"السبوع" هو الاحتفالية الرئيسة بالمواليد الجدد في مصر، ومناسبة تشهد مجموعة من الطقوس التي تجري احتفالاً بالمولود لتهيئته لمواجهة الحياة.
وتُسمّى المناسبة بهذا الاسم لأنها تجري احتفالاً بمرور أسبوع على ولادة الطفل. وتأتي في اليوم السابع لأن هذا اليوم له مدلولات ثقافية عند المصريين منذ القدم إذ كانت نسب وفاة المواليد في أيامهم الأولى مرتفعة، وكان إذا أتم المولود يومه السابع يًعتقد أنه صاحب حظ في الحياة ويتم الاحتفال به.
وتتشابه تقاليد الاحتفال بالسبوع في كل أرجاء مصر لكنها تختلف في التفاصيل، وهي تقاليد تصحبها الأغاني التراثية وبعض الأغاني الحديثة المشتقة كلماتها من الأغاني التراثية.
السبوع في صعيد مصر
تختلف طقوس السبوع في الصعيد المصري عن الطقوس الرائجة في القاهرة والإسكندرية. فلا يزال الصعيد أكثر محافظةً على الطقوس والأغاني التراثية، بحسب الدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي في جامعة القاهرة. ولخّص أبو الليل لرصيف22 طقوس "السبوع" الصعيدية في خطوات هي "حمام السبوع (مية الملايكة) وكحل السبوع (تكحيل عين المولود بكحل عربي)، تسمية المولود، تعليق البسلة (البازلاء) والأحراز، والغربلة والتخطي". وعند اختيار اسم المولود، يردّد المحتفلون أغاني مثل: سموا المولود سعد الله إن شالله يعيش إن شالله وبعد التسمية توضع سبع حبات من البسلة (البازلاء) وتُلفّ بقطعة قماش تحيكها الأم وهي تردد: جعلتك حرز ولبّستك حرز من شر العين حرز الحسن والحسين وهي كلمات تهدف إلى درء الحسد عن المولود، كما شرح أبو الليل. ثم يوضع البخور على جمر متقد أُعدّ لهذا الغرض، في المكان الذي ستتم فيه غربلة المولود (وضع المولود في غربال وهو أداة لتنقية الحبوب) وهزّه. ثم تُخلط سبعة أنواع من الحبوب الشائعة النمو في المنطقة وتوضع مع مقدار من الملح غير المجروش (الملح الصخري) في وعاء قرب رأس المولود. كما توضع خلطة مكوّنة من النقل (نوع من الحبوب) والحمص والفول السوداني في غربال ويوضع فوقها الطفل ملفوفاً بأغطية. وتبدأ القابلة أو من تقوم بالغربلة بالبسملة في حالة المولود المسلم أو بالتسمية عليه في حالة الطفل المسيحي. ثم يبدأ طقس التخطي فيوضع سكين بجوار رأس المولود الذي يوضع في الغربال، وتبدأ الأم بتخطي المولود بقدمها اليمنى ثم تعود إلى مكانها متخطية المولود مرة ثانية، وهكذا حتى تكمل سبعة أشواط، بينما القابلة تردد: الأوله بسم الله، والتانيه باسم الله، والتالته باسم الله، والرابعه بسم الله، والخامسة باسم الله، والسادسة باسم الله، والسابعة يا بركة محمد بن عبد الله. بعد ذلك، تبدأ واحدة من النساء أو الفتيات في دق "الهاون" مع هزّ القابلة الغربال بالمولود، فإعلان الوصايا والنصائح الشهيرة. علماً أن دق الهاون في المعتقد الشعبي يفتح سمع الطفل وحينذك توصيه القابلة بأن يكون مطيعاً لأمه. وقد تأخذ الوصايا شكلاً فكاهياً يتناسب مع الاحتفالية كأن يُقال [وتدق بالهاون]: اسمع كلام أمك ما تسمعش كلام أبوك اسمع كلام أختك وما تسمعش كلام أخوك اسمع كلام جدك ما تسمعش كلام جدتك اسمع كلام عمتك وما تسمعش كلام العقربة خالتك ويشير أبو الليل إلى أن السبب وراء دق الهاون هو معتقد شائع بأنه يحمي الأم وطفلها من شر الأرواح الشريرة، إذ تبتعد هذه الأرواح عند سماع أصوات قرع النحاس. بعد ذلك تقوم القابلة بهز الطفل ورفعه بين يديها ثم تعيده إلى الأرض وهي تردد: غربلة يا غربلة غربلتين وغربلة للقمحايه غربلة للفولاية غربلة للشعيرة غربلة للعدساية غربلة للرزايه غربلة للحلباية (حبّة الحلبة) غربلة وبعد هذه الغربلة تقوم الأم بالمرور فوق الطفل سبع مرات. ثم يتم توزيع "السبوع" (حلوى خاصة بالأطفال أخذت اسمها من المناسبة) على بيوت الأقارب والجيران في أطباق يحملها الأطفال ممتلئة بالترمس والفشار والفول السوداني والحمص وبعض الحبوب. ولا تعود هذه الأطباق إلى بيت أهل المولود فارغة، ولكنها تعود محمّلة بالنقود أو الخبز أو الحبوب التي هي رمز للخصوبة والخير. فهنالك اعتقاد بأنه في حال عاد الطبق فارغاً فهذا معناه فأل سيئ على أهل المولود. وشرح أبو الليل أن الحبوب العائدة في الطبق تُوزّع على جميع أركان منزل المولود، اعتقاداً بأنها ستجلب الخير، ويتم رش الملح مع الحبوب مصحوباً بأغنية: يا ملح يا مليح يا ملح يا مليح يا جوهر يا فصيح يحطوك في النار تطرقع يحطوك في الماء تسيح يا ملح دارنا عمر ديارن يا ملح دارنا كبر عيالنا كتر عيالنا وتستمر القابلة في ترداد المقطعين الأخيرين وهي ترش الملح المخلوط بالحبوب، حتى تبلغ باب المنزل فتتوقف وتأخذ طشت حمام السبوع وترش ما به من ماء أمام عتبة الدار. وأشار أبو الليل إلى أن لهذه الطقوس دلالة رمزية على الخير، ودرء الحسد، وجلب السعادة لأهل المكان. وفي نهاية الاحتفالية يدعون للمولود بالسرعة في المشي قائلين: دارج يا فلان دارج [يذكر اسم المولود] دارج يا ولد دارج دارج بين البيوت دارج على المساطب دارج وسط الغيطانالسبوع في القاهرة
أثرت الدراما على شكل السبوع وأغانيه ونقلته إلى الحياة الاجتماعية محوّلة إيّاه إلى نوع من أنواع التفاخر بالحالة المادية أكثر مما هو طقس، بحسب الباحث في الأدب الشعبي الدكتور مسعود شومان الذي أشار لرصيف22 إلى أن أغاني السبوع تختلف في الصعيد عن الإسكندرية والقاهرة برغم أن إيقاعها يكاد يكون واحداً والاختلاف باللهجات فقط. كما أشار إلى أن الطقوس تتشابه في أغلب عناصرها من حرص الأسرة على دق الهاون النحاسي في أذن المولود وغربلته في غربال وقيام أم الطفل بالمرور فوق طفلها سبع مرات. ولفت شومان إلى أن طقوس السبوع في القاهرة تغيرت عبر التاريخ وأصبحت "ديجيتال" تُستخدم فيها أحدث الأغاني والرقصات المصحوبة بالموسيقي المسجّلة. أما الأكلات فتختلف في القاهرة باختلاف الحالة الاجتماعية. ففي الأحياء الشعبية تُوزع بعض الأكلات الشعبية كالأرز بالحليب، الكسكسي باللحم، فوانيس ورقية ممتلئة بالفول السوداني والحلويات. أما الأسر الثرية فتقوم بوضع قطعة "شوكولا" مع برواز صغير فيه صورة الطفل وورقة مالية وبضع قطع من الجنيهات الذهبية وتُوزّع على الأطفال. وأشار شومان إلى أن هنالك أغاني خاصة بالمولود إن كان ولداً وأغاني أخرى للبنت ما زالت تغنّى في الأحياء الشعبية، فإذا كان المولود ولداً تغني الأم: يا ولد يا ولد تو طبللك ما ضرب (دقت طبول الفرح في مولدك) والمدينة إدردكت (وتهدّمت منازل المدينة) والغز جامت ع العرب (وهجم الأعداء على العرب) يوم ما قالو أنه ولد انشدّ ظهري واتسند وجابولي البيض مقشر وعليه سمن البلد إما إن كان المولود فتاة فتغني الأم أبياتاً كيدية: ما تفرحيش يا أم الولد (متوجهةً إلى النساء اللواتي أنجبن ذكوراً) البنت كبرت عشقته (أحبته) يجبلها بيت بحر البلد (سيجلب ابنك لبنتي منزلاً في الناحية البحرية) تحرم عليكي دخلته (ولن تدخلي هذا البيت أبداً) وتجري رقية المولود عن طريق صنع عروس (دمية) من الورق ويتم تخريمها بالإبرة سواء كان المولود ذكراً أو أنثى. وأثناء التخريم تردد القابلة (الداية) أو من تقوم بالرقية: من عين أمك، من عين أبوك، من عين كل اللي حسدوك، من عين فلان، وعين فلانة، من عين كل من شافك ما سماش ولا صلاش ع النبي.السبوع في الإسكندرية
لا تختلف طقوس السبوع في الإسكندرية عن القاهرة كثيراً من حيث الأغاني، إلا أن الاختلاف يكمن في التفاصيل بحسب الباحث في الأدب الشعبي مسعود شومان. ففي الإسكندرية لا يُحدّد اليوم السابع بل قد يكون اليوم الحادي عشر أو الخامس عشر من الولادة. وللإسكندرية شكل مميز في الاحتفال. فمنذ لحظة الولادة، توضع بجوار المولود صينية فضية بها فول وحلبة وعدس وذرة وقمح وأرز وحمص وجرجير وبقدونس، وبجوار هذه الصينية يوضع إبريق فخار إذا كان المولود ذكراً وقلة (إناء من الفخار) إذا كان المولود أنثى، وتُشعل الشموع فيها، كما يوضع سكّين. وتظل هذه الأشياء مصاحبة للمولود حتى يوم الاحتفال. فيزيّن الغربال بقماش "الساتان"، ويتكفل أهل الزوجة بمصاريف السبوع للمولود الأول. فالإطار العام للسبوع واحد والأغاني واحدة. ويرى شومان أن هنالك تحولاً اجتماعياً صاحبه تحول ثقافي. فاحتلت الأغاني المسجّلة مكان الأغاني التراثية. ولكنه يشير إلى أن الأغاني الحديثة مستوحاة من أغاني التراث المصري مثل أغنية: يا رب يا ربنا تكبر وتبقا أدنا وتعيش في صحة زيّناالسبوع في حلايب وشلاتين
تختلف طقوس السبوع في مدينة حلايب وشلاتين، في أقصي الجنوب الشرقي لمصر، فيطلق عليه "السماية" وهو يوم تسمية المولود بحسب مسعود شومان. وأشار شومان إلى أن المولود في المدينتين يظل بلا اسم حتى يوم "السماية" وهو اليوم الذي يُطلق عليه اسم المولود بعكس باقي المدن المصرية حيث يُسمّى اسم المولود منذ يوم ولادته ولكن يعلن اسمه بقوة يوم السبوع. وتختلف تفاصيل السبوع في هاتين المدينتين. فيتم ذبح جمل أو خروف بحسب الحالة الاقتصادية للقبيلة أو أسرة المولود. فيذبح جملان لو كان المولود صبياً، وجمل لو كان المولود فتاة. أما الأسر ذات الدخل البسيط فتذبح خروفين إن كان المولود ذكراً وخروف إن كان المولود أنثى، وتوزع اللحوم على الجيران تحت مسمى "كرامة المولود" مصحوبة بمشروب يسمى "الجبنة" وهو عبارة عن بن أخضر مطحون، مع ترداد الأغاني التراثية أثناء التحضير.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...