شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
“سوريا، الميدان الثالث” في لندن: محاولة لاسترجاع اهتمام الناس بسوريا

“سوريا، الميدان الثالث” في لندن: محاولة لاسترجاع اهتمام الناس بسوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 3 يوليو 201605:45 م

في فيلم بيسان الشريف "ذكريات النساء" Memoires de femmes تصف أمرأةٌ مجهولة سوريا بطريقة مغايرة عن سوريا التي نعرفها اليوم عبر التقارير الإخبارية عن البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والجهاديين. تتذكر تلك الإمرأة مطبخ عائلتها المتواضع وكيف كانت ترتبه بشكلٍ يومي. “لم أكن أريده أن يبقى مملًا” تقول. لا يتفادى فيلم بيسان الشريف موضوع الدمار التي سببته الحرب، فمطبخ تلك السيدة، كما نعرف لاحقاً، قد تعرض للقصف وهُجر منذ اندلاعها. ولكن العمل الفني يظهر جانبًا آخر من الحرب يختلف تمامًا عن ذلك الذي تقدمه عدسات كاميرات الغرب المتطوّرة.

"ذكريات النساء" هو واحد من الأعمال الفنية التي تقدّم للجمهور في معرض المجلس الثقافي البريطاني بعنوان "سوريا: الميدان الثالث” Syria: Third Space الذي يعنى بمقاربة التجربة الإنسانية للنزاعات التي يعرفها البعض منّا فقط من خلال مشاهد الدمار عبر نشرات الأخبار.

مع تطور الأحداث في الشرق الأوسط وسيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء وخطر استيلاء مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مساحات من العراق وتأرجح ليبيا على حافة الحرب الأهلية واستعداد قطاع غزة لبدء عملية إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الثالثة في غضون 6 سنوات، فبإمكاننا أن نجد عذرًا لأنفسنا إذا ما نسينا سوريا. الحرب الأهلية السورية، التي بدأت على شكل تظاهرات سلمية في ذروة الربيع العربي عام 2011، امتدت على مدار 3 أعوام وتتابعت أحداثها مخلفةً 130 ألف ضحيّة ناهيك بعشرة ملايين مهجرٍ نصفهم من النساء والأطفال يعشيون بعيدًا عن منازلهم ويتعايشون مع صدمة الحرب في أماكن لجوئهم.

لقد كان المجلس الثقافي البريطاني فاعلًا في تخصيص مساحة للفنانين السوريين المهجرين بفعل الحرب، عبر منحه حوالي 78 فنانًا مساعدات لإنجاز أعمالهم الفنية. وعلى الرغم من المعوقات جرّاء العقوبات الاقتصادية والاضطرابات السياسية والوضع الأمني لجميع المشاركين، يؤكد معرض "سوريا: الميدان الثالث" صلابة وشجاعة الفنانين وقدرة المجلس الثقافي البريطاني، ليس على تنظيم المعرض فحسب بل كذلك على إعداد الإطار العام له.

يتمحور "الميدان الثالث" حول فكرة المساحة البديلة، “فهو ليس مخصصًا للمتطرفين أو المؤيدين للنظام”، تقول لرصيف22 "علما سالم"، القيمة على المعرض ومديرة البرامج الفنية للمجلس الثقافي البريطاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل هو مساحة مفتوحة تتيح للفنانين بأن يلعبوا دوراً حيوياً كشهود على الحرب السورية، وموفّقين بين الأطراف المختلفة، ومتحدثين باسم شعبهم، وذلك عبر سرد تجاربهم الشخصية التي تتناغم لتعطي صورة واضحة لما يحصل في سوريا.

يمثل "الميدان الثالث" أيضاً بحسب سالم وشريكها في المعرض Lois Stonock، "الميدان المستحيل" المتوفر لنا فقط في العالم الافتراضي، حيث يتم نقل الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات. لذلك لم يتطلب العمل الكثير من التحضير، الأمر الذي شكًل عاملًا إيجابيًا في التحضير للمعرض، لأنّ العديد من الفنانين كانوا سيواجهون عوائق في ما يتعلق بالحصول على جوازات السفر. أمّا بالنسبة للمواد المعروضة، فكان من السهل نقلها وإعادة إنتاجها وعرضها على أكبر قدرٍ من الجمهور، الأمر الذي يسعى إليه المجلس الثقافي البريطاني عبر إطلاق حملة ترويجية للمعرض على موقع تويتر وعبر نشر تفاصيله على موقع Storify.

يعرض "سوريا: الميدان الثالث" أعمال فنانين كـ"زاهر عمرين" و"محمد عمران" و"محمد خيّاطة" و"بيسان الشريف"، تتناول مواضيع متعددة كالهوية الوطنية، وصدمة الحرب وقصصها، والذاكرة. وتأتي بعض الصور المعروضة على أحد جدران المعرض، للمصور "حسن أبو نوع" ومصورين آخرين، لتكرّم مفهوم "الفنان المواطن" وتطرح تساؤلات حول العلاقة بين المصورين، الفن، الصحافة، والنشاط الاجتماعي أو السياسي.

معرض سوريا الميدان الثالث - أبو نوح

من بين الأعمال المعروضة، يعدّ فيلم بيسان الشريق الأكثر حميمية، فإلى جانب الشاشة التي يعرض عليها "ذكريات النساء” علّقت مجموعة صور لحلي وملاقط الشعر وحمّالة مفاتيح وفراشٍ ومستحضرات تجميل وغير ذلك من الأغراض التي يمكن العثور عليها في حقيبة أي أمرأة. في تركيزها على قصص النساء اللواتي تركن مع أطفالهن أرض سوريا، استطاعت بيسان أن تصوّرهن وهن يستذكرن اللحظات العالقة في أذهانهن عند مغادرة موطنهن. عندما تنظر إحداهن إلى حمّالة مفاتيح، تتذكر صديقتها التي كانت معها عندما اشترتها. فبعد أن تخاصمتا اشترتا تلك الحمّالة على شكل قلب مقسوم إلى نصفين كهدية تعبّر عن صداقتهما. أمّا مستحضر التجميل في حقيبة امرأةٍ أخرى، فيذكرها برائحة اختها التي لم تغادر البلاد معها. كلّ غرض من هذه الأغراض يذكر شخصًا بصاحبه الذي لم يستطع أن يصطحبه معه عندما غادر سوريا.

 

"إعادة حياكة سوريا” Stitching My Syria Back هو عمل فني تمّ فيه استعمال أداة عائلية لإظهار الحالة المعقّدة للوضع السوري على صعيدَيْ الأمة والمجتمع. استعمل محمد خيّاطة وفريقه ملابس السوريين والفلسطينين اللاجئين لصنع لحافٍ، والتقطوا صورًا للنازحين وهم يرتدونه. بعد مقابلة أكثر من 500 لاجئ أستطاع خيّاطة أن ينتج صورًا تجمع بين الإبداع والغرابة. في إحدى الصور، يظهر رجل في أواخر الأربعين من العمر وهو يرتدي اللحاف كسترة واقية ويقود سيارة بحالة مزرية، وفي صورةٍ أخرى، يظهر رجلٌ وهو يضع اللحاف على كتفه أثناء وقوفه إلى جانب حائط وحوله أغراضه الموضّبة داخل حقائب. صورةٌ اخرى تظهر شابًا يقف على صخرة قرب البحر وهو يحمل اللحاف بين أصابعه وكأنه شيء قذر عليه رميه.

معرض سوريا الميدان الثالث - خياطة

تعتبر علما سالم أنّ عمل خيّاطة يلخص الإبداع الجماعي للشعب السوري، وتراه تجسيداً لما هو غير مادي من تجربة جماعية مرّ بها السوريون، وتصويراً للواقع من منظور شخصي وعالمي في آن واحد.

يسعى زاهر عمرين أيضاً وراء هذا الواقع الغامض عبر عرض مشاهد للمدن السورية المدمّرة، ترافقها قصص، في فيلم مركّب من 11 فيلماً عثر عليها إمّا على موقع يوتيوب أو من بعض الأصدقاء. يحمل الفيلم عنوان "الطائر” The Bird وفيه يظهر رجل يتحدث عما قاله له طفل في السجن.

يقول الرجل : "كان هناك طائر"

فيسأله الطفل: "ما هو الطائر؟"

فيجيبه: "الطائر هو شيءٌ يطير بين الأشجار"

فيسأل الطفل: "وما هي الأشجار؟"

لا يوجد إطارٌ مكاني محدد لهذه الرواية فهي تدور بين صور ناطحات السحاب التي يحيط بها الدخان الرمادي المتصاعد والمتزايد في سماء المدينة جراء الدمار، وبين صور ألعاب الفيديو حيث يتتبع جهاز تعقب حراري رجلًا ويضعه في مرمى النار. كغيره من الأعمال المعروضة يبحث عمرين في أضرار الحرب على الإنسان، والخسائر التي تخلفها وراءها.

تقول علما سالم إنّ الهدف من المعرض هو إخبار قصص السوريين المهجرين جرّاء الحرب لمصلحة مجتمعاتهم والتاريخ: "أريد أن يهتم الناس بسوريا مجددًا وأريدهم أن يكسروا هذه الصورة النمطية التي يسعى الإعلام إلى نشرها يوميًا. أريد لزوار المعرض أن يبنوا علاقة حميمية مع الفنانين وذلك المجتمع الذي يحاولون تقديمه عبر أعمالهم. أريد للناس أن يتفاعلوا ولو مع صورة واحدة أو كلمة". لن يكون ذلك، بالطبع، تحديًا صعبًا.

يستمر المعرض حتى 18 فبراير في المجلس الثقافي البريطاني في Spring Gardens لندن، يومياً من التاسعة صباحًا حتى السادسة مساءً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image