تبدو مهمة إحصاء ثروة أمراء الخليج شبه مستحيلة.
السرية في ذلك ليست السبب الوحيد، فتوسع هذه الثروات وانتشارها وتفرعها وتنوعها، بين سيولة وممتلكات، يصبح أحياناً أكبر من القدرة على استيعابه.
حتى المتخصصون في تعقب مثل هذه الثروات، وعلى رأسهم "فوربس" و"التايم" على سبيل المثال، عجزوا مع ثروة أمير قطر السابق حمد بن خليفة.
هذه المهمة تولاها حالياً فريق البحث الاستقصائي في الموقع الإلكتروني الفرنسي "ميديا بارت" Mediapart، أحد أشهر مواقع الاستقصاء، بالتعاون مع مجلة "ماريان"، بعدما حصل على مئات الوثائق السرية لثروة الأمير وزوجته الأحب الشيخة موزة.
ما استطاعت الوثائق تحديده يصل إلى 4.5 مليارات يورو، بينها 3.3 في فرنسا وحدها. يشكل هذا الرقم ضربة لمجلات الأثرياء كـ"فوربس" التي حددت ثروة الأمير بـ2.1 ملياري في وقت سابق، مع العلم أن "ميديا بارت" أشار في معرض تقريره إلى أن الجهد الذي بذله لتحديد هذا الرقم، لا يزال في بداياته، فثروة الأمير أصعب من أن تحصر.
أياً يكن، فالبحث يشير بقدر كبير من الصدقية إلى أماكن توزع الثروة المحصورة حتى الآن، بينما يبدو التبحر فيها مغرياً لكثيرين، لضخامتها من جهة وللأدوار التي تلعبها قطر من الجهة الأخرى.
تبدأ المهمة الاستقصائية بالعودة إلى العام 1995، حين كان الأمير "مجرّد مليونير متواضع" عندما تولى الإمارة، وخلال فترة الحكم التي امتدت إلى العام 2013، أثناء طفرة أسعار النفط والغاز التي جعلت من البلاد الأغنى في العالم، بذل الأمير جهوداً ضخمة لإنشاء شركات قابضة تمتلك الأصول وتحتفظ بخصوصيتها.
في الوقت ذاته، وبحسب التحقيق، لم يفرق بين الخاص والعام من أموال الدولة، ليضمن حياة غير مسبوقة من البذخ تفوق التصور.
ثروة الأمير القطري حمد بن خليفة ليست 2.1 مليار دولار كما حددتها فوربس، بل أكثر بكثير
الأمير حمد بن خليفة قد يكون تنازل عن السلطة، لكن يبدو أنه لا يزال مستحوذاً على مفتاح صندوق الثروة العائلية
مفتاح صندوق الثروة العائلية
يركز هذا التحقيق، غير المكتمل بعد بحسب معديه يان فيليبين ودوناتيان هويت، على ثروة الأمير في فرنسا، إضافة إلى نزر يسير مما تمكن من رصده في أماكن أخرى خلال عام من الجهد، من دون أن يشير إلى الثروات في أوروبا ونيويورك والقاهرة وشمال أفريقيا. وتتنوع هذه الثروة بين قصور ومزارع وفنادق وعقارات وأسطول يخوت، في حين لا تشمل الحسابات المصرفية ولا الأصول المالية ولا حتى الممتلكات في قطر. وتتوزع ثروة الأمير، الذي تنازل عن السلطة لنجله تميم في العام 2013، على عائلته المباشرة المؤلفة من ثلاث زوجات، و24 ولداً، فيما يلفت التحقيق إلى أن "الأمير قد يكون تنازل عن السلطة للأمير تميم البالغ من العمر 36 عاماً، لكن يبدو أنه لا يزال مستحوذاً على مفتاح صندوق الثروة العائلية". يحصي التحقيق 74 ملكية أميرية موزعة إلى حد ما حول العالم. ولا يبدو مفاجئاً عشق الأمير للعقارات، وأولها مخازن "لوبرينتان" Le Printemps الشهيرة في جادة هوسمان Haussmann، وخمسة فنادق في مجموعة "لاسيغال" La Cigale، وهي سلسلة الفنادق التي يديرها الأمير حمد بشكل سري. وقد خصص للاستخدام الشخصي للعائلة 18 قصراً ومقر إقامة (حوالي 1.2 مليار)، وهي تستخدم إما لأغراض العمل أو الاستجمام. وتتركز بشكل أساسي في باريس ولندن، اللتين تعدان الأكثر جذباً للعائلة، وفيها 5 في باريس و3 في لندن، ومن بينها ثلاث فيلات متصلة تطل على "ريجنت بارك"، اجتمعت لتشكل قصراً تصل تكلفته إلى 250 مليون يورو. كما اشترى الأمير لنفسه فندقاً خاصاً في نيويرك مساحته 20 ألف متر مربع، وقصراً في الريف الانكليزي، ومنزلاً مع حديقة يطل على البحر في طنجة، وفيلا ضخمة في مراكش، ومحمية صيد في بلجيكا، وقصراً محاطاً بالغابات في كان مساحته 32 هكتاراً، وقصراً آخر من القرن السابع عشر في ضاحية الملوك بالقرب من باريس. وكلها ملكيات أنفقت العائلة أموالاً طائلة لترميمها بما يتناسب مع أهواء الأسرة الحاكمة، كما حصل مع "الليسه الفرنسية" في نيويورك التي جرى ترميمها بـ120 مليون دولار، وهو مبلغ يصل إلى ستة أضعاف ثمنها. ومن أجل العطل، اشترى حمد الثاني أسطولاً من 11 يختاً، قيمته 500 مليون يورو، فإرضاء عائلة مؤلفة من 3 زوجات وأكثر من دزينتي أولاد صعب، لكنه ممكن في هذه الحالة. ويبقى يخت "قطرة" جوهر اليخوت الأميرية، ومساحته 124 متراً بتكلفة 410 ملايين يورو. المفاجأة ليست هنا، وفق المحققين، بل في أن الأمير لم يدفع ثمن اليخوت، بل فعلت ذلك خزينة الدولة، تحت بند التمثيل الديبلوماسي، فـ"لا يمكن للأمير أن يمثل بلاده، حتى في الإجازات، في قارب صغير".الاستثمارات التجارية... وغابة الأمازون
في الجزء الثاني من التحقيق في ثروة الأمير، يظهر الاستثمار في الجانب التجاري، المتمثل بـ3.2 مليارات يورو، بغية تحقيق الأرباح. وهنا قد تظهر بحسب الموقع بعض المفاجآت: نتحدث مثلاً عن 15 ألف هكتار في غابة الأمازون من جهة الباراغواي، وملعب غولف في جزيرة كايكوس في الكارييب. في المقابل، فإن معظم الاستثمارات التجارية حصرت في فنادق وعقارات في بروكسل ولندن وتحديداً في باريس، المعروفة بقانون الإعفاء الضريبي الخاص في الاستثمار. هكذا، يتساءل التحقيق هل يأتي ذلك بخدمة من "الصديق" ساركوزي الذي سن قانون الإعفاء أو بسبب ميول الأمير الفرنكوفونية، وذلك في معرض الحديث عن تركز الاستثمارات في باريس، حيث يوجد 19 مبنى تجارياً في أغنى مناطقها، ومنها قصر "إيفرو" Hôtel d’Évreux في ساحة الفاندوم Place Vendôme، وقيمته 250 مليون يورو، وقصر "كوازلان" Hôtel de Coislin الذي شيد في العام 1770 في الكونكورد Place de la Concorde، بينما اشترى الأمير 7 مبان في "الشانزيليزيه" Champs-Élysées منها صالات عرض سيارات"رينو" Renault و"سيتروين" Citroën الشهيرة. وفي مكان إستراتيجي من تلك المنطقة، يتخذ الأمير مكتبه الرئيسي خارج قطر، وتديره السيدة الغامضة شادية كلو، وهي من أصول فلسطينية، ويتولى المكتب عدد كبير من الموظفين المتخصصين في إدارة ثروة العائلة الحاكمة حول العالم، وبشكل أساسي الاستثمارات التجارية في أوروبا. وفي المعلومات الواردة أيضاً، يبلغ معدل إنفاق الأمير على الملكية الخاصة سنوياً حوالي 10 ملايين يورو في العام، فيما يبلغ الإنفاق على اليخوت حوالي 20 مليون يورو سنوياً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...