لا يمرّ أسبوع من دون أن يثير داعية سعوديّ جدلاً على تويتر. قبل أيّام، انشغل السعوديّون والعرب بالتغريد عبر وسم #هل_تصنف_محمد_العريفي_عالم، في حملة على أكثر الدعاة شعبيّةً على الموقع. والأسبوع الماضي، تصدّر الداعية سعد البريك لائحة "الترند" في السعوديّة، بسبب سجال بينه وبين قناة "أم بي سي".
تأثير الدعاة على المجتمع السعودي ليس جديدًا، لكنّه أخذ شكلًا آخر بعد انخراطهم بالنقاش على تويتر الذي اتخذوه منبرًا لإطلاق الفتاوى أحيانًا، ولإرشاد المؤمنين أو مواجهة خصومهم أحيانًا أخرى.
أشهر الدعاة السعوديين في فضاء التغريد، هو الشيخ محمد العريفي، وكان أوّل عربيّ يصل إلى سقف المليون متابع
يتابع الشيخ عائض القرني أكثر من 13 مليون، في حين زاد عدد متابعي الداعية سعد البريك إلى 9 ملايينمطلع الألفيّة الجارية، رفعت مواطنة سعوديّة صوتها في وجه الشيخ سلمان العودة، وقالت إنّها لن تسامحه على تحريمه التصوير في التسعينيات. فتلك الفتوى جعلتها تمزّق كلّ صور أطفالها في تلك الفترة، مما حرمها الكثير من الذكريات غير القابلة للتعويض. تلخّص هذه القصّة مدى تأثير رجال الدين والمشايخ على الشعب السعودي، وحضورهم القوي في تفاصيل حياة البسطاء، وذلك بغض النظر عن الاختلاف الذي طرأ على شخصية العودة، وتراجعه عن الكثير ممّا كان يروّج له، قبل اعتقاله في العام 1994، من قبل السلطات السعودية. يتابع العودة اليوم على تويتر أكثر من 9.46 ملايين متابع، إذ ينشط عليه بشكل يوميّ، ويغرّد أفكارًا حول أهميّة الصلاة، وأصول الحياة والدين. أشهر الدعاة السعوديين في فضاء التغريد، هو الشيخ محمد العريفي، وكان من أوّل العرب الذي وصلوا إلى سقف المليون متابع على شبكة تويتر، متقدّمًا على ملكة الأردن رانية العبدالله. يتابع حساب العريفي ما يزيد عن 15 مليوناً. يشكّك البعض في أنّ العريفي يشتري المتابعين الوهميين، لكن لا يمكن إنكار أنه يحظى بشعبيّة كبيرة، وأنّه من أكثر الشخصيّات العربيّة تأثيرًا في الحياة العامّة. فبعيدًا عن العالم الافتراضي، فإن مؤلفاته من أكثر الكتب مبيعًا في السعوديّة، سواء كانت تحتوي على معلومات جديدة أو مكرّرة. العريفي هو أكثر رجال الدين السعوديين إثارة للجدل، لمبرّرات عدّة، منها أنّ البعض يجده مثالًا لرجل الدين العصري، إلى جانب تمتّعه بالوسامة في نظر كثيرين. آخر جدل واسع أثاره العريفي على مواقع التواصل كان عبر وسم #العريفي_تهور بعد تعليقاته الخادشة للحياء، أو تحرشه مازحًا بأحدهم على قناة "بداية الفضائية الإسلامية" في برنامج "زد رصيدك". ويُذكر أن أحد أبرز الجدالات التي سببها العريفي كانت لدى ذكره أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كان يُهدي الخمر ويبيعه، وذلك في تبريره عدم نجاسة الخمر والكحول، في إطار حديثه عن عدم نجاسة العطور الحديثة. أصرّ العريفي على موقفه ذلك، فأثار حفيظة الشعب ورجال الدين السعوديين، ما دفعه للاعتذار والتراجع عن رأيه. بعض الدعاة السعوديين غير ناشطين على تويتر، لكنّ الجدل حول فتاويهم يشغل العالم الافتراضي. من بين هؤلاء الشيخ صالح اللحيدان، المستشار القضائي حاليًا، والذي شغل منصب رئيس المجلس للقضاء حتى العام 2009، وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية منذ العام 1971. صرّح اللحيدان منتقداً دعوات التظاهر طلبًا للسماح للمرأة بقيادة السيارة في 26 أكتوبر 2013، وقال إنّ قيادة المرأة للسيارة تؤثر على المبيضين. الجدل حول تصريحات اللحيدان تأجّج في تويتر بين مؤيّد ومتهكّم، وانتهى إلى مناظرة تلفزيونية على قناة "روتانا" في برنامج "يا هلا"، بينه وبين الاختصاصي في الطبّ النسائي والتوليد الدكتور محمد البقنة. حقّقت المناظرة إقبالًا كبيرًا من المشاهدين، وقد أُحرج اللحيدان فيها أشد الإحراج، خصوصًا عندما طالبه البقنة بدراسة علمية واحدة تثبت صحة تأثير قيادة السيارة على المبيضين. وبعيدًا عن المناظرة فإن اللحيدان من أكثر المعارضين لقيادة المرأة للسيارة، ويُشهد له بمقولته: "أدلة الكتاب والسنة والقواعد تدل على المنع بشكل مطلق، لاعتبارات خلقية وأدبية". وبطبيعة الحال، فإنّ أثر المشايخ على الواقع السعودي لا يقتصر على المنع والتحذير والتحريم، بل قد يصل إلى التهجم وتجييش مشاعر العامة ضدّ أناس بعينهم. ولا تُنسى في ذلك قصة الشاب حمزة كاشغري، الذي كتب بعض تغريدات في المولد النبوي العام 2013، مجتزئًا إيّاها من نصٍّ أدبّي يصف فيه لقاءً حميمًا بينه وبين الرسول يوم القيامة. فُهمت تلك التغريدات بغير مقصدها نهاية الأمر، وظهر الشيخ ناصر العمر في أحد دروسه العلمية مجهشًا في البكاء، مبررًا بكاءه بأن الله ورسوله يُشتمان علانية، قاصدًا كاشغري. ومن هذه النقطة، هُيِّجت مشاعر الشعب السعودي ضد الشاب، فزجّ به في السجن قرابة سنتين. ولا يقتصر الجدل حول العمر عند هذه الحادثة، فهو القائل أيضًا بجواز "سبي نساء الشيعة، وتوزيعهنّ على المجاهدين". وهو المهاجم لمهرجان الجنادرية، المهرجان التاريخي الأضخم في السعودية، واصفًا إياه بأنه "فسق ولهو ومنع للعلماء من الدخول لنصح الناس، بل وإيقاف للمحتسبين". يتابع العمر على تويتر نحو 2.6 مليوني، ويغرّد بشكل يوميّ أفكاره في الدين والسياسة والسنّة النبويّة. ليس ناصر العمر أشرس الدعاة في تهجّمه على الآخرين، فالشيخ سعد البريك لا يوفّر أحدًا عبر حسابه الموثّق الذي يتابعه أكثر من 1.46 مليون . ينتقد البريك قنوات فضائية، وأصحاب مذاهب دينية مختلفة، ويطلق تصريحات سياسيّة. لا ينسى أحد أنّ البريك هو المطالب "بسحق جماجم المتظاهرين والخارجين ضد ولاة الأمر"، على قناة "المجد" الفضائية، مبررًا دعواه الدموية بأن "الأمن العام للبلاد أكثر أهمية من أرواح المئات". وفي الأسبوع الماضي، نشر سعد البريك استبيانًا على صفحته في تويتر، حول مجموعة "أم بي سي"، ومميّزاتها. وصوّت معظم المشاركين في الاستبيان على أنّ القناة تميّزت بالدعوة إلى "التغريب والتبرج والسفور". وكان رد القناة الفضائية على شكل تقرير تتهمه فيه بتحريض الشباب السعودي على الجهاد، والذهاب إلى مناطق الصراع، "في حين أن البريك وأبناءه منعّمون بالأمن والأمان". ووصف التقريرُ البريك بأنه "داعية الحرب"، وداعي الشباب إلى الانتحار باسم الجهاد. وبعيدًا عن التجييش والحروب، ففي العام 2012 رفعت الكاتبة السعودية سلوى العضيدان دعوى على الشيخ عائض القرني، أحد أشهر المشايخ وأكثرهم حضورًا في مواقع التواصل (13.7 مليون متابع على تويتر). واتهمت العضيدان القرني بسرقة كتابه "لا تيأس" من كتابها "هكذا هزموا اليأس"، ما سبب كثيرًا من الجدل والتهكمات. وانتهت تلك الدعوى القضائية بأن حكمت لجنة حقوق المؤلف بوزارة الإعلام ضد الداعية المشهور، وغرّمته 330 ألف ريال سعودي، ومنع كتابه من التداول في السوق السعودية. الجدير بالذكر أن كتاب سلوى العضيدان كان من تقديم الداعية نفسه. ويُعرف عن القرني كتابه الشهير "لا تحزن" الذي حقق مبيعات عالية وانتشارًا واسعًا على مستوى العالم العربي، وترجم إلى لغات عدّة. يحظى الدعاة والمشايخ السعوديون بتقدير كبير بالرغم من أخطائهم الكثيرة، ويبدو أن لا شيء قادر على هزّ مكانتهم في قلوب عامة الشعب، ومتابعيهم على تويتر. تبتعد أغلبيّة السعوديين عن ذكر مساوئ رجال الدين بحجة أن "لحوم العلماء مسمومة"، وبأن رجل الدين كغيره من الناس، يُخطئ ويُصيب، إلا أن مكانتهم الدينية عالية للحفاظ على الدين من الضياع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...