لا يختلف اثنان على أن المغرب من البلدان الأكثر سنيّة في العالم. فالمملكة المغربية تعتمد المذهب المالكي على مستوى العقيدة والسلوك، ومن خلال الفقه والقانون. وإذا كانت غالبية السكان يعتنقون الإسلام بمذهبه السني، فإن هناك أقليات دينية تعيش وسط هذا المجتمع، موزعة بين الديانات اليهودية والمسيحية، وفئة قليلة تعتنق المذهب الشيعي، وأخرى المذهب البهائي. لكن تأسيس جمعية "الرساليون التقدميون" أخيراً، أماط اللثام مرة أخرى عن موضوع وجود الشيعة في المغرب.
"حرب" الدولة مع الشيعة
تميزت علاقة السلطة المغربية مع أنصار الشيعة في البلد بكثير من الحيطة والحذر، والهدف كان منع تسرب "الأفكار الرافضة" إلى المغرب السني لأسباب عدة. فموضوع التشيع في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، كان من التابوهات الممنوع التكلم فيها، بسبب علاقة التوتر التي كانت قائمة بين طهران والرباط، مباشرة بعد الإطاحة بالشاه الإيراني وقيام الجمهورية الإسلامية. لكن مع العهد الجديد الذي انطلق مع الملك الحالي محمد السادس منذ عام 1999، بدأ النقاش حول حرية المعتقد يطفو على السطح، وبدأت تظهر بعض الأصوات المناصرة للمذهب الشيعي. هذه الحركة "التشيعية" رافقتها نظرات الريبة والشك من قبل الحكومة المغربية.
نقطة بداية الصراع عام 2008، حين أصدرت السلطات المغربية قراراً بحل حزب البديل الحضاري. ووفقاً للمعطيات التي تداولت حينها، فإنه من الأسباب الرئيسية لحل هذا الحزب، الذي تأسس عام 2005، هو ميوله إلى التيار الشيعي. وكانت الأسباب التي بررت بها السلطات القضائية الحلّ، هو تورط أمين عام الحزب ونائبه في قضية "الشبكة الإرهابية"، التي تم تفكيكها في مدينة الناظور (شمال شرق المغرب)، والتي كانت تهدد أمن المملكة. ثم للسبب نفسه تم اعتقال محمد المرواني، الأمين العام لحزب الحركة من أجل الأمة، وعبد الحفيظ السريتي، مراسل قناة المنار (صوت حزب الله اللبناني) في المغرب.
وسترتفع حرارة "الحرب" على التشيع عقب "اندلاع" شرارة الأزمة الدبلوماسية بين إيران والمغرب في فبراير 2009، وقد توجت بقطع العلاقات بين البلدين، جراء التضامن المغربي مع البحرين، بعد اعتبارها من طرف النظام الإيراني مجرد مقاطعة تابعة للدولة الفارسية. وكان المغرب حينها، كغيره من الدول العربية والإسلامية، دان التـصريحات الإيرانية، واعتبرها تهديداً لأمن واستقرار واستقلال وسيادة البحرين. وبعث ملك المغرب رسالة إلى ملك البحرين اعتبر فيها أن التصريحات الإيرانية عبثية، وأوفد وزير خارجيته إلى المنامة ليؤكـد دعم المغرب للبحرين.
التحرك المغربي "أغضب" طهران، فاستدعت محمد بو ظريف، القائم بالأعمال المغربي بالنيابة، لإبلاغه احتجاجاً رسمياً إيرانياً من الموقف المغربي. وبحسب المتتبعين، فقد أثارت ردة فعل إيران نوعاً من "الاستغراب"، كونها خصـت المغرب بهذا الاحتجاج، على الرغم من أن كل الدول العربية والإسلامية تبنـت موقفاً مماثلاً.
هذا التصعيد سيرتفع من جانب المغرب في مارس 2009، بإصدار قرار إغلاق "المدرسة العراقية التكميلية" في الرباط، بسبب "مخالفة المؤسسة لمناهج النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي المعتمد من قبل الوزارة الوصية". غير أن العارفين بخبايا الأمور، أكدوا لرصيف22 أن السبب الحقيقي هو اتهام مسؤولي المؤسسة بنشر المذهب الشيعي، مما سيؤثر على الاستقرار الديني والمذهبي في المملكة. وهكذا منع دخول الكتب الشيعية وعرضها في المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء.
من السر إلى العلن
سيبقى تاريخ 16 أبريل 2016 راسخاً في أذهان أتباع المذهب الشيعي في المغرب، كونه محطة تاريخية بالنسبة لهم. إذ تم تأسيس إطار جمعوي يحمل اسم "رساليون تقدميون". ورغم محاولة أعضاء ومؤسسي هذا التيار إبعاد "تهمة" تبعية الجمعية للمذهب الشيعي، فإن المقربين منهم يؤكدون العكس.
هذا الإطار الذي رأى النور في مقر جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في مدينة تطوان (شمال المغرب)، تأسس، بحسب المصادر القريبة منه، بهدف الترويج لأفكار أنصار المذهب الشيعي في المغرب. ويحاول مؤسسو هذا التيار بكل الطرق إبعاد صبغة تبعيتهم للمذهب الشيعي. وهذا ما يترجم من خلال تصريحات عبدو الشكراني، رئيس الجمعية، الذي يؤكد أن تأسيس الجمعية يدخل في إطار معركة كل الحقوقيين والحداثيين في هذا الوطن. مشيراً إلى أن هدفهم هو "الدفاع عن حقوق الأقليات الدينية والمذهبية، والقبول بالاختلاف والتنوع الثقافي والعرقي والديني والإثني وبحرية المعتقد". ويوضح الشكراني أنه "عكس ما تم الترويج له فإن الجمعية هي مزيج من الأطر والكفاءات، ذات التوجهات الفكرية والدينية والإيديولوجية المختلفة من اليسار واليمين".
بعد انتخاب أعضاء المكتب المسير للجمعية، أصدروا ميثاق "الخط الرسالي"، الذي هو بمثابة خارطة طريق للعمل، بالنسبة للجمعية أو أي إطار آخر يتم تأسيسه. وأكدوا من خلال هذه الوثيقة أن: "الخط الرسالي في المغرب، يعد تياراً وطنياً مستقلاً، لا يتموقع في اليمين، لما يملك من رؤية نقدية للنظام الرأسمالي، ولا يتموقع في اليسار، لما له من تحفظات على رؤى وتصورات قوى اليسار. ويرفض ارتهان الوطن لأي محور إقليمي من شأنه أن يفقده قوة استقلال قراره السيادي الوطني، وبالتالي فإننا نعتبر أنفسنا تياراً من تيارات الوسط".
ويضيف الميثاق: "تتعزز وسطية الخط الرسالي في المغرب، من خلال الدور الذي يريد القيام به في أفق بناء الكتلة التاريخية وحفظ التوازن الاجتماعي والسياسي، فضلاً عن الرؤية الوسطية للإسلام في علاقته بمكوناته الداخلية المذهبية وعلاقته بمكونات خارجية الأديان والثقافات والحضارات".
يشار إلى أن أتباع الشيعة في المغرب حاولوا سابقاً تأسيس جمعيات تنويرية تقدمية، لكن السلطات المحلية كانت ترفض دائماً. عام 2007، منع تأسيس جمعية "أنوار المودة"، وقبل 3 سنوات رفضت الإدارة المغربية الترخيص بتأسيس جمعية "رساليون تقدميون". ما اعتبره أنصار الخط الرسالي انتهاكاً لحقوق الانسان، وضرباً للدستور المغربي والقانون المنظم للجمعيات.
وقد أعلن "عصام احميدان الحسني" خط الرسالي الشيعي في 19 يناير 2012. وكان التيار ألمح بداية عام 2014 إلى توجه للعمل القانوني والتوسع في المدن المغربية، ونجح العام الماضي في الحصول على رخصة لنشاطات مؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والأبحاث".
وعن علاقة الجمعية بالشيعة، أوضح الشكراني أن ما يتم الترويج له سببه الواقفون وراء تيار الخط الرسالي، مؤكداً أنهم مجموعة من النشطاء المنتمين لمختلف التوجهات السياسية والمدنية، ممن رأوا الحاجة ملحة في مواجهة الإرهاب ضمن خندق واحد.
ويرى عدد من المتتبعين أن عقد الجمع العام التأسيسي للجمعية، وقبلها ميلاد الخط الرسالي، بإحداثه مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر، هو دليل قاطع على بداية خروج أتباع الشيعة في المغرب من السر إلى العلن.
مستقبل الشيعة في المغرب
عام 2014 أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً حول حرية التدين في العالم، كشف عن وجود ما بين ألفين و8 آلاف مسلم شيعي في المغرب، ونحو 400 شيعي يقطنون في مدينة طنجة (شمال المغرب). وأفادت أرقام الخارجية الأمريكية، أن معظم الشيعة في المملكة، ينحدرون من شيعة سوريا والعراق ولبنان. وأوضح التقرير أنه إذا كان المسيحيون واليهود يمارسون شعائرهم الدينية بكل حرية، فإن الشيعة والبهائيين محرومون من ذلك.
ووفقاً لمعطيات كشفت عنها مصادر مقربة من الخط الرسالي، فإن التيار الشيعي في المغرب سائر نحو التكاثر والتوسع الجغرافي، مفيدةً أن المد الشيعي في السنوات القليلة المقبلة سيعم مدناً في الجنوب المغربي بدل التمركز حالياً في الشمال، خصوصاً في مدينتي تطوان وطنجة.
ورغم أفق الانتشار الذي ينتظره أنصار الشيعة، فإن ذلك التوسع يفرمله حراك السلفيين المغاربة، الرامي إلى انتقاد التشيع في البلد واعتباره آلية لخلق الفتنة والشقاق. فالشيخ محمد الفيزازي كتب على صفحته على فيسبوك منتقداً بعض الشيوخ، الذين نادوا بمغازلة الشيعة، معتبراً التشيع بمثابة "سرطان يهدد الأمة الاسلامية ومعها السنة والمذهب المالكي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...