"ليس هناك بديل": هذه هي الجملة المسؤولة عن تخلّفنا
السبت 10 سبتمبر 201603:36 م
حينما تطرح سؤالاً حول التغيير وتبادل السلطة في البلدن العربية، على الأغلب ستسمع الإجابة التالية: "بمن سنأتي بعده إلى الحكم؟"، أو "ليس هناك بديل". هذه الأفكار التي تعتبر أن الحلول مستحيلة بسبب عدم وجود بدائل من أشخاص أو أحزاب في الفضاء السياسي العربي غير الذين يحكموننا منذ عقود هي أفكار خاطئة تماماً.
إن السؤال المتكرر عن البديل ليس في محله ولا يقود إلى تقدم. والسؤال الملح والضروري هو هل نبحث عن شخص آخر يحكمنا، أم عن منظومة أخرى كاملة يتم حكم الشعب من خلالها؟ ومما لا شك فيه أن الأسئلة الصائبة تؤدي إلى إجابات صائبة، والعكس صحيح.
الذين يطرحون السؤال عن البديل هم أناس عاديون، وحين يطرحونه، فإن ذلك لا يعني بالضرورة عدم رغبتهم في التغيير- فالمأساة التي تحياها غالبية الشعوب العربية واحدة ويشعر بها الجميع بما في ذلك رجل الشارع - بل يعني وبشكل آخر يأسهم المطبق من حدوث التغيير، فهناك نظام قام على مدار عقود بتهميش كل الشخصيات السياسية المعارضة لحكمه، أو المتفقه مع حكمه لكنها تتمتع بشعبية ما، أو هناك احتمال لأن يحوزوا شعبية تطغى على شعبية الحاكم.
مقص الحاكم الواحد أو الحزب الواحد الذي تخلص من كل البدائل المطروحة على الساحة هو السبب في مثل هذا السؤال المحبط، ولا شك في أن أسباب الإحباط مضافاً إليها الإحباط نفسه الذي ولدته فينا، كانت سبباً رئيساً في رجوع النظام القديم بكامل هيئته - مع تبدل المظاهر - إلى بلدان عربية قامت فيها ثورات شعبية ضخمة، أو إلى تعثر الثورة في بلدان أخرى.
فلسفة النظام
"الشعب يريد إسقاط النظام" كان هو الشعار الذي التهم الميادين خلال ثورات الربيع العربي، لم يكن نظام مبارك في مصر أو بن علي في تونس أو علي عبدالله صالح في اليمن مجرد فاترينة لشخص واحد في يده كل مقاليد الأمور ويتحكم في الواقع السياسي والمالي والاجتماعي كيفما يشاء، بل على العكس من ذلك كان الفرد الواحد فاترينة لنظام متشابك المصالح من مجموعات رجال الأعمال وجهات أمنية وقضائية ونخبة عسكرية يصب بقاء الحاكم الواحد في مصلحة كل مجموعة منهم ويضمن سيطرتهم جميعاً على مقدرات الأمة. وهؤلاء بدورهم يضمنون بقاء الديكتاتور على كرسيه ويجمعون الخيوط النهائية في يده. هكذا تدور اللعبة ولهذه الأسباب لا يصبح الديكتاتور مطلق الحرية كما يحلو للبعض أن يتصور، فحريته هذه مشروطة بضمانه لمصالح النظام المعقد الذي يقوم على خدمته، ويصبح النظام بدوره شديد الولاء لسيده ما دام السيد ملتزماً بالولاء نحو نظامه. هكذا كان يتحكم في اقتصاد تونس أيام الرئيس المخلوع "زين العابدين بن علي" حوالي ثلاث عائلات، وكان هناك ولاء متبادل بين الرئيس والمؤسسة العسكرية التي خرج منها، وكان المناخ قريباً من هذا الأمر في مصر. وقبل الثورة المصرية في 2011 كان هناك إما سياسيون بارزون في الحزب الوطني الحاكم آنذاك تحولوا لأصحاب ثروات أو أصحاب ثروات انضموا للحزب بشكل تلقائي، وهكذا كانت علاقة الولاء بين نظام الأسد في سوريا وبين المؤسسة العسكرية، بالإضافة للطائفة العلوية التي استخدمها النظام لتكون السوط والضحية في الوقت نفسه.حينما تطرح سؤالا حول التغيير في العالم العربي ستسمع هذه الإجابة: ليس هناك بديل... هذه الجملة مسؤولة عن مأساتناإذاً كان على شعوب الربيع العربي أن تستبدل النظام كاملاً، هذا الكلام ليس بجديد ولم يكن خافياً على المصريين الذين أصروا على تصفية الحزب الوطني الحاكم، ولا على التونسيين الذين أخذوا على عاتقهم تصفية حزب "بن علي" بعد أقل من 3 أشهر من الثورة التونسية، لكن ما واجه الثوار في مصر وتونس وليبيا واليمن وما يواجه السوريين حالياً، هو أن تصفية الحزب الحاكم لم تكن تعني بأي حال القضاء على النظام، كان السؤال الملح والذي بدت إجابته مستحيلة ولا تزال هو كيف نقوم باستبدال أسطول من رجال الأعمال يتحكمون في الاقتصاد الوطني ومئات الآلاف من رجال الأمن المدربين على خدمة النظام وعشرات الآلاف من رجال القضاء وربما جيش كامل من موظفي الجهاز الحكومي الذين اعتاشوا لعقود طويلة على بيروقراطية النظام الحاكم وفساده؟ كل هؤلاء الناس يكونون الحزب الحاكم الحقيقي. كيف نستيقظ ذات يوم وقد قتلنا هذا الأخطبوط الضخم ومن ثم أتينا بعدد هائل من الأفراد الجدد ليحلوا محله، بدا هذا الأمر مستحيلاً وغير واقعي إطلاقاً، ماذا سنفعل مع الفراغ الاقتصادي والإداري الذي سينجم عن ذلك، ماذا سنفعل مع الانهيار الذي سينجم عن هذا الفراغ القاتل؟ ناهيك طبعاً بتشريد عدة ملايين من موظفي جهاز الدولة بأسرهم، ثم أخيراً، وهذا هو السؤال الحقيقي الذي كان لا بد أن نسأله لأنفسنا منذ البداية: ماذا سيفعل رجال الأعمال والأمن والقضاء وجميع موظفي الدولة الجدد وهل سيختلفون بالفعل عن النظام القديم؟ الإجابة هي لا، النظام الجديد سيصبح هو نفسه النظام القديم؛ صورة اخرى مشوهة منه، والسبب في ذلك هو أن الفلسفة التي كان يعمل بها الأب الذي ثرنا عليه لم يقم أحد باستبدالها.