شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
خاطفو الأطفال يراقبون أولادكم

خاطفو الأطفال يراقبون أولادكم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 21 سبتمبر 201605:34 م
"كنت واقفاً بسيارتي عند إحدى إشارات المرور، فاقتربت مني طفلة تبيع المناديل. مظهرها كبقية الأطفال عند إشارات المرور، ملابس متسخة ووجه شاحب، رغم وسامتها الواضحة. بصمت شديد، اقتربت من زجاج النافذة، وبهدوء وضعت علبة المناديل على التابلوه، ثم نظرت في عيني مباشرة، وبوجه يضج رعباً همست "They will kill me" (أي سوف يقتلونني). اقشعر جسدي بالكامل، وخرجت من سيارتي أسألها مين اللي عاوزين يقتلوكي؟ هما فين دول؟ شاوري عليهم بس. وفي لحظة وجدت سيدتين تعدوان نحوي لتأخذا الطفلة، مؤكدتين أنها ابنة إحداهما، وانهارت الطفلة بكاء". حادثة يرويها المهندس رامي الجبالي، مؤسس صفحة "أطفال مفقودة" على موقع فيسبوك، التي قارب عدد متابعيها المليون، وتعمل على إيجاد الأطفال المفقودين في مصر، بمساعدة أكثر من 8000 متطوع من مختلف الخلفيات. وقد ساعدت الصفحة منذ انطلاقتها قبل سنة ونصف، في العثور على أكثر من 170 طفلاً، ما بين حالات هروب أو خطف، بحسب الجبالي. ليس من المبالغ فيه وصف جرائم اختطاف الأطفال بالظاهرة في مصر، إذ يكفي متابعة الحالات اليومية على مدار السنوات الأخيرة، لمعرفة الحجم الذي وصلت إليه هذه المشكلة، دون مساع رسمية حقيقية لتحجيمها. الأطفال المختطفون عرضة لأشكال عدة من الاستخدام أو الاستغلال، بداية من توزيعهم على شبكات التسول، وصولاً إلى تقطيعهم إلى قطع غيار آدمية، لاستخدامهم في تجارة الأعضاء البشرية. يقول الجبالي: "حالات خطف الأطفال في مصر تكون لأغراض خمسة: إما يباع الطفل للتبني، أو لتجارة الأعضاء، أو للتجارة الجنسية، أو للتسول، أو لطلب الفدية. وقد ساعد على تفشي الظاهرة، بعض القوانين التي يجب إعادة النظر فيها من جانب المؤسسات الرسمية، أهمها عدم إمكانية تحرير أهل المختطف أو المفقود، لمحضر لدى الشرطة، إلا بعد مرور 24 ساعة على الاختفاء. في حين أن الساعات الأولى للاختطاف أو الفقد هي الأهم على الإطلاق، وإن لم تستغل يتضاءل الأمل كثيراً في عودة المفقود أو العثور عليه”.

سهيلة تحولت لولاء ونسيت الجميع

بصوت مرتعش متقطع، تحكي هدى، والدة الطفلة سهيلة، واقعة اختطاف ابنتها: "كانت سهيلة أتمت لتوها عامها الثاني، وفي ذلك اليوم (27-10-2015) تركتها تلعب أمام المنزل مع أطفال الجيران، ولسبب غير مفهوم، لأول مرة أشعر أن هناك خطراً على ابنتي، فأخرج لأطمئن عليها، لأفاجأ باختفائها هي فقط. ذهبت لتحرير محضر اختفاء بقسم مصر القديمة حيث نعيش، لكنهم رفضوا تحرير المحضر قبل مرور 24 ساعة على واقعة الاختفاء". وتضيف: "بعد يوم كامل حررنا المحضر، لكنني لم أر تفاعلاً حقيقياً من الشرطة تجاه الواقعة، فقمت بنفسي بالإعلان عنها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولجأت أنا ووالدها للبرامج التلفزيونية. بعد فترة بدأنا نتلقى مكالمات من أشخاص يقولون أنهم شاهدوا سهيلة، إلى جانب مكالمات أخرى لابتزازنا وطلب فدية. بحثنا في المحافظات كلها تقريباً، إلا محافظة واحدة، اتضح في ما بعد أن من اختطفتها أخفتها هناك". وتوضح الأم: "بمجرد أن رأيت سهيلة بعد بضعة أشهر، في محافظة طنطا، عرفتها. أرسل صورة سهيلة جار لسيدة مسنة، تشكك في وجود طفلة لديها فجأة، وهي المعروف عنها أنها لا تنجب، فأبلغ مباحث محافظة طنطا التي قامت بتحرياتها قبل أن نصل إليها". تتابع: "لم أستطع كتم صراخي حين رأيت سهيلة في سراي النيابة، ملامحها تغيرت قليلاً ولم تتذكرني أنا أو والدها أو إخوتها، فقط تذكرت خالتها وابن خالتها الذي كانت تلعب معه". تبين لاحقاً أن سهيلة اختطفت على يد عاملة نظافة في أحد المستشفيات القريبة من منزلها، وباعتها لشقيقتها بمبلغ 3000 جنيه، وظلت سهيلة حبيسة المنزل سبعة أشهر. تؤكد والدتها: "اكتشفنا أن السيدة التي اشترتها حرقتها في أماكن مختلفة من جسدها، بحجة تعليمها ألا تتبول على نفسها، وأنستها اسمها الحقيقي، بعد أن أطلقت عليها اسم ولاء، وحاولت استخراج شهادة ميلاد جديدة تثبت بنوتها لكنها لم تتمكن". وتكمل: "وجد رجال المباحث ابنتي نائمة على الأرض بلا غطاء، بملابس مهلهلة ليست لطفلة، إنما ملابس داخلية للسيدة التي تقيم معها، وفي حالة صحية متردية".

مروان ضاع من أمه وضيّعها

أما الطفل مروان جاب الله العزوني، فاختفى عن عيني والدته في 9-2-2009. كانا في زيارة للقاهرة قادمين من المحلة، عندما أصاب الأم دواراً شديداً أثناء سيرها في حي السيدة زينب، فطلبت من طفلها ذي الخمسة أعوام، أن يأتيها بزجاجة مياه من أقرب محل، وعندما عاد الطفل لم يجد أمه التي تمكن منها التعب حتى الإغماء، ونقلها المارة إلى المستشفى، واتصلوا على هاتف زوجها الذى وصل للمستشفى بعد ثلاث ساعات، ليجد الأم من دون الطفل، الذي أنكر الحاضرون رؤيته. بدأ الأب رحلة بحث عن ابنه امتدت سبع سنوات، بداية من محاولته تحرير محضر لدى قسم السيدة زينب، حيث ضاع الطفل، بعدما رفض مسؤولوه تحرير المحضر، مطالبين الأب بتحريره في محل ميلاد الطفل بمحافظة المحلة، بعد مرور 24 ساعة على الاختفاء وليس قبل. ثم محاولة الأب، الذي امتثل لقوانين تساهم في ضياع ابنه، لمتابعة عملية التنسيق بين الأقسام، مفترضاً أن هناك تنسيقاً لمطابقة أوصاف المفقودين. ثم جاءت أحداث 25 يناير لتقضي على ما تبقى من أمل لدى الأسرة، باحتراق الأقسام والمحاضر التي يتابعها الأب، فقام بتحرير محاضر جديدة، ونشر صور طفله على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى صفحات الأطفال المفقودين. أدى القهر والاكتئاب الشديد الذي دهم الأم إلى إصابتها بجلطة دماغية ومن ثم وفاتها، فاستكمل الأب مشوار البحث عن ابنه وحيداً. في 26-5-2016 تلقى الأب مكالمة هاتفية من صفحة أطفال مفقودة على موقع فيسبوك، يفيد بوجود طفله مروان داخل دار رعاية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، في محافظة الجيزة منذ سبع سنوات. يقول الأب: "لم أشعر بالفرحة حتى بعد أن أرسلت لي صورته. عانيت كثيراً من خيبات الأمل على مدى 7 سنوات، ولم أتحرك من مكاني إلا بعد أن تأكدت من هويته عن طريق آثار عملية جراحية قديمة في قدمه. مروان أتم عامه الـ12، أي ظل بعيداً عني أكثر مما عاش معي". ويضيف: "علمت أن ما حدث هو أن شخصاً وجده في الشارع حيث كانت أمه، وسلمه إلى قسم شرطة الأزبكية، وبدلاً من التنسيق مع الأقسام حول محاضر الاختفاء، حرر مسؤولو القسم محضر تشرد للطفل وأودعوه دار أطفال تضم مجهولي النسب ومن تخلت عنهم أسرهم". تشير قصة الطفل مروان إلى سوء التنسيق وضعف الأجهزة المعنية التي تعجز عن التعامل مع حالات الاختطاف أو الفقد. تضاف إلى ذلك سهولة تزوير الأوراق الثبوتية وشهادة ميلاد الطفل، التي هي كل ما يمتلك من أوراق رسمية تثبت نسبه لأهله. بعض سارقي الأطفال يوثقون وجود المخطوفين معهم بشهادات ميلاد جديدة، مستغلين كون شهادة ميلاد الطفل لا تحتوي على صور للأب وللأم، ولا تتضمن بصمة لقدم الطفل، ليصبح من السهل إعادة إعطائه هوية جديدة. يقومون بتسجيلها بسهولة متعللين بالجهل أو الفقر، اللذين تسببا في تأخر تسجيل الطفل لحظة ولادته، وهو أمر شائع وسهل، كون البيانات الموثقة لهوية الطفل لا تحتوي على ما يثبت انتماءه لعائلة أخرى، غير الاسم. وما ساعد على انتشار ظاهرة اختطاف الأطفال أو استغلالهم، استخدام المافيات لشباب لم تتعد أعمارهم الثامنة عشرة لتنفيذ هذه الجرائم. فيحاكمون، إن حدث وقبض عليهم، وفق قانون عقوبات الطفل، الذي يصنف المعتدي طفلاً ما دام دون الثامنة عشرة وقت وقوع الجريمة. وهو ما يجب إعادة النظر فيه، والعمل على حماية هؤلاء الشباب من استغلال الشبكات الإجرامية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image