تعد "دبي أوبرا" أحدث دار أوبرا تنضم إلى قافلة الدور القليلة في العالم العربي. وتأتي مع أكثر من 20 عرضاً متنوعاً لتضفي بصمة خاصة على الساحة الفنية والثقافية.
وطالما اعتبرت الأوبرا، التي انطلقت عام 1600 من إيطاليا، من الفنون المسرحية الموسيقية الغنائية الأكثر صعوبة وإمتاعاً، لما تتطلبه من قدرات عالية في المواهب الغنائية والرقص التعبيري والديكورات الخاصة، إضافة إلى جمهور "نوعي" يحب الأوبرا ويملك ثقافة خاصة لفهم ما يجري على خشبة المسرح.
ولعلّ التعقيد الذي تحتاجه الفنون الأوبرالية من كل الجوانب، كانت من بين العوامل التي ساهمت في عدم انتشار هذا الفن كثيراً في العالم العربي، على رغم وجود عدد من دور الأوبرا والأصوات العربية، التي غالباً ما تتنقل بين المسارح العالمية.
اهتمام متزايد
اعتبر سليم سحاب، رئيس دار أوبرا جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا في حديث هاتفي مع رصيف22، أنه من الطبيعي أن لا يلاقي فن الأوبرا جمهوراً واسعاً بين الجماهير العربية، لأن "كل شعب يحب الموسيقى الخاصة به، وهذه طبيعة الشعوب، لأنها تحب الموسيقى التي تعبّر عنها، في حين أن الأوبرا والموسيقى السمفونية لا تحاكيانه". وأضاف: "مشكلة الغناء الأوبرالي أنه مرتبط بالكلمة، وبالتالي لا يفهم الجمهور العربي ما يسمع، لذلك يفضّل فنوناً غير مرتبطة بالغناء والكلمة على غرار الباليه، الذي يستطيع عبره الاستمتاع بالحركات الراقصة والديكور". لكن، منذ سنوات، وتحديداً عام 1969، انطلقت رحلة الأوبرا مع إنشاء أول دار أوبرا في العالم العربي، دار الأوبرا المصرية. ويوضح د. رضا الوكيل، مغني أوبرا ورئيس البيت الفني للموسيقى والأوبرا والباليه في دار أوبرا القاهرة: "تزامن ذلك مع كتابة أوبرا عايدة التي كانت أول قصة مصرية يكتبها فردي Verdi وتُغنى في العالم بأكمله". ويتابع: "الأوبرا في مصر بدأت مع فرق أجنبية وكان لها جمهور كبير. وبعد إعادة بناء دار الأوبرا الجديدة في أرض الجزيرة عام 1988، عاد مجدداً فن الأوبرا مع فنانين أجانب، ثم حصل تعاون بين أجانب ومصريين لتتكون فرقة كورال الأوبرا وفرقة الأوبرا". ويرى الوكيل أن هناك إقبالاً على مختلف مسارح دار الأوبرا المصرية، إضافة إلى حفلات الأوبرا السياحية في الأقصر وشرم الشيخ والإسكندرية، وهناك مشروع بناء دار أوبرا في الأقصر بالتعاون مع الصين. منذ سنوات، اهتمت مدن عربية عدة ببناء دور أوبرا، يقول التينور اللبناني مارك رعيدي: "في الدول العربية طلب متزايد على الغناء الأوبرالي. ولكن عندما نقول أوبرا نعني مسرحية غنائية متكاملة، وهذه ليست جوهر الطلب الحالي في الدول العربية. وأرى ارتفاعاً في الطلب على الغناء بأسلوب أوبرالي أو أوبرا البوب التي تقدم في المهرجانات والحفلات الموسيقية". وأضاف رعيدي: "في لبنان مثلاً لا نملك مسرحاً مناسباً للغناء الأوبرالي. فدور الأوبرا يجب بناؤها بطريقة محددة لضمان توزيع مناسب للصوت في المسرح لكل من الأوركسترا والمغنين، لا سيما أنه يُمنع استعمال الميكروفون". وتابع: "أظن أن افتتاح دور الأوبرا في المنطقة قد يبقى لأهداف ثقافية وفنية في حال لم تلقَ شعبية كبيرة أو لاستضافة الانتاجات من مختلف الدول، فالسكان الأجانب في الدول العربية يشكّلون شريحة جيدة من سوق الأوبرا". واعتبر جاسبر هوب، الرئيس التنفيذي لأوبرا دبي، أنه في حين أصبحت الفنون البصرية والأزياء والتصاميم أكثر شعبية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، أهملت، إذا صح التعبير، الفنون التمثيلية. وقال: "لذلك، من شأن دبي أوبرا المتمتعة بمواصفات عالمية أن تشدد على مكانة دبي كمدينة عالمية رائدة وأتوقع أن تكون حافزاً للجمهور ليس فقط ليشاهد عروضاً يمكنه مشاهدتها في مدن أخرى، بل أن يكون مصدر إلهام للموسيقيين المحليين للعرض على منصة عالمية". ورأى هوب أن دبي أوبرا ستضيف على الساحة الأوبرالية في المنطقة على صعيد نوعية العروض. وأضاف: "لم يكن ممكناً من قبل إحضار إنتاج مسرحي موسيقي متكامل، كالبؤساء Les Miserables من لندن أو نيويورك إلى المنطقة، لأن الدور لم تكن مجهزة لذلك. نؤمن بقيمة التعاون مع المؤسسات الثقافية الأخرى في البلاد وفي المنطقة، إضافة إلى التعاون مع الفنانين والفرق، على أمل إتاحة فرص مفيدة للتوفيق بين مصادرنا وإمتاع الجمهور".أي جمهور لأي عرض فني؟
أوضح رعيدي أن البعض يحب الأوبرا الخفيفة أو البوب، لا سيما متى تكون ضمن فعاليات مهمة أو حفلات موسيقية، حتى لو لم يكونوا مهتمين بهذا النوع الموسيقي، بل ليكونوا جزءاً من النزعة الشائعة. أما البعض الآخر، فيحب الاستمتاع بالأوبرا الخفيفة أو البوب، إنما بجرعات صغيرة. ونجد آخرين يحبون فن الأوبرا ويشاهدون مسرحيات كاملة، ويستمعون إلى حفلات غناء الموسيقى الكلاسيكية". وفي حين أن هوب فضل عدم الكشف عن معلومات خاصة بكل عرض، لكنه أكد أن عرض بلاسيدو دومينغو الافتتاحي، حطّم الأرقام القياسية في شباك التذاكر، ليتم بيعها في أقل من ثلاث ساعات من الإعلان عن عرضه. وتابع: "قبل إطلاق العمل، كان الاعتقاد الشائع أن شراء التذاكر غالباً يكون قرار اللحظة الأخيرة، لكنني سعيد لأننا أثبتنا أن برنامجنا جذاب بما يكفي لبيع التذاكر مسبقاً، قبل أشهر من العرض". ويضيف: "في عرض West Side Story الذي سينطلق في عيد العشاق 2017، لاحظنا ارتفاعاً حاداً في المبيعات قبل ستة أشهر من العرض تماماً كما نتوقع أن يحدث في كل أنحاء العالم".هل من جدوى لدور الأوبرا التي تفتتح أبوابها في العالم العربي؟ ومن هم زوارها؟
"فن الأوبرا يبقى فن الإبهار، إذا كانت الفرقة جيدة ومحترفة والديكور والملابس، فمن حضر مرة وانبهر سيعود مجدداً"ويشير إلى أن دبي أوبرا لا تملك معلومات عن الأشخاص الذين اشتروا التذاكر، لكنه يعي أن الحصة الأكبر من الجمهور هي داخل الإمارات، حتى لو بيعت التذاكر في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا وأستراليا وأمريكا. أما دار الأوبرا المصرية، فتقدم 850 حفلة في الموسم الفني على مسارحها الخمسة. ويشدد الوكيل على أن أسعار تذاكر العروض مقبولة جداً، تراوح بين 5 و10 جينه (بين نصف دولار ودولار) للطلاب، أو حتى عروض بنصف السعر. في حين أن ثمن التذاكر للكبار هو 75 جينهاً (نحو 7.5 دولارات) وقد يصل إلى حد أقصى 300 جينه (نحو 33 دولاراً). ويضيف الوكيل: "يتم تنظيم 33 حفلة بـ5 جينهات لجذب الجمهور في قلعة صلاح الدين ومنطقة الأزهر وغيرها، إذ يصل الإقبال إلى 7000 متفرج. ويوضح: "نريد أن يعرفوا ما تقدمه دار الأوبرا، وأن يهتموا بحضور هكذا حفلات، وحتى لا يعتقدوا أن الأوبرا مخصصة للملوك والأمراء والأغنياء". ويرى أن الجمهور يختلف، لأن لكل منّا ذوقاً خاصاً به، مشيراً إلى أن أعداداً كبيرة من المصريين والأجانب المقيمين، يرتادون مسارح الأوبرا في مصر. إلا أنه قال: "حين نقوم بأربع إلى ست حفلات لعرض واحد، لا يحدث الإقبال نفسه، لا سيما أن العروض قد تتزامن مع انشغال الجمهور بالامتحانات أو مباريات كأس العالم أو مباراة لكرة القدم".
الأوبرا الى أين؟
يضيف رعيدي: "لا بد أن نفهم أن الفن هو جزء من ثقافة كل بلد، وثقافة الدول العربية بعيدة كل البعد عن الموسيقى الكلاسيكية الغربية. لذلك، فإن الميول عادة نحو الموسيقى الشرقية والمسرح الغنائي. ولكن، مؤخراً، بدأنا نلاحظ طلباً مهماً لفن الأوبرا في الشرق الأوسط، بسبب انفتاح الدول العربية على الدول الغربية ووسائل الإعلان والإنترنت، وهذا ما يجعل موسيقى أجزاء مختلفة من العالم أقرب إلى كل بيت وكل فرد". ويؤكد أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في التوعية حول موسيقى الأوبرا، وتعويد الشعوب العربية عليها وحتى طلبها". أما هوب، فيذهب أبعد من ذلك، قائلاً: "لا يمكننا القول إن الأوبرا كانت الأكثر شعبية في العالم، إلا أنها توفر سعادة حقيقية لكل من حظي بفرصة الاستمتاع بأعمال مهمة". ويرى رضا الوكيل أن فن الأوبرا يبقى فن الإبهار، قائلاً: "إذا كانت الفرقة جيدة ومحترفة والديكور والملابس، فمن حضر مرة وانبهر سيعود مجدداً". مشدداً على أهمية أن يكون في كل بلد عربي دار أوبرا مجهزة بحرفة موسيقية، لاستقبال حفل أوبرالي، وتشجيع الفنانين العرب. والأهم هو تمويل الإنتاجات القادرة على الإبهار، لا سيما إنتاجات الأوبرا المكتوبة باللغة العربية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...