لا تتميّز منطقة الشرق الأوسط بعشقها للأوبرا، فمن تركيا إلى الخليج مروراً بلبنان وسوريا والعراق، نجد القليل من النشاطات الثقافية المتعلقة بالموسيقى الكلاسيكية والأوبرا. لم يتمكن هذا الفن من الانتشار الشعبي، وهنالك من يعتبره نوعاً موسيقياً منطوياً على نفسه، لا يجذب شباب اليوم، برغم أن غالبية المعزوفات متوافرة للتحميل على الإنترنت. ثمة أصواتٍ أوبرالية رائعة في الشرق الأوسط، لكن جمهورها محدودٌ جداً، من هي أبرزها وكيف يواجه أصحابها التحدي الفني مع الجمهور العربي، إليكم التفاصيل.
على صعيد الدول والحكومات العربية، يوجد اهتمام خجول بالأوبرا والموسيقى الكلاسيكية. لبعض البلدان أوركسترا كلاسيكية خاصة مثل لبنان وسلطنة عمان ومصر وسوريا. ولعدد من البلدان كونسرفتوار خاص، وتقدم صفوفاً مكثفة للعازفين والمغنين. وبالرغم من ضعف دور الأوبرا في المنطقة، فهي تقدم مواهب عظيمة كالموسيقي علي صادق الذي ترجم دون جيوفاني، وآراكس شيكيدجيان أول مغنية أوبرا في سوريا ورتيبة الحفني مغنية الأوبرا المصرية الشهيرة. أما الجيل العربي الجديد من المغنين فلا يخلو من المواهب أيضاً، نذكر بعض هذه الوجوه لمتابعة نشاطاتهم الفنية، وربما تكتشفون مع الوقت الأذن الأوبرالية النائمة فيكم، لدى سماع نوتات:
زينة برهوم، الأردن
موهبة نادرة في الشرق الأوسط. بدأت تدريبها الأوبرالي وهي في عمر الـ16 في الأردن، وهوسها بالأوبرا الإيطالية دفع بها إلى الذهاب إلى إيطاليا ولندن لإكمال دراستها. غنت زينة برهوم الأوبرا بلغات عدة، منها الألمانية والإسبانية واليونانية والعربية. فهي تميل إلى مزج الموسيقى الغربية مع الشرقية، وبناء جسرٍ ثقافي بين العالمين من خلال رسالةٍ تحملها في صوتها، كما يدل ألبومها الأول "القنطرة". تأثرت موهبة زينة بعدة مؤدي أوبرا عالميين، على رأسهم Roberto Alagna الذي أدت معه حفلاً أوبرالياً في بيت الدين في لبنان، والمغنية والممثلة المصرية ليلى مراد التي كانت تملك الهواية نفسها. كان لمغنية الأوبرا حفلات عدة أخيراً في عواصم عالمية، وستطل في 26 أبريل في Kensington Palace في لندن، وفي 7 مايو في الأردن في حفلٍ موسيقي لجمع التبرعات لمؤسسة فلسطين الدولية.أماني الحجي، الكويت
هي أول مغنية أوبرا في الكويت والخليج العربي، دخلت الأوبرا المصرية لتؤدي فيها أرفع نوتاتها لسنواتٍ عدة، وقامت بعدها بجولات غنائية في المنطقة وخارجها، كالبحرين والمغرب وأوكرانيا وغيرها. عشق أماني للأوبرا عاش طريقاً صعباً في بلدٍ لا يعرف قيمة ذلك الفن، وفي وقتٍ لا الجهات الخاصة في الدولة ولا الإعلام عملا على دعم أي موهبة أوبرالية صاعدة. ترى أماني أن الشباب العربي ربما لا يعرف ولا يستمع للأوبرا، ولكن ما إن يسمع صوتاً أوبرالياً يقع في الحب فوراً، ويهرع للبحث عن كيفية تعلم ذلك الأسلوب الموسيقي الراقي، وعن تفاصيل عالم الأوبرا. أماني الحجي أستاذة في المعهد العالي للفنون الموسيقية في الكويت، تهوى التعرف إلى موهبة صوتية شابة لتعمل على تدريبها وصولاً للنجاح، لعلّ الصوت يصل مطالباً بالقليل من الاهتمام بذلك المجال الموسيقي.رازق فرانسوا بيطار، سوريا
هو أول مغني كونتر تينور في سوريا والشرق، يؤدي ألحان أوبرالية تعود إلى عصر الباروك. تعلّم أصول الموسيقى الكلاسيكية في حلب، وتخرج لاحقاً من أحد أرقى المعاهد الموسيقية الأوروبية، المعهد العالي للموسيقى في روما. أسلوبه الأوبرالي أهّله للفوز بالمرتبة الثانية في المسابقة العالمية للموسيقى الدينية الكلاسيكية في روما، ويعتبر غناؤه نادراً، لأنه مخصص للنساء وصعبٌ على الرجال أداؤه. يدرك فرانسوا أن الغناء الأوبرالي لا ينتمي للثقافة الشرقية، لكنه يعتبر أن لتلك الثقافة تقنيات غنائية مهمة تساعد على اكتشاف وتقدير رنين الصوت كالتجويد والترنيم الصوفي. وللشرق تراث غني بالحضارات التي ساعدت على الحفاظ على ذلك النوع من الغناء. غناء الأوبرا باللغة العربية بالنسبة إليه أمرٌ ممكن النجاح فيه، وسرعان ما يجد مؤدي الغناء الأوبرالي الحلول العملية للأحرف التي قد تكون صعبة اللفظ.أميرة سليم، مصر
هي ابنة الفنان التشكيلي أحمد فؤاد سليم. من بين مواهبها الطفولية المتعددة كالباليه والرسم ولعب البيانو، اختارت أميرة أن تتعلم الغناء في الكونسرفاتوار في القاهرة، قبل أن تنتقل إلى أوروبا للالتحاق بـRoyal Schools of Music في لندن، وSpazio Musica في إيطاليا، وبعدها l’École Normale de Musique في باريس. نالت جائزتها الأولى في مسابقة الغناء في إيطاليا عام 2001، ومنذ ذلك اليوم وهي تجمع الجوائز والشهادات والحفلات الغنائية. تعتبر أميرة من أشهر مغنيات الأوبرا في مصر وفرنسا حيث تقطن اليوم. وتتميز بصوتٍ فريدٍ من نوعه وأداءٍ فيه الكثير من الرقة والشغف، وتحاول مع كل كلمة تخرج من فمها، أن تقرّب الحضارات بعضها من بعض وتصالح الإنسانية مع نفسها. تزور أميرة دار الأوبرا المصرية باستمرار لإقامة حفلات، وكان حفلها الأخير في باريس قبل بضعة أسابيع في الـOratoire du Louvres.ميشال بو رجيلي، لبنان
هو أحد الكونتر تينور القلائل في لبنان اليوم، تعرف إلى الأوبرا في فيلم The fifth element في صغره، وقرر حينها أن يكرس حياته لذلك الأداء المميز. وفي حديث لرصيف22، أكّد ميشال أن الأوبرا لا تتطابق مع نمط عيش الشباب العربي اليوم، لكن في الوقت نفسه، يرى أن ذلك الجمهور نفسه يهوى الطرب، الذي يتمتع بصفات الأوبرا نفسها في النهاية. لاحظ الكونتر تينور أن الجمهور اللبناني بدأ يستمع أكثر فأكثر إلى الأوبرا، بفضل الموسيقيين الجدد الذين يمزجون الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا مع أنواع أخرى من الموسيقى الحديثة، مثلما يفعل هو. يمكن للأوبرا بنظر بو رجيلي أن تساهم في دعم الشعوب العربية وسط النزاعات التي شتت الحضارات والثقافات، ويستعين بعبارة "فيفا فيردي" التي أطلقها الناس يوم وفاة المؤلف الموسيقي الإيطالي جوزيبي فيردي، وكانت تعبّر عن غضب الشعب من مواقف سياسية عدة. كما يذكر اللوحات الأوبرالية التي لعبت دوراً أساسياً في إعادة تشكيل المناخ السياسي ودعم الثورة الفرنسية، بصداها الذي زوّد الشعب بالأمل والمثابرة. لا فن من دون رسالة، ومنطقتنا هذه نموذج عن أهمية دور الفن في المسائل السياسية والاجتماعية. فالشرق الأوسط بحاجة إلى المزيد من التعاطف والجمال، وهذا ما يعمل من أجله الفن، خصوصاً الأوبرا.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...