يعرف المصريون منذ القدم بأنهم شعب "متدين بطبعه"، فاستغل الكثيرون ذلك لتحقيق مكاسب مادية خاصة تحت ستار الدين. وتبارى تجار الدين في ابتكار الحيل التي تحقق لهم الأرباح، فكان "بيزنس المساجد"، الذي يسعى رصيف22 للكشف عنه في هذا التحقيق.
الاتجار بالأراضي
من أكثر الحيل التي تستغل فيها بيوت الله حالياً، بناء مسجد على أرض زراعية، لتحويلها إلى أراضٍ للبناء فيرتفع سعرها إلى الضعفين. يقول الشيخ سيد عبود، وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد سابقاً والمستشار الحالي للوزير: "البناء العشوائي للمساجد سببه الرئيسي ضعف المحليات وفسادها، واستغلال سهولة الترخيص لبيوت الله. ويطمئن الكثيرون اليوم على عجز الدولة عن هدم أي مسجد، فيؤسسون مساجد، ويتركونها خاوية، لا تحمل من المساجد إلا الاسم. إنهم يتذرعون بها للحصول على رخصة للبناء حولها. وأحياناً لتكون ذريعة لتعيين أقاربهم في الأوقاف. علماً أن معظمها غير مكتمل البناء، وغير مجهز، وهو أقرب للزاوية، إذ لا منازل في نطاقها. كل هذا تلاعب دنيء بالعاطفة الدينية للبسطاء". ويوضح ناصر طه، رئيس مدينة المحلة الكبرى: "مدينة المحلة من أكثر مدن مصر معاناة من بناء المساجد على أراض زراعية. لدينا 187 مسجداً في المدينة وقراها، بنيت على نحو مخالف للقانون، والدوافع الدنيوية وحدها الهدف. ورغم ذلك لا نستطيع هدم مسجد واحد خوفاً من غضب الأهالي، ولو فعلنا لاُتهمنا بالكفر والضلال، وهذا ما يعلمه تجار الدين جيداً". وأضاف: "لا أنكر ضعف المحليات والأمن نفسه إذا تعلق الأمر بالدين، فوعي الناس هو الحل لتلك الأزمة، ولا بد أن يفهم المواطن أن الدين لم يكن ليقبل بالضرر". وروى عبود: "كنت في قافلة دينية أخيراً، وذهلت لوجود 20 مسجداً في قرية واحدة وسط الصحراء. أرى هذا ضرباً من الجنون والهوس بالمال والتجارة، نشتت المصلين، ونربك عمل الوزارة ونلجم قدرتها على إدارة تلك المساجد. إننا نمهد بذلك لنشر التطرف والإرهاب لعدم وجود إمام دارس، فتترك تلك المساجد مرتعاً للتيارات المختلفة". وتابع: "في قريتي مثلاً 10 مساجد بنيت على أراضِ زراعية، ويسيطر عليها أعضاء من جماعة الإخوان المحظورة، يبثون أفكارهم ويجمعون أنصاراً، ورغم ذلك لا قدرة للوزارة على وقف ذلك لعدم وجود عمالة أو أئمة". وأكد عبود: "هناك 108 آلاف مسجد وزاوية تابعة للوزارة، وأكثر من 20 ألف مسجد للأهالي، ومع هذا الكم الهائل من المساجد المخالفة وغير المكتملة، كيف تستطيع الوزارة تعيين عاملين وأئمة لهذه المساجد كلها؟ وكيف تتمكن من الإشراف على ما يدرس أو يُتداول فيها؟".تحقيق يظهر الحيل التي يستخدمها تجار الدين في مصر لتحقيق الأرباح!
من أكثر الحيل التي يستغل فيها الدين حالياً، بناء مسجد على أرض زراعية لتحويلها إلى أرض للبناء فيرتفع سعرهاوقال الشيخ محمد عيد الكيلاني، مدير عام المساجد في وزارة الأوقاف، لرصيف22: "من شروط ترخيص المساجد أن تبنى على أرض غير زراعية، كما تشترط موافقة وزارة الزراعة قبل الترخيص للمسجد، الذي يبنى على أرض زراعية، إذا دعت الحاجة لتقنين وضعه. ورغم أننا أصدرنا منشوراً يجرم البناء على أرض زراعية، أو أراضي الدولة، وضفاف الأنهار، فإن البعض يتحايل من أجل كسب المال". وأضاف الكيلاني: "أقصى ما استطعنا فعله، أننا أوقفنا ضم تلك المساجد المخالفة للوزارة، واكتفينا بتعيين أئمة لصلاة الجمعة فقط، قدر الإمكان، إذ لا قدرة لنا على الإشراف الكلي عليها أو تعيين عمال لها".
التهرب من الضرائب
يلجأ البعض إلى بناء مسجد لسهولة الحصول على ترخيص، ويسر إجراءات إمداده بالمرافق والخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي. وبعد ذلك، يؤسسون لعمارة سكنية أو فيلا أعلى المسجد، في ظل غياب الإشراف من المحليات والأوقاف، واعتماداً على رشوة المسؤولين. ويقول عبود: "هذا الفعل حق يُراد به باطل، ومن يفعله آثم. إذ يتهرب من حق الدولة في الضرائب المفروضة على كل عقار حسب المتبع. ولأنه لا يبنى لحاجة الناس إلى مكان يصلون فيه، بل لمنفعة مادية خاصة".التبرعات
يوضح الكيلاني أن هنالك 3 أنواع من طرق التبرع للمساجد. أولاً صناديق النذور الموجودة في المساجد الكبرى فقط مثل الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة، وهي صناديق محكمة الإغلاق، وتفتح بموجب محضر رسمي، وبوجود لجنة مشتركة من الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة التفتيش والإدارة المالية في الوزارة. أما في المساجد التي لها مجالس إدارات، فيتم تسليم التبرعات بإيصالات مرقمة ومختومة لضمان وصولها إلى الجهات المعنية. وفي المساجد العادية، يحل محلها صناديق التبرعات، التي تفتح أيضاً بموجب محضر رسمي، ووجود لجنة رسمية. وقال الكيلاني: "نسعى قدر الإمكان إلى السيطرة على تلك الأموال كي لا يتم استغلالها في مواضع خاطئة، أو اختلاسها بصورة أو أخرى". ويرى عبود أن تبرعات المسجد إشكالية كبرى، لا بد من التيقّن من صعوبة الحفاظ عليها من السرقة من ناحية، واستغلالها في أنشطة التيارات المشبوهة والمتطرفة من ناحية أخرى". ويقول: "صناديق النذور توفر للوزارة بين 5 و6 ملايين جنيه سنوياً، ومع زيادة الرقابة والإشراف عليها، ارتفع الرقم. وهذا مؤشر لوجود سرقات في السابق. اقتضى الأمر تعيين مشرف من إدارة التفتيش في الوزارة لمراقبة الصناديق". ويضيف: "لم تجد الوزارة بداً من تقنين الأمر، وضم تلك الصناديق إليها تحت إشراف لجان. فحتى مجالس الإدارات منها الصالح والطالح، ورغم أن إمام المسجد يفترض به الإشراف على عمل تلك المجالس، فإن قلة من الأئمة تتواطأ مع مجالس الإدارة لسرقة أموال التبرعات. فمنذ أقل من شهرين تمت إحالة إمام مسجد السيد البدوي بطنطا والعاملين معه وبعض العاملين في مديرية الأوقاف في محافظة الغربية للنيابة الإدارية لاختلاس أموال التبرعات". أما عن الصناديق التي توضع أمام المساجد وخارج أبوابها، فلا سلطة للأوقاف عليها، وهي تابعة لجمعيات خيرية دينية، تخضع لإشراف وزارة التضامن والجهاز المركزي للمحاسبات. ويقول عبود: "بالطبع كثير من أموال هذه الجمعيات لا يمكن تتبعه، والتنبؤ بالأعمال التي يُستغل بها، لذلك ناديت كثيراً بمنعها".أموال البناء والترميم
لم تسلم المساجد، شأن سائر المؤسسات في مصر، من الاختلاس والفساد المالي. فقد أثبت تقرير أرسله الجهاز المركزي للمحاسبات، مخاطباً مديرية الأوقاف في محافظة الغربية المصرية، وجود سرقة في أموال بناء وترميم 4 مساجد في مراكز بسيون وكفر الزيات والمحلة الكبرى. التقرير الذي صدر في أبريل الماضي، ونشرته جريدة الموجز الورقية، كشف العديد من المخالفات التي راوحت بين إهدار للمال العام وصرف مبالغ دون وجه حق تخطت 12 مليون جنيه في المساجد الأربعة، فضلاً عن تواطؤ المسؤولين في مديرية الأوقاف في المحافظة الوارد ذكرها، والإدارة الهندسية في الوزارة والإدارة العامة للتشييد والبناء، وتحايلهم على وزير الأوقاف والدولة لمصلحة المقاول. عدا إخفاء بيانات حقيقية وعرض معلومات غير سليمة للتحايل من أجل التكسب المادي، والتهرب من تنفيذ أحكام قانونية وبنود جزائية، وعدم تنفيذ الأعمال التوسعية أو الترميمية المتفق عليها. قيادي سابق في وزارة الأوقاف، رفض ذكر اسمه، أكد لرصيف22: "هناك مافيا حقيقية داخل الإدارة الهندسية في الوزارة، لا يهمها سوى السرقة وجني الأموال. ففي عامي 2011 و2012 مثلاً، تعاون العاملون في الإدارة مع عدد من المقاولين، لاختلاس أكثر من 50 مليون جنيه، فتعطل البناء لتأخر الدولة في صرف المستحقات للمقاولين. وتقدم الأهالي بطلب إنشاء المساجد على نفقتهم الخاصة، وتم ذلك. لاحقاً، تواطأ كبير المهندسين والمسؤول عن المحافظة، مع العاملين في الإدارة، لصرف الدفعات للمقاولين رغم عدم قيامهم بالبناء". ويضيف المصدر: "الأغرب أن تلك الجريمة فُضحت إعلامياً وبالمستندات، ولم يحرك الوزير ساكناً، بل اكتفى بإقصاء الشيخ الذي فضح هذا الفساد". واتصلنا بمحمد النجار، مدير إدارة تنفيذ المشروعات في الإدارة الهندسية، الذي نفى تماماً وجود أي احتمالات أو فرص للتلاعب، أو اختلاس الأموال المخصصة للبناء والترميم. وأنكر تماماً وجود تقارير أو مستندات عن فساد سابق.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.