عندما ينتقد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله "الدور السلبي" الذي تؤدّيه إحدى الدول في قضيّة معيّنة، يبدأ جمهور حزبه بشيطنة هذه الدولة بالمطلق. كاريزما السيّد قادرة على تبديل الخير بالشر، أو العكس، في نظر جمهوره بخطاب واحد. كل المطلوب هو شاشة كبيرة تتوسّط بينه وبينهم. ولكن هل صحيح أن نظرة حزب الله إلى الدول الإقليمية هي نظرة ثابتة؟
أميركا وإسرائيل، من يخدم من؟
لطالما أكّد السيّد لمحبّيه أن "مشروع أميركا في المنطقة هو مشروع إسرائيلي بامتياز" أو أن "مشروع أميركا الأول في المنطقة هو إسرائيل". كان يتحدّث عن "جبهة العدو" التي تضمّ "أميركا واسرائيل والغرب". باقي خصومه من العرب يمكن أن تتخلّى أميركا عنهم، فهي دولة تبني تحالفاتها على أساس مصالحها ولكن اسرائيل هي شيء آخر لأن "على رأس مصالح أميركا في المنطقة هي اسرائيل".
في أحد خطاباته، أكّد أنه "بالمقايسة، بقدر ما يكون النظام في أي بلد عربي أو إسلامي أو التنظيم أو النخبة أو المجموعة أو التيار السياسي أو وسيلة الإعلام بقدر ما يكون أقرب إلى إسرائيل، أحفظ لمصالح إسرائيل، مدافعاً أكثر عن أمن وسلام إسرائيل، بقدر ما يكون أقرب وأكرم وأهم عند الإدارات الأميركية المتعاقبة. مقياس القرب والبعد عن أميركا ليس حقوق الإنسان وليس الديمقراطية وليس الحريات العامة، وإنما خدمة أنظمتنا في منطقتنا لإسرائيل. إذا كان النظام متصالحاً مع إسرائيل، محامياً عنها، مدافعاً عن مصالحها فهو حليف إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية... المهم أن هذا النظام يقدم الخدمات المطلوبة منه لإسرائيل التي تشكل قلب المشروع الأميركي وتاج المشروع الأمريكي في المنطقة".
لم يخفِ السيّد سبب هذه "الحتميات" التي يقولها في مسألة العلاقة بين أميركا وإسرائيل. قال مرّة إن "إيران تنظر إلى المنطقة على النقيض من أميركا، أميركا تنظر الى المنطقة بعيون إسرائيليّة وكان الإمام الخميني واليوم الإمام الخامنئي، والجمهوريّة الاسلاميّة قيادة وحكومة وشعباً تنظر الى المنطقة بعيون فلسطينيّة. هذه هي الحقيقة". إذن موقف إيران هو المعيار الذي يُقاس عليه.
فجأة، وعلى إيقاع اقتراب إيران من توقيع اتفاق مع مجموعة الـ5+1، تغيّرت المعادلة.اختلفت الأمور بشكل كامل! "أميركا لا تعمل لا عند إسرائيل ولا عند أدواتها في المنطقة، أميركا تعمل عند أميركا، وإسرائيل تعمل عند الأميركي".
نظرة للسعودية على إيقاع سوري
خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، في تموز 2006، وبعده، توتّرت العلاقات بين حزب الله والمملكة العربية السعودية بسبب وصف الأخيرة عملية أسر الجنود الإسرائيليين التي كانت سبباً مباشراً لاندلاع الحرب بأنها "مغامرة".
بعد انتهاء الحرب، تحسّنت العلاقة بين الطرفين ولكن التوتر لم يزل كلياً. قال السيد نصر الله بعد حوالي سنتين: "أتمنى على الإخوة في المملكة العربية السعودية عدم تكرار الخطأ الذي ارتكبوه في بداية حرب تموز واضطروا إلى إصلاحه لاحقاً... إذا كان الإخوة في السعودية حريصين على البلد نتمنى أن لا يكونوا طرفاً... فليتفضل الأخوة في السعودية ويمدّوا يد المساعدة وطريق المساعدة واضح". صار السيّد يرى في المملكة قوّة إقليمية عليها دفع حلفائها في لبنان إلى التفاهم مع حزب الله على الملفات الداخلية الخلافية.
مع بدء الثورة السورية وتأييد المملكة الواضح لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد انقطع حبل العلاقة بينها وبين حزب الله. هاجم نصر الله السعودية على خلفية اتهامها حزبه باحتلال سوريا معتبراً أن "من واجب الدول العربية مواجهة من يحتل سوريا لتحريرها". بعدها شنّ عليها هجوماً ثانياً وصفها فيه بأنها "دولة غاضبة" تسعى إلى "استقطاب عشرات الألوف من المقاتلين من كل أنحاء العالم إلى سوريا وتمويلهم بـ30 مليار دولار حتى الآن". قبل هذا كان قد اتهمها، بشكل غير مباشر، باختطاف اللبنانيين الذين اختطفتهم مجموعة مسلحة سورية لأنها من الدول التي "تموّل وتسلح وتعطي التسهيلات للمجموعات المقاتلة".
ولأنه وجد نفسه في موقع يناقض موقع المملكة في الملف السوري، مدّ السيد نصر الله اتهاماته للملكة إلى ملفات أخرى وبشكل خاص الملف الفلسطيني لما يمتلكه من أهمية في أذهان العرب. تحدث عن الصواريخ التي تصل إلى المقاومة في غزّة متسائلاً: "هذه الصواريخ، كيف وصلت إلى قطاع غزة؟ ومن أين وصلت إلى غزة؟ هل أوصلها النظام السعودي؟ هل أوصلها النظام المصري؟ هل أوصلتها الأنظمة العربيّة؟ لا ولكن هذه الصواريخ من سوريا وعبر سوريا"، رغم أن سوريا تكاد تمنع عبور الطيور، لا الأسلحة والمسلحين إلى إسرائيل عبر حدودها. وأضاف اتهاماً آخر مفاده أنه "في السعوديّة منعوا حتى جمع التبرعات لغزة، وعندما كان يُمنع الطعام عن غزة كانت سوريا ترسل السلاح مع الطعام إلى غزة".
قبل الثورة السورية لم تكن السعودية هذا الشيطان! مبدياً حرصة "على قوة لبنان وأمن لبنان واستقرار لبنان ومستقبل لبنان وسلامة لبنان"، قال السيد نصر الله إن "كل من لديه هذا الحرص تجده حريصاً على نجاح المسعى السعودي السوري، وتجده مبشراً به وتجده مراهناً عليه وتجده مؤيداً له". كانت السعودية تقود مبادرة، بالشراكة مع سوريا لتخفيف الصدمة التي ستلقي بثقلها على اللبنانيين حين إصدار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قرارها الظنّي بعد أن تحدثت تسريبات عن اتهام المحكمة للحزب بالضلوع في عملية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري.
بعد افتراق السعودية وسوريا صار حزب الله، بدلاً من الطلب من المملكة بتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين، "يتدخّل" في الشؤون الداخلية السعودية. انتقد اعتبار مفتي المملكة "أن مثيري الشغب في القطيف فئة ضالة خبيثة تتبع أسيادها بالخارج وليس لهم علاقة بوطننا ولا بلادنا" وتحدث عن القطيف بوصفها "منطقة من أشد مناطق السعودية فقراً في سكانها وغنى فيما تحت الأرض، فالنفط كله هناك".
بغض النظر عن صحّة اتهامات حزب الله للمملكة، وهي ليست كلها افتراءات، فمن الملاحظ أن علاقة حزب الله بالسعودية تسير على إيقاع علاقة الأخيرة بسوريا، حليفة الحزب.
قطر، نعجة أم عزيزة؟
بعد انتهاء حرب تموز، قدّمت قطر دعماً سخياً لإعادة إعمار ما هدّمته اسرائيل. عبارة "شكراً قطر" خرجت من أفواه معظم قادة الحزب، رغم أن بعض التسريبات الصحافية آنذاك تحدثت عن مرور بعض الأسلحة إلى إسرائيل، خلال الحرب، عبر مطارات قطر.
في الأول من آب عام 2010، زار أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة جنوب لبنان. تحدثالسيد نصر الله، بعد أيام، عن "زيارة كريمة لأمير قطر". قبله، قال رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" (كتلة حزب الله النيابية): "إن ما أُنجز من إعمار في قرى الجنوب يعود الفضل فيه إلى قطر وأميرها" وأضاف: "نجدّد لسمو أمير قطر شكرنا باسم كل شعبنا في الجنوب وباسم قائد المقاومة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ونقول شكراً قطر". أكثر من ذلك، قال رعد: "نحن نعرف ما بذلتموه أيام الحرب من جهود لوقف الحرب". الشكر لقطر تكرّر حين اجتمع الأطراف السياسيون اللبنانيون في عاصمتها الدوحة وتوصلوا إلى اتفاق سياسي. "أخص بالشكر دولة قطر قيادة وشعباً"، قال نصر الله.
ولكن، مرّة جديدة، يحدد حزب الله رأيه في الدول الإقليمية على إيقاع موقفها من النظام السوري. اتهم قطر، كما السعودية، بشكل غير مباشر، بخطف مجموعة من اللبنانيين وانتقد بشدّة دورها في الأزمة السورية، ثم عاد ليشكرها بعد مسعاها الذي أفضى إلى تحريرهم.
مرّة جديدة أيضاً، يحضر نقد لقطر مرتبط بموضوع فلسطين. وصف السيد نصر الله وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بأنه نعجة رداً على اعتبار الأخير، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، أن "الذئاب تأكل النعاج وهم (الإسرائيليون) ليسوا بذئاب ولكن أغلبنا نعاج". قال نصر الله: "في فلسطين ولبنان والكثير من بلدان الوطن العربي يوجد أسود وأبطال، ومن يرى نفسه نعجة فليتكلم عن نفسه لكن لا يحق له القول أن أغلب العرب أصبحوا نعاجاً".
الطيّب فقد طيبته!
بعد اعتداء اسرائيل على سفينة مرمرة، نظّم حزب الله مهرجاناً، في ضاحية بيروت الجنوبية، رُفعت خلاله صور رئيس الحكومة التركية رجب طيّب أردوغان ووصف السيد نصر الله أردوغان حين تحدّث عنه بأنه "الطيب الطيب أردوغان".
قبل الموقف التركي من الأحداث السورية، كان السيّد نصر الله يعتبر أنه "كان يمكن أن تشكل (تركيا) بشكل أو بآخر جزءاً من محور عربي وإسلامي كبير داعم لفلسطين وللقضية الفلسطينية". بعده اختلف الأمر، وصارت تركيا جزءاً شريراً من محور "تقوده أميركا ويتشكل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا والدول العربية النفطية وتركيا وهي صاحبة القرار الأول والأخير فيه، وجميع الباقيين يعملون عندها، وهذا المحور تدعمه ضمناً إسرائيل، لأن مشروع أميركا في المنطقة هو إسرائيل بامتياز، وأُدخلت فيه القاعدة وتنظيمات تكفيرية وقدمت لها التسهيلات من كل دول العالم". ولأن تركيا اختلفت مع القيادة السورية اعتبر السيد نصر الله أن "موضوع غزة وفلسطين أصبح في مكان آخر بالنسبة إلى تركيا". فقد "الطيب الطيب" طيبته!
إيران الثابت الوحيد
تتغيّر صورة الدول الإقليمية على وقع الأحداث السياسية. وحدها إيران صورتها ثابتة. هي دائماً خير يتحرك في زحمة الأشرار. يعود ذلك إلى طبيعة العلاقة التي تربط الحزب بهذه الدولة الإسلامية. "كثيرون يتصورون عندما يقولون عنّا حزب ولاية الفقيه أنهم يهينوننا. أبداً. أنا اليوم أعلن وليس جديداً: أنا أفتخر أن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه، الفقيه العادل العالم الحكيم الشجاع الصادق المخلص"، أكّد السيّد نصر الله. "من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، وبالشكر تدوم النعم، ولئن شكرتم لأزيدنكم"، قالفي خطاب آخر شكر فيه إيران على دعمها لحزبه.
للحفاظ على صورة إيران، في اللوحة التي تشمل الاتهامات السابقة، لجأ الحزب إلى أساليب عدّة. "إن اميركا تريد جرّ إيران إلى التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية... ولكن المفاوضات الثنائية المباشرة، إيران كانت ترفضها وما زالت ترفضها، المطلوب الإخضاع وجر إيران إلى طاولة المفاوضات"، قال السيّد نصر الله لجمهوره في وقت كان المفاوضون الإيرانيون والأميركيون يعقدون، منذ ثلاث سنوات، اجتماعات سرّية في سلطنة عمان.
لا شك بأن حزب الله حين ينتقد سياسات إحدى الدول الإقليمية لا ينطلق من فراغ. انتقاداته ليس كلّها افتراءات. ولكن الحزب قادر على إخفاء جزء من الصورة والتركيز على جزء آخر بحسب رضاه عن هذه السياسات. هذا هو عالم السياسة وعلى جمهور الحزب فهم هذه المسائل. القصة قصة تقاطع مصالح وليست قصة صراع بين الخير والشر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين