في أواخر شهر مارس من العام الجاري، أطلق الشيخ الشيعي ياسر الحبيب حملة دعائية واسعة بعنوان "لبيك يا فاطمة" لجمع مبلغ 5 ملايين جنيه استرليني للإنفاق على إنتاج فيلم تاريخي إسلامي عنوانه "يوم العذاب" The Day Of Torture. وبالفعل، استطاع الحبيب أن يجمع المبلغ المطلوب في فترة قصيرة، لم تتعد الشهر، بعد أن لاقت حملته نجاحاً كبيراً، تعجب منه الكثير من المتابعين.
أكثر ما يثير الجدل في فيلم "يوم العذاب" هو أنه يتناول فترة تاريخية بالغة الحساسية والحرج في تاريخ الإسلام والمسلمين: الأيام القليلة التي أعقبت وفاة الرسول، وموقف المسلمين تجاه تعيين خليفة له. وهو الأمر الذي تم في سقيفة بني ساعدة، التي تعتبر بمنزلة أول مؤتمر سياسي في التاريخ الإسلامي، نتج عنه اختيار "أبي بكر الصديق" ليصبح أول الخلفاء المسلمين.
الأحداث التي جرت في السقيفة، وما بعدها، تدور حولها الكثير من الشبهات في التاريخ الإسلامي. فبينما ترى الكتابات التاريخية السنية أن عموم المسلمين اختاروا أبا بكر، وأجمعوا على إمامته وأحقيته، وأن "علي بن أبي طالب" وبني هاشم قد سارعوا إلى بيعته وطاعته. تروي الكتابات الشيعية الحدث بطريقة مخالفة تماماً، فتؤكد أن أبي بكر وعمر بن الخطاب اغتصبا الخلافة التي هي من حق علي بن أبي طالب، بموجب نصوص مؤكدة عن الرسول، وعلي رفض التسليم لأبي بكر، وحاول حشد المسلمين حوله لاسترجاع حقه. لكن عمر أحاط ببيت علي وكاد يضرم فيه النيران لإجباره على بيعة أبي بكر، واستطاع في نهاية الأمر أن يجبره على ذلك.
من هو ياسر الحبيب؟
الشيخ ياسر الحبيب هو رجل دين شيعي اعتاد أن يثير الكثير من الجدل في الأعوام القليلة الماضية. ولد في الكويت عام 1979، وتدرج في المدارس والمعاهد التعليمية النظامية، ثم عمل بعد تخرجه في الحقل الإعلامي والصحافي، بالإضافة إلى تلقيه العلوم الدينية الشيعية في مدينة (قم) المقدسة بإيران.العالم الإسلامي قد يشهد قريباً أزمة عنيفة في حال تم تنفيذ فيلم "يوم العذاب" الذي يخطط له الشيخ ياسر الحبيببعد عودته إلى الكويت، عُرف الحبيب بنشاطاته الدعوية، والتعصب المذهبي. فألقى عدداً من المحاضرات التي أظهرت عداءً صريحاً لعدد من الصحابة، ممن يُعتبرون رموزاً مقدسة عند الطائفة السنية والمسلمين عموماً. وأدى ذلك إلى إثارة حالة من الغضب والسخط ضده، وهذا ما جعل الحكومة الكويتية تلقي القبض عليه، وتصدر في حقه بعض الأحكام القضائية التي قضت بسجنه نحو عشرين عاماً، في سابقة، هي الأولى من نوعها في ما يخص قضايا الرأي وحقوق الإنسان بالكويت. بعد عدة أشهر من السجن، أفرج عن الحبيب في ظروف غامضة، واستغل هو تلك الفرصة، فسافر إلى إنجلترا وأسس هناك "هيئة خدام المهدي"، التي ركزت أنشطتها في الدعوة إلى المذهب الشيعي الإمامي. عام 2010 أقام الحبيب احتفالاً ضخماً في لندن، بمناسبة وفاة السيدة "عائشة بنت أبي بكر"، فأثار غضب الشيوخ والعلماء السنة، كما دان خطوته بعض الرموز الشيعة مثل السيد "علي خامنئي"، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، والسيد "حسن نصر الله"، الأمين العام لحزب الله في لبنان. وعليه، سحبت الحكومة الكويتية الجنسية من الحبيب، وطلبت من الإنتربول الدولي القبض عليه، لكن إنجلترا رفضت، معتبرةً أن ما قام به الحبيب يندرج تحت بند حرية الرأي والتعبير.
العمل جار على الفيلم
وفي إطار التحضيرات للفيلم، أعلن ياسر الحبيب أكثر من مرة أن الفيلم سيكون بمواصفات عالمية، إذ إن طاقم العمل بدايةً من المخرج ونهايةً بالممثلين سيكونون من الأجانب المعروفين بكفاءتهم وتميزهم. فأثار ذلك التصريح الكثير من الاعتراضات لدى عدد من المراجع والعلماء ورجال الدين الشيعة، رافضين أن يقوم ممثلون غير مسلمين بأدوار شخصيات معصومة، حتى لو تم إخفاء وجوههم. وعند الاتصال بمكتب الشيخ الحبيب في لندن، والسؤال عن التفاصيل التقنية، مثل الممثلين الذين سيقومون بأدوار الشخصيات التاريخية في الفيلم، أجاب ممثل المكتب: "ستظهر شخصيات المعصومين عليهم السلام في الفيلم بطريقة فنية مبتكرة تكون مراعية لقداستهم". وتدور شكوك كثيرة إمكانية تنفيذ فيلم تاريخي عالمي بكلفة إجمالية لا تتعدى الخمسة ملايين باوند (أي ما يقارب سبعة ونصف مليون دولار)، فمعروف أن الأفلام التاريخية يكلف إنتاجها مبالغ باهظة. لذلك يرى كثيرون أن مشروع فيلم يوم العذاب، مشروع وهمي لن يُنفذ، والهدف من إطلاقه جمع بعض الأموال التي قد تساعد الحبيب في الإنفاق على دعوته وحشد المؤيدين. وفي ظل كل تلك الشكوك والاعتراضات، التي تطول مشروع الفيلم، يفرض الحبيب وأعوانه تكتماً على تفاصيل ومستجدات المشروع. ويبررون ذلك بخشيتهم "من تدخل عناصر خارجية لإحباط تنفيذ الفيلم وعرقلة تقدمه". من جهته، يبرر الشيخ الحبيب إمكانية تنفيذ مشروعه رغم ضعف الميزانية الإنتاجية، بأن الكثير من الممثلين وأفراد طاقم العمل عرضوا الاشتراك في العمل من دون أجر أو بنسبة من الأرباح المتوقعة، "بعدما اطلعوا على السيناريو الأولي للفيلم وتأثروا به". ويؤكد ممثل مكتب الحبيب: "الحبيب بنفسه يشرف على كل التفاصيل الخاصة بالفيلم، ويراقب سير الإنتاج". وعن الموعد المنتظر لعرض الفيلم على شاشات السينما، قال: "الموعد المتوقع مع نهاية السنة المقبلة 2017، إذا لم تظهر أي معوقات فنية تستلزم التأخير". وما بين ثقة الشيخ الحبيب من جهة، والجدل الدائر في الأوساط الإسلامية من جهة أخرى، يبدو أن العالم الإسلامي قد يشهد قريباً أزمة عنيفة في حال تم تنفيذ الفيلم وعرضه. خصوصاً أن السؤال حول حدود حرية الإبداع الدرامي التاريخي، اعتاد أن يشهد الكثير من الشد والجذب ما بين مؤيد ومعارض.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...