قبل أن يترشح عبد الفتاح السيسي لرئاسة مصر، اعتاد أسلوب إخفاء المعلومات عن المصريين في كلامه. ولا عجب، فهو رجل مخابرات، تربى في مؤسسة تضع السرية فوق كل اعتبار. كما أنه كثيراً ما يميل في خطابه إلى لغة وصاية واضحة. لغة لم تعد مقبولة في عصرنا الحالي، والمواقف التي تعبر عن ذلك كثيرة. إليكم 5 من أهم هذه المواقف.
بلاش نتكلم في التفاصيل ده لو سمحت
بينما كان وزير الكهرباء المهندس محمد شاكر يتحدث عن تطورات شبكة الكهرباء، قال إن هناك عناصر خرجت من الخدمة. وأشار إلى أن السد العالي خرج من الخدمة، أي توقف عن إنتاج الكهرباء. قاطعه السيسي فوراً، وقال: "بلاش نتكلم في التفاصيل ده لو سمحت"، في إشارة إلى أن خبر مثل خروج السد العالي من الخدمة لا ينبغي أن يعرفه الناس. وقد أتى ذلك في وقت يشعر المصريين بقلق شديد من انخفاض منسوب مياه نهر النيل، نتيجة بناء سد النهضة في أثيوبيا. لكن من وجهة نظر السيسي، لا يحق للمصريين أن يعرفوا المعلومات عن نقص منسوب المياه، أو عن توقف السد العالي عن توليد الكهرباء. ما يأخذنا إلى النقطة التالية.أنا ماضيعتكمش قبل كده علشان أضيعكم تاني!
في ديسمبر الماضي، تحدث السيسي عن مفاوضات سد النهضة الجارية. وقال: أعلم أن هناك قلقاً بخصوص هذا الأمر، فالمياه حياة أو موت". لكنه في الحقيقة لم يكشف عن أية معلومة. فلم يعلن مثلاً المدة اللازمة لملء خزان سد النهضة بالمياه، أو كيف سينعكس ذلك على تدفق المياه لمصر. كذلك لم يكشف عن أي خطة بين مصر وأثيوبيا للحد من انخفاض منسوب المياه. أو عن عدد المليارات المكعبة من المياه التي من المتوقع أن تحصل عليها مصر خلال فترة ملء الخزان أو بعدها. على العكس، كان خطاب الرئيس خالياً تماماً من أي معلومة، وأقرب للكلام العاطفي منه إلى الخطاب السياسي. فقال: "كل الخير إن شاء الله"، و"أنا مضيعتكوش قبل كده علشان أضيعكم تاني" وكررها مرتين. تكرر الأمر في جلسة افتتاح البرلمان، حين سأله أحد الأعضاء أكثر من مرة وبصوت عال: "هنعمل إيه في سد النهضة؟". لكنه تجاهل سؤاله تماماً واستمر في خطابه. كان للخطاب معنى واضح، أنا أعرف ماذا أفعل وليس من حق أحد التدخل أو حتى السؤال. كان خطاباً من وصي إلى أطفال، وليس من رئيس منتخب لمن انتخبوه. فالرئيس المنتخب، وكيل لناخبيه، ومن واجبه أن يقدم لهم المعلومات بدقة. لكن خطابه حمل نبرة واضحة، تقول: أنتم لا تحتاجون أن تعرفوا أي معلومة. فقط ثقوا بي وأنا سأحل كل المشاكل. وهذا يأخذنا للنقطة التالية.ماتسمعوش كلام حد غيري!
في فبراير الماضي، وأثناء كلمته في مسرح الجلاء، قال جملته الشهيرة: "ماتسمعوش كلام حد غيرى". بدأ كلامه بـ"أنا عارف مصر وعارف علاجها زي ما أنا شايفكم قدامي كده.. أنا راجل لا بكدب ولا بلف وأدور ولا لي مصلحة غير بلدي، بلدي وبس! وكمان أنا فاهم أنا بأقول إيه". وأضاف: "دول 90 مليون وأنا مسؤول عنهم قدام ربنا. عايزين تخلوا بالكم منهم معاي، أهلاً، مش عايزين، يبقى تسكتوا!" كان هذا من أكثر الخطب التي كشفت منطق السيسي، فهو يظن أنه وحده الذي يفهم كل مشكلات مصر وعلاجها. وأن على معارضيه أن يصمتوا، لأنهم لا يفهمون ولا يرون الأمور كما يراها هو. فهو يري نفسه طبيباً وفيلسوفاً، كما قال في أحد خطبه.الموضوع ده منتكلمش فيه تاني، أنتم بتسيؤا لنفسكم!
في لقاء السيسي بممثلي المجتمع المصري في أبريل الماضي، وكان عقد لنقاش قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. قال السيسي: "أرجو أن الموضوع ده منتكلمش فيه تاني، أنتم بتسيؤا لأنفسكم". وأضاف أن البرلمان سيناقش الاتفاقية، وبالتالي لا داعي أن يتم أي نقاش مجتمعي حول الأمر، معللاً ذلك بأن النقاش يعني الشك في مؤسسات الدولة. اللافت أن الاجتماع الذي كان يفترض أن يكون جلسة حوار، تحول إلى خطاب منفرد للسيسي، الذي لم يسمح فيه بالنقاش. حتى أنه نهر البرلماني محمد كلوب، الذي حاول أن يتحدث وطالبه بالسكوت، قائلاً: "لو سمحتم أنا ماديتش الإذن لحد أنه يتكلم"، كأنه يصر أن يظل الخطاب منفرداً من دون سؤال واحد من أي من الحضور! وتابع كلامه في وصلة أشبه بوصلات الرومانسية العاطفية بين العشاق، مخاطباً الشعب المصري: "أنا لم أخذلكم ولم أتخلّ عنكم وأطالبكم أن تعاملوني بالمثل". متجاهلاً أي حوار حقيقي يشمل الرأي الأخر أو تقديم حقائق واضحة حول أحقية السعودية في ملكية الجزيرتين.البرنامج الانتخابي وانعدام المناظرات
أسلوب السيسي في تعمد إخفاء التفاصيل بدأ منذ أن كان مرشحاً. فبالرغم من أن الانتخابات الرئاسية لم ينافسه فيها إلا مرشح واحد فقط، هو السياسي الناصري حمدين صباحي، لم تحدث مناظرة سياسية واحدة بين المرشحين. علماً أن صباحي طالب بهذه المناظرة عدة مرات، لكن السيسي تجاهله. اللافت أكثر، أن السيسي لم يقدم برنامجاً انتخابياً للناخبين، بل اعتمد بشكل أساسي على دوره في إسقاط الأخوان، بعدما استحضر فيه شخصية المنقذ البطل في الوعي الجمعي لدى المصريين. فكان كثيراً ما يتحدث عن ذلك عندما يُسأل عن البرنامج الانتخابي، وفي أحد اللقاءات، قال: "مقولتوليش كده ليه قبل ما أسيب الجيش؟". بمعنى أن المصريين طالبوه بالترشح، فهو غير مطالب بتقديم برنامج انتخابي مثل بقية المرشحين في أي انتخابات أخرى. ويبدو أن السيسي كرجل عسكري، يؤمن أن على الشعب أن يطيع وينفذ أوامر القيادة من دون سؤال. لكنه ينسى أن مصر دولة وليست معسكراً، والمصريين شعب كبير ومتنوع وليسوا جنوداً في كتيبة!رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين