إن اعتمدنا على تويتر كمعيار لقياس نجاح كليب نجوى كرم الجديد "يخرب بيتك"، سنجد أنّ الفيديو حقّق نجاحًا مقبولًا، وتداوله المعجبون بالمغنية اللبنانيّة من دون أيّ اعتراض على مضمونه.
لكن، بمعايير المنطق، فإنّ الفيديو الذي أخرجه فادي حدّاد صادم، كي لا يقال رديء، على عدّة مستويات. فمن دون أيّ مراجعة للذات، جعلت المغنيّة من أطفال السرطان ومن النازحين السوريين في أحد مخيّمات البقاع، خلفيّة لكليب غنائي تستعرض فيه أحدث إطلالاتها، على أنغام أغنية لا علاقة لها بمشاهد الشريط!
من الطريف أن يكتشف مغنّو البوب العرب "رسالة الفنّ الانسانيّة" الآن، وبهذه الطريقة، خصوصًا أنّ معظمهم لم يسبق له التلميح إلى اهتمام مماثل طوال مسيرته. ومن الطريف أن تستبدل كرم، وهي واحدة من أهمّ رموز الأغنية الشعبيّة العربيّة واللبنانيّة، إعلانات المجوهرات والسيارات والساعات في كليباتها، بدعاية مجّانية لنفسها، كمحبّة للعمل الانساني.
https://youtu.be/ZqAHE1W64xI
اكتشاف مستجدّ لـ"الانسانيّة"
أن تنشغل كرم بقضايا مهمّة، أمر جيّد، خصوصًا لما تتمتّع به من شعبيّة ونفوذ، وبالدليل أن متابعيها يحبّون كلّ ما تقدّمه، حتّى وإن جاء بغرابة "يخرب بيتك". ربما يأتي انشغالها "الانساني" المستجدّ، في إطار تأثّرها بالممثلة الأميركيّة أنجلينا جولي التي زارت مخيّمات النازحين السوريين في لبنان أكثر من مرّة، بصفتها سفيرة النوايا الحسنة في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وسبق أن أعلنت كرم عن إعجابها بعمل جولي في أكثر من مناسبة عبر حسابها على تويتر. المفارقة أنّ جولي كانت تزور لبنان في أغلب الأحيان بتكتّم، وبعيدًا عن الكاميرات، ولم يعرف عنها إقامة حفلات صاخبة في حقول القمح البقاعيّة أو الغابات المجاورة، خلال زيارتها. المشكلة أن الكليب وجد من يشيد فيه بالرغم من رداءته، وشكر الكثيرون كرم على ما قدّمته، مشيدين بعمل المخرج فادي حداد.رداءة لا تحتاج تفسيرًا
في ما يلي، أربع عناصر كافية لـ"شرح" رداءة الكليب. عناصر بديهيّة، لن تكون بحاجة إلى تفنيد وتفسير خارج كوكب "الابتذال" الراهن في "البوب العربيّ". 1- تقتحم الكاميرا في فيديو كليب "يخرب بيتك" غرفة إحدى المستشفيات، في مشهد تمثيلي. هنا، لا يعتني الممرضون والممرضات بالأطفال، بل يرقصون حول نجوى، ويواصلون رقص الدبكة وممارسة الألعاب البهلوانيّة في معظم المشاهد، بملابس العمل. 2- من المستشفى، تنتقل كرم إلى مخيّم النازحين، تلعب الكرة مع الأطفال، وترقص بجانبهم، كأنّ البؤس المحيط بها مجرّد ديكور لعمل استعراضي بعنوان "متّعوا نظركم برسالة نجوى كرم الانسانيّة، على إيقاع الطبلة والمزمار". 3- المشكلة الأساسيّة في "يخرب بيتك" أنّ جوّ الأغنية غير متناسب مع مضمون الصورة. وينضح المنتج النهائي بنرجسيّة غير متلائمة مع "الرسالة الانسانيّة" المفترضة للكليب. فكلمات الأغنية مستوحاة من عبارات شاعت على لسان كرم، خلال حلقات برنامج "آرابز غت تالنت"، مثل "يخرب بيتك حبيتك"، "لأنّك أخوت حسّيتك". لماذا تصوّره مع اللاجئين إذًا، وليس في سيرك مثلاً، أو مع مجموعة راقصين من المتبارين سابقاً في برنامج الهواة المذكور؟ 4- تنطلق فكرة الكليب من إعجاب أحد الأطفال المرضى بنجوى، واختياره صورتها كغلاف لهاتفه (وذلك حقيقيّ، فمن المعروف أنّها تتمتّع بشعبيّة كبيرة بين الأطفال). يبدأ الشريط من زاوية تتمحور حول عظمة كرم، وتأتي باقي العناصر، مثل الأطفال المصابين بالسرطان، أو النازحين، كأكسسوارات مكمّلة لميغالومانيا الفنانّة. في العادة، عندما تكون رسالة الأغنية إنسانيّة، يلجأ المخرج إلى إخفاء صورة المغنّي بشكل كامل، وعرض صور توثيقيّة تظهر القضيّة المطروحة، أو إلى تبسيط حضور المغنّي قدر الامكان، كي لا يطغى على الفكرة... 5- لم تكتفِ كرم بأن تكون محاطة بكلّ أولئك الأطفال "المساكين"، لتجذب الانتباه، بل أصرّت على أن يرافقها ممثّل وسيم بدور الطبيب والحبيب (يؤدّيه مقدّم فقرة الرياضة في أخبار mtv عماد أبي هيلا). فبعد أن تنهي مهمّتها الانسانيّة في المخيّم، تذهب مع حبيبها إلى الغابة، ليرقصا ويحتفلا.ثلاثة أسباب تخفيفيّة
بالرغم من بديهيّة الرداءة الكامنة في الشريط، يمكن أن نجد له أسبابًا تخفيفيّة، وهي بالأحرى محاولةٌ لفهم ما الذي جعل المعجبين به، يتغافلون عن عيوبه الفاضحة: 1- الأطفال (مرضى السرطان والنازحون) في الشريط بدوا سعداء حقًّا. فصحيح أنّ بعض الفنانات العالميّات زرن المخيّمات، لكنّ شهرة نجوى كرم في لبنان والعالم العربي أوسع من شهرة أنجلينا جولي، وبالتالي فلا بدّ أنّ بعضهم سعد لرؤيتها والرقص معها واللعب معها بالطابة. 2- لطالما تناولت الأغنية العربيّة القضايا الإنسانيّة بالكثير من التفجّع والعويل والألحان الحزينة، حيث يسود في الكليب الزجاج المكسور، والوجوه الدامعة. لا مشكلة ربما ببعض الفرح والرقص والدبكة. 3- اعتدنا على نجوى كرم التي تبدّل أكثر من ستّ فساتين في الكليب الواحد، وتحافظ دومًا على اتزانها ورصانتها. ولكنّها في "يخرب بيتك" تخرج قليلًا عن المألوف منها، وتلعب وتركض وتسمح لنفسها بتحطيم إطار معيّن وضعت نفسها فيه لسنوات.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...