويكون مع الزوار علماء دين وقراء مجلس عزاء. وإن امتنع الملاح عن تعريض الزوار للخطر في بعض الأماكن، تتابع حملات أخرى الزيارة إلى هناك.

الصراع بين السعودية وإيران يدفع الكثير من الشيعة حول العالم اليوم للتخلي عن الحج
الشيعة يستبدلون الحج بمقاماتهم المقدسة ويتمنون نقل الحجر الأسود من مكانه ليستعيد الحج مكانته
بعد عملية خطف عدد من الزوار إلى سوريا، في من عُرفوا بمخطوفي أعزاز، بدأ النقاش في جدوى هذه الحملات وتعريض الزوار للخطر. لكن الردّ أتى بتدفق الزوار وتصاعد عمل الحملات، ما جعل الجانب السياسي غير مستور على أحد في هذا الإطار. شدّ العصب الديني كأداة سياسية، ليس مستجداً، وتحديداً لدى الشيعة، إذ تداخلت السياسة في الدين لديهم منذ ثورة الإمام الحسين على الظلم، حتى أصبح "إحياء ذكر" الأئمة أمراً وجودياً. وقد عزّز ذلك الصراع السني - الشيعي المحتدم على محاور عدة في المنطقة العربية.

السياسة هي الأساس

لطالما اعتبرت الزيارة أمراً محرماً في فترات متلاحقة بدءاً من العصر الأموي وصولاً إلى التنظيمات الجهادية المتطرفة، الأمر الذي جعلها "إعلاناً دائماً للتمسك بالمذهب وعاملاً أساسياً في تحدي الطرف الآخر"، بحسب الكاتب عبد الله زغيب لرصيف22. يعود زغيب إلى خصوصية الزيارة لدى الشيعة، إذ تنطلق من طبيعة المذهب ومكوناته، فالمذهب مرتكز في سرديته الدينية ومبناه العقائدي على مدرسة آل بيت النبوة، بما يعني من تبن لطرف على حساب طرف آخر. يشرح هنا قائلاً "آثر الشيعة منذ نشأة المذهب الأولى على موالاة علي بن أبي طالب بعد الانشقاق الذي حصل بعد وفاة الرسول، وهكذا كان الالتصاق المعنوي بآل البيت من الركائز الأساسية في التصدير الديني والخطابة الدينية لعلماء الدين الشيعة"، ويعتبر أن ذلك جاء في مقابل "التركيز على مسألة زيارة قبور الأئمة، ليس كشعيرة دينية واجبة، انما كطقوس وظيفية تساهم في خلق دينامية دائمة داخل البنيان العقائدي للشيعة". كل ذلك في ظلّ التحديات الدائمة التي تعرض لها هؤلاء باعتبارهم أقلية تخضع لكل عناصر هذه الكلمة. هكذا تُعتبر الزيارة كشعار دائم لإعلان الولاء لهذا المذهب في مقابل المذاهب الأخرى التي يعتبر علماء الشيعة أنها تغيّب أهل البيت عن الصناعة العقائدية والفقهية للدين الإسلامي. على محور آخر، يُضاف إلى  ما سبق البعد المادي، لأن الفارق كبير في التكلفة بين موسم الحج (أكثر من ألفي دولار) ومراسم الزيارات، وهذا ما يسهم كذلك في تركيز الحشد الجماهيري حيث الطقوس متاحة بشكل أفضل.

الزيارة توازي سبعين حجّة؟

يغذي ميل الشيعة إلى الزيارة وتفضيلها على الحج، عدد من الأحاديث الدينية، التي وصل بعض أصحابها إلى اعتبار الزيارة بديلاً دينياً كافياً من الحج. يُنقل عن الإمام الباقر قوله في فضل زيارة الإمام الحسين "مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام، فإنّ إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين عليه السلام بالإمامة من الله". وعن بشير الدهان أنه قال "قلت لأبي عبد الله ربما فاتني الحجّ، فأعرف عند قبر الحسين عليه السلام؟ فقال: أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه في غير يوم عيد، كتب الله له عشرين حجّة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات، وعشرين حجّة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مئة حجّة ومئة عمرة ومئة غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عدل". وعن النبي محمد ينقل القول "يا علي، من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنَّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم، عدل ذلك له ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام" (الحرّ العاملي، هداية الأمة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام، صـ453).

خلاف على "البراءة من المشركين"

يرخي الاختلاف في ممارسة شعائر الحج بين ما يُعرف بالحج الابراهيمي وغير الابراهيمي، بظله على رغبة الشيعة في الحج، لا سيما وسط التضييق السعودي على بعض الممارسات. وعلى هذا المنوال يدخل مثلاً في مسألة المناسك تحديد الأيام، وخاصة يوم وقفة عرفة وعيد الأضحى، إذ غالباً ما يختلف تقدير الأيام هذه بين علماء الشيعة وعلماء المملكة. لكن الشيعة "آثروا دوماً السير بمحددات المملكة الزمنية، كي لا يحصل تضارب في موسم الحج، وهو تضارب غير ممكن في ظل الإدارة الموحدة والصعوبات اللوجيستية، وهذا ما عدّه الشيعة دوماً نقيصة في مسألة مناسك الحج"، بحسب عبد الله زغيب. يُشار هنا إلى منع الشيعة عن بعض الشعائر كالبراءة من المشركين، وكذلك زيارة قبر الرسول وقبور البقيع في المدينة، كما يشهد الحج دوماً وليس فقط في عصر السعودية، تجاوزات هائلة بحق المعتمرين أو الحجاج الشيعة، كالاعتداء على المشايخ ونزع عماماتهم وإعدامات وجلد لأسباب كالتمسح بالحجر الأسود أو المقامات أو جدران الحرم المكي. اليوم، ومع تصاعد الخلاف السعودي الإيراني، وامتناع إيران عن إرسال الحجاج، يتصاعد التوحد الشيعي خلف المقاطعة، لا سيما في ضوء حالة ولاية الفقيه المتبعة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، واستخدام الجميع لأدوات الدعاية المذهبية للحفاظ على مستوى معيّن من الاستقطاب داخل البيئات الحاضنة المستهدفة. وعليه، كي يعود الحج ليأخذ مكانته الأساسية في الوجدان الشيعي، ينتظر كثر من الشيعة اليوم تغيير نظام آل سعود أو انتهاء الصراع السني - الشيعي بسقوط التطرف السني المهّدد لوجودهم، أو ربما قد ينتظرون نقل الحجر الأسود إلى مكان آخر حيث يمكنهم زيارته بحرية كما يحلو لهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image