خمسة أصفار فقط، نقلت الحديث عن تجربة مؤسسي مشروع "مشاوير" في الصحف والمواقع الإخبارية من أقسام المنوعات والشباب، كأصحاب فكرة مبتكرة، إلى قسم الاقتصاد والمال باعتبارهم ملاك شركة ضخمة برأسمال تجاوز حالياً 20 مليون دولار، وذلك بعد مرور 4 سنوات فقط على تأسيسها برأسمال لم يتجاوز في مارس 2010 مبلغ 30 ألف جنيه (نحو 5 آلاف دولار حينها).
يستخدم تعبير "مشاوير" في العامية المصرية للإشارة إلى المهام الثقيلة، الضرورية والعاجلة، أي تلك المطلوب إنجازها في شوارع مزدحمة طوال اليوم، دون وقت كاف. وهذا بالضبط ما عاناه المهندس الشاب محمد وحيد (25 عاماً) عند الاستعداد لزفافه في مدينة الاسكندرية. وجد نفسه وعروسه بحاجة إلى القيام بعشرات "المشاوير" استعداداً للحفل، في وقت ضاغط، فلم يكن أمامه سوى استئجار سائق خاص للقيام بالمهام المطلوبة، ومتابعته عبر الجوال.
من هنا بدأت الفكرة. عرضها وحيد على ثلاثة من أصدقائه من أجل تأسيس شركة صغيرة تقدم خدماتها لمن يعانون من نفس الظروف التي مر بها وقت زفافه، من خلال كول سنتر صغيرة، و3 دراجات بخارية فقط. بدأ نشاط الشركة التي اختاروا لها اسم "مشاوير" وشعار "معنا الحياة أسهل". مع أول إعلان عن نشاطها، كانت الشركة تتلقى أكثر من 200 طلب في اليوم الواحد.
من الاسكندرية، توسعت الشركة إلى القاهرة، العاصمة المصرية الأكثر ازدحاماً وكثافة سكانية، لترفع رأس مالها إلى 12 مليون جنيه (نحو 2 مليون دولار) مستفيدة من الفوائض المالية الناتجة عن الأرباح، ودخول شريكين جديدين ضمن هيكل المساهمين. مع هذا التوسع، ارتفع عدد الدراجات البخارية إلى 100 دراجة، بالإضافة إلى 130 سيارة، وعشرات من مندوبي التوصيل يخدمون قاعدة عملاء تزيد على 90 ألف عميل، برأسمال يتجاوز 20 مليون جنيه، وخطط توسعية إقليمية في دول خليجية، مع اسم لامع كنموذج ناجح وسط رواد الأعمال.
كانت شهور الثورة على نظام مبارك، نهاية يناير 2011، فترة رخاء لـ"مشاوير" وفرصة لتحقيق أرباح، إذ ارتفع عدد الطلبات في ظل الاضطرابات الأمنية والمخاوف من التواجد في الشوارع، والاحتياج إلى تأمين مطالب ضرورية، يُخشى نفادها، مثل الأدوية المهمة، وطعام الحيوانات، وحتى السجائر. خدمات الشركة لا تنحصر في التوصيل من مكان لآخر فقط، فهي أيضاً تقوم بشراء الاحتياجات المطلوبة أينما وجدت وتوصلها إلى أي مكان. "هذا تحديداً ما يميز شركتنا"، يقول المهندس محمد شريف أحد مؤسسي "مشاوير"، ويضيف لرصيف 22: "لسنا مجرد "ديلفري" فمندوبونا يقومون بكل شيء تقريباً، من شراء الاحتياجات المنزلية من السوق، دفع فواتير التليفون والكهرباء والمياه، حجز تذاكر القطارات والطائرات، تجديد الأوراق الرسمية، أو حتى أخذ الحيوانات الأليفة في نزهة.
تختلف تكلفة "مشاوير"حسب المسافة ووسيلة التوصيل. يوضح شريف: "مرة طلب منا أحد الزبائن أن نشتري له باقة من الزهور ونضعها على قبر، وطلبت عميلة أخرى من أحد مندوبينا البحث عن أحد الأشخاص في نادٍ رياضي، حتى يفتح تليفونه لتتمكن من الاتصال به"!
خدمات مبتكرة
في الاستفتاء على دستور 2012، ومع الزحام أمام مقار التصويت، طلب أحد الأشخاص من الشركة إرسال مندوب للوقوف في الطابور مكانه حتى يحين دوره، في حين يجلس هو في مقهى قريب. كل ما على المندوب عمله هو الاتصال بطالب الخدمة عندما يحين دوره ليقترع. هذا الطلب ألهم مؤسسي الشركة بإضافة خدمة جديدة تتمثل في حجز دور في عيادات الأطباء. يقوم أحد المندوبين بالتواجد في عيادة الطبيب بدلاً من المريض حتى وصوله، مقابل ما لا يتعدى خمسين جنيهاً (أقل من 10 دولارات)!
أدخلت الشركة كذلك نوعاً جديداً من الخدمات، هو "الاكسبريس" أو السريع الذي يقوم على تقديم الخدمة الملحة للعميل في وقت أسرع وبقمية أكبر من قيمة الخدمة العادية، مثل توصيل جواز السفر إلى شخص اكتشف لدى وصوله المطار أنه تركه في المنزل.
أشار شريف إلى أن توصيل الأمانات والمشتريات تستحوذ على النسبة الأكبر من الطلبات، تليها إيداعات البنوك وسداد الفواتير التي ترتفع فى أوقات معينة من الشهر، بالإضافة إلى زيادة الطلبات فى المواسم المختلفة، مثل عيد الأم، وانخفاضها فى الإجازات ونهاية الأسبوع.
الاضطرابات السياسية لم تكن كلها خيراً على شركة "مشاوير"، فمع اندلاع التظاهرات ضد الرئيس السابق محمد مرسي أمام مقر رئاسة الجمهورية المعروف بقصر الاتحادية، ديسمبر 2012، وما تلاها، اختلفت الأوضاع حيث زادت وتيرة العنف وصاحبها إغلاق كثير من الشوارع الرئيسية والميادين في القاهرة.
يتابع شريف: "مع اندلاع انتفاضة 30 يونيو، وفرض حظر صارم على التجوال، تراجع نشاطنا بنسبة تصل إلى 30% واضطررنا إلى تخفيض عدد ساعات العمل. لم نعد نعمل الآن طوال الـ24 ساعة بسبب الاضطرابات، وحرصاً على سلامة مندوبينا". هذه الأحداث أيضاً دفعت الشركة إلى تجميد توسعاتها الإقليمية مؤقتاً، حيث كانت تنوي افتتاح فروع لها في أبو ظبي ودبي بالإمارات، والدوحة بقطر، وبعض المدن الخليجية الأخرى، بعد نجاح التجربة في لبنان، رغم أن النشاط في بيروت كان وفق نظام “تراخيص الامتياز” أو بيع حق الفكرة لمستثمرين يرغبون في الاستثمار في نفس التجربة، وليس كفرع يتبع إدارة "مشاوير" مباشرة.
تم نشر هذا المقال على الموقع بتاريخ 24.03.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه