شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الأمهات العازبات:

الأمهات العازبات: "سوبرويمن" من لبنان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 5 مارس 201805:32 م
لعل أصعب اللحظات وأطولها، بالنسبة إلى أم عزباء، مطلقة كانت أو أرملة، هي تلك التي تفصل بين الليل والنهار، بين النوم واليقظة. قد لا تتجاوز هذه اللحظات الدقائق، فالجسد الذي يهرول طوال النهار يستسلم للنوم سريعاً. عشرات الأسئلة تمر في رأسي خلال هذه الدقائق، هل اشتريت الخبز الذي يحبه لأعد له ساندويشاً صباحاً قبل الذهاب إلى المدرسة؟ هل أبليت حسناً اليوم وأنا أساعده في دروسه؟ كان علي أن لا أتأخر في العمل، لأتمكن من إيصاله في الوقت المحدد إلى عيد ميلاد رفيقه؟ هل فقدت أعصابي وتصرفت بطريقة غير لبقة أمام ابني، فقط لأنه طلب مني أن أبحث عن لعبته المفضلة ليأخذها معه، وأنا على عجلة من أمري؟ هذا ما تقوله الأمهات اللواتي يعشن مع أطفالهن من دون أب. تبدو حياتهن رحلة من المهمات التي لا تنتهي، حتى يصبح شرب فنجان القهوة بهدوء ترفاً يصعب الاستمتاع به.

اكتسبي نظاماً دفاعياً بأسرع وقت!

"قبل الانفصال كنت أهتم بكل التفاصيل التي أهتم بها اليوم، ولكن نفسياً الأمر اختلف، الآن المسؤولية أكبر، أنا وحيدة وكل شيء مطلوب مني، لا خيار آخر، أنا تحت الأمر الواقع. في السابق كنت أقوم بالمهمات نفسها، لكنها اليوم مفروضة علي، وهذا مقلق وغير مريح"، تقول ليال (33 عاماً)، التي انفصلت عن زوجها حين كان ابنها لم يبلغ الثلاث سنوات بعد، بخيبة أمل كبيرة. فهي لم تتزوج وتنجب لتجد نفسها وحدها. يختلف الوضع تماماً، وعلى المرأة العازبة أن تفهمه بسرعة وتتأقلم معه أيضاً. كذلك عليها أن تعلم نفسها وابنها ومن حولها كيف يتعاملون مع هذا الوضع، من دون إيذائها أو إيذاء ابنها. تضيف ليال مستهجنة: "فجأة تصبحين مطالبة بأن تكوني أكثر حذراً بعلاقاتك الاجتماعية، المجتمع ينسى أنك عاملة وناجحة في عملك، وأنك أم تركض ليلاً ونهاراً من أجل ابنها، ويتذكر أنك عزباء. لقد اكتسبت نظاماً دفاعياً، لأحافظ على صورتي بين الناس، فأنا بحاجة دائماً لأشرح وأفسر وأدافع حتى أمام ابني".

بعض أصحاب العمل يعاقبونك لأنّك أم عزباء

ليس من السهل أن تجد الأم العزباء فرصة عمل مناسبة، فهي تحتاج إلى عمل يتيح لها إمكانية الاهتمام بابنها وبيتها، والقيام بمسؤولياتها التي لا تنتهي. لذا اضطرت ليال إلى ترك عملها الذي كان جيداً على الصعيد المهني، لكنه كان يأخذ الكثير من وقتها بشكل لا يتيح لها رعاية ابنها كما تريد. بالطبع لم تترك ليال عملها قبل أن تجد عملاً آخر، فالأمر لا يحتمل المخاطرة. تقول: "حين انفصلت، شعرت بغضب كبير، غضب على كل شيء، فوجدت نفسي أكمل دراستي حتى حصلت على الماجستير بدرجة ممتاز، حينها لم يكن هدفي الحصول على عمل أفضل، كنت بحاجة إلى أن أنسى، ووجدت في الدرس ضالتي. لكن هذه الشهادة ساعدتني في إيجاد عمل يشعرني بالاكتفاء على الصعيدين الشخصي والمادي. مع هذا العمل أعود الساعة الرابعة إلى المنزل، بعدما كنت أعود بعد السادسة، يعني 120 دقيقة إضافية، وهذا يعني الكثير لأم عزباء". ترى ليال نفسها محظوظة، لأن عملها يتفهم وضعها ويدعمها. أما المشكلة فليست في المرأة، أو الطلاق، ولا حتى الأمومة، بحسب ليال، إنما عند بعض أصحاب العمل الذين يعاقبون المرأة لأنّها أم، فكيف إذا كانت أمّاً عزباء؟

ابني صادر حياتي أجمل مصادرة

"حياتي تتمحور حول ابني، هو الساعة التي تنظم نهاري، فبرنامجي اليومي يبدأ به وينتهي معه. أنا لست موجودة في حياتي ككائن منفصل". وتضيف ليال بصوت لا يخلو من الحماسة والفرح: "دعيني أخبرك عن يومي، استيقظ باكراً، ليبدأ نهاري على الفور، أحضر وجبة الفطور، أوقظ ابني، أجهزه للذهاب إلى المدرسة، أوصله إلى الباص. بعدها أذهب إلى عملي. طوال النهار وأنا في عملي، وما أن أجد دقيقة فراغ، حتى أتصل بالمنزل لأطمئن عليه، ماذا أكل؟ كيف كان نهاره في المدرسة؟ ماذا يحتاج؟ هل أحضر الأغراض معي قبل الذهاب إلى البيت؟ أو أذهب إلى البيت بعد العمل وآخذه معي لنحضرها معاً؟". بعد نهار العمل "تطير ليال إلى المنزل"، وتسأل نفسها: من أين تبدأ؟ الدراسة؟ مشاهدة التلفاز مع ابنها؟ قراءة قصة؟ اللعب معاً؟ تحضير الطعام للغد؟ التسوق لاحتياجاتهما الأساسيّة؟ التسوق لأمور يحتاجها للمدرسة؟ لا شك أن هذه الأسئلة تجد أجوبة عنها في ما بعد، وتصبح الأمور أكثر تنظيماً. لكن هذا لا يعني أنها تصبح أقل عبئاً، فاليوم لا يزال 24 ساعة، وليال بحاجة إلى أكثر.
اليوم لا يزال 24 ساعة، وليال بحاجة إلى أكثر... أن تكوني أماً عزباء
تعرّفوا على أول سيدة تنتمي لعشيرة تعيش بمفردها بعد الطلاق...
عند الساعة الثامنة، يحين وقت النوم، فتذهب ليال مع ابنها إلى السرير، وما إن تضع رأسها حتى تغفو من كثرة التعب، لتعود وتستيقظ على يوم آخر يشبه الذي قبله. ليال ليست موجودة في حياتها إلا حين يذهب ابنها لزيارة أبيه، في هذا اليوم، ربما تصفف شعرها أو تزور أصدقاءها، أو تكتفي بالاسترخاء وتناول فنجان قهوة بهدوء نسبي إلى حد ما. لأن رأسها يبقى منشغلاً بأمور ولدها وكيفية تنظيمها حتى عندما لا يكون معها. تقول: "قررت أخيراً وبعد الطلاق بسنتين، أن أخلق توازناً في حياتي، أنا لست أماً فقط! ينجح الموضوع أحياناً ويفشل في أكثر الأحيان". تبتسم ليال، وتقول بصوت ملؤه الإصرار والأمل والحب: "الموضوع ليس سهلاً، وكأن ابني صادر حياتي، ولكن مصادرة جميلة، فيها تواطؤ مني، ابني الأمل والحياة، هو كل شيء". أما نِعم ناصر الدين، فتقطف اليوم حصاد سنوات التعب. إذ عاشت كأم عزباء منذ عام 2002، حينها لم يكن ابنها بلغ الرابعة، أما اليوم فهو في الـ18 وطالب جامعي يدرس الطب.

تعرّفوا على أول سيدة تنتمي لعشيرة تعيش بمفردها بعد الطلاق

تتكلم نِعم بهدوء الواثق الراضي عن نفسه، فحين انفصلت عن زوجها لم تملك شيئاً سوى سيارتها و1200 دولار في البنك، لا مسكن يؤويها ولا عمل. لم تنظر إلى الخلف، اتخذت هذه الخطوة المصحوبة بكم هائل من الأسئلة: أين ستعمل؟ كيف ستؤمن المصاريف؟ أين ستترك ولدها وبيت أهلها خارج بيروت؟ قررت حينها بيع سيارتها، وبثمنها بدأت تجارة صغيرة ومتواضعة جداً. تصف نِعم تلك الفترة: "بالأيام المرة والقاسية، كنت أذهب وأحضر البضاعة تحت المطر، أحمل الأكياس بيدي، وأنقلها بسيارة الأجرة، حينها كنت سعيدة أيضاً، علي أن أعترف بذلك، فالعمل كان علاجاً. لا وقت للتفكير في الماضي، أو في ما يقوله الآخرون. ويوماً بعد يوم بدأت الأمور تتحسن، ووجدت نفسي قادرة على تأمين احتياجاتي واحتياجات ابني". بعد سنتين من بدء تجارتها التي كانت تتحسّن يوماً بعد يوم، قدمت نعم على التعليم العالي في مجلس الخدمة المدنية، وبدأت تشعر بمزيد من الأمان كونها وظيفة حكومية، لا سيما أنه أصبح لديها راتب شهري، أخذت قرضاً من الإسكان واشترت منزلاً. الخوف الحقيقي، الذي تتشاركه العازبات لا يولد عندما تصبح الواحدة أماً عزباء، ولكنه يسكن في الخطوة الأخيرة التي تسبق ذلك. تشعر المرأة وهي على بعد أمتار من تحقيق هذه الخطوة أنها ضعيفة، وكأن لا شيء يمكن أن يستوي من دون رجل، تشعر في هذه المرحلة أنها أضعف إنسان في الكون، ولكن ما إن تأخذ القرار، حتى تولد الحاجة إلى تأمين نفسها، وتولد معها القوة والتصميم والإرادة. "أنا أول امرأة تنتمي إلى عشيرة (قبيلة) في لبنان، تعيش بمفردها مع ابنها"، تقول نِعم هذه الجملة وكأنها تخبر أمراً عادياً، لا تقصد الافتخار ولا تريد أن تقول إنها امرأة حديدية. وتضيف: "الخيار الصحيح لا يحتاج إلى تبرير، لن يعارضك أحد إن كنت واثقة من نفسك، كلّ من حولي كان راضياً، ولم أجد صعوبات، خصوصاً أن سلوكي كان يظهر ذلك، فأنا أعمل من أجلي ومن أجل ابني، أركض ليلاً ونهاراً وراء عملي وبيتي، لمَ يمنعونني من السكن بمفردي؟ على العكس تماماً فلقد اقتنعوا بالفكرة".

في عيد الحب الكل يحمل ورداً وأنا أحمل الباذنجان

عندما تنظر نِعم إلى حياتها السابقة لا تستطيع أن تخفي بعضاً من الحزن على نفسها، تقول: "أذكر مرة كنت أمشي في الشارع مسرعة، أحمل الخضر وأنظر إلى ساعتي، لا أريد أن أتأخر في تحضير الطعام لابني. فجأة أنظر حولي لأجد أن الكثير من الناس يحملون ورداً أحمر"، تتذكّر ضاحكة: "كان ذلك اليوم عيد العشاق، الكل يحمل ورداً وأنا أحمل الباذنجان". "أين كنت وأين كانت الدنيا"، تبتسم نِعم بحسرة. كان عالمها يقتصر على عملها وابنها. تعزّ عليها دنياها وقد دفعت ضريبة عمر بكامله ولا تعتقد بأن السنوات المقبلة ستكفيها لتعيش ما تريده. لكن اليوم هي مرتاحة، ابنها في الجامعة، وتملك عملاً وبيتاً، على الرغم من أن الراحة أتت متأخرة جداً. لا تنكر نِعم أنها تمنت لو كان إلى جانبها في رحلتها رجل قوي ومحب، يحمل معها المسؤولية ويدعمها معنوياً وعاطفياً. هي فخورة بتجربتها وما وصلت إليه، لكنها كانت تتمنى لو استطاعت اختيار الزوج المناسب منذ البداية، لربما حظي ابنها بأشقاء وشقيقات. وتسرح قائلة: "لكنت أكثر نجاحاً لأن الجهد الذي أنفقته على إعادة تشكيل حياتي كنت بذلته لأكملها". لا يمكن للمتحدث مع نِعم أن لا يلتمس سلاماً يعكس تصالحها مع نفسها ومع تجربتها، لا سيما حين تتحدث عن ابنها "لقد أعطاني أكثر مما أعطيته بكثير".

لو حكينا يا حبيبي... نبتدي منين الحكاية

يختلف وضع آمال (48 عاماً) عن وضع ليال ونِعم. فهي لم تختر أن تكون أماً عزباء، لكن الموت أخذ زوجها، فبقيت وحيدة مع ثلاثة أبناء. لا تفارق الضحكة وجه آمال، وقبل أن تخبرنا قصتها، تبدأ بالغناء: "لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية...". هي التي لم تكن تتخايل أن تصل بها الحكاية إلى هنا! فبعد عشر سنوات من بقائها في المنزل، وجدت نفسها مضطرةً للعمل، لم تملك وقتاً للحزن على زوجها، كان عليها أن تجد عملاً وبسرعة. قبل وفاة زوجها، كانت آمال تقوم بدور الأم والأب لأن زوجها كان مسافراً، لكنها لم تكن مضطرة إلى العمل. أما اليوم، فهي الأم والأب بكل معنى الكلمة. تقول آمال: "عندما أفكر بالأمر لا أصدق كيف تسير الأمور، الوضع ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً، أحاول أن أقوم بواجباتي، ولكنني أشعر دائماً بعذاب الضمير، وبأنني مقصرة، أنا لست كذلك، أعمل من الصباح إلى المساء، ثم أعود لأطبخ وأهتم بأولادي، ولكن النهار قصير". تقول آمال إن أبناءها ليسوا صغاراً، وهذا يسهل عليها الأمر، فهم يتفهمون وضعها ويقفون إلى جانبها. لا يطلبون منها الكثير، لكن تعاونهم يؤلمها أكثر، لأنها تشعر أنها تحملهم ما هو يفوق طاقتهم.

الخوف من الوحدة والملامة كابوس الأمّهات العازبات

يبدو أن الخوف من الملامة يجمع الأمهات العازبات، ملامة من الطفل لأنها اختارت الابتعاد عن أبيه والعيش بمفردها. ملامة من المجتمع إذا أخطأ هذا الطفل. ففي مجتمع يعطي دائماً الامتياز للرجل في الأسرة، تحاسب المرأة على أي خطأ وإن اجتهدت. وعندما يخطئ هذا الطفل ينسى المجتمع حتى القريب منها، أنها اجتهدت وتعبت وعمِلت، والأسوأ أن الأم نفسها في بعض الأحيان تلوم نفسها. "لست وحدي، فابني معي"، لا نغالي إن قلنا إن هذه العبارة وردت على لسان معظم الأمهات العازبات اللواتي التقيناهن، واعتبرن أن حاجتهن إلى أبنائهن توازي حاجة الأبناء إليهن، لذلك يصبح الخوف من سفر هذا الطفل عندما يكبر كابوساً تعيشه معظمهن.
إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image