لطالما كان المقهى ملاذ الكثير من المصريين، الدخان المتصاعد من الشيشة والمشروبات الساخنة، يشيران إلى حالة من الاسترخاء والهدوء. هنا وقت الراحة وعدم التفكير للبعض، والتفكير بهدوء للخروج بأفكار مبدعة للبعض الآخر.
ومع تصاعد القبضة الأمنية في مصر، تحول المقهى أو القهوة، كما يطلق عليه المصريون، إلى مكان غير آمن يلقي الأمن القبض فيه على معارضي النظام، من كتاب وشعراء، وسياسيين، وصحافيين.
وطوال الأسبوع الماضي، ألقت الشرطة المصرية القبض على نشطاء سياسيين وكتاب ومؤلفين وأعضاء في أحزاب سياسية. تزامناً مع الدعوة للتظاهر يوم 25 أبريل، ذكرى تحرير سيناء، غضباً من تسليم السلطة الجزيرتين للسعودية، تكررت حالات القبض بهذه الطريقة على مدار سنوات طويلة.
لإحكام القبضة الأمنية على زبائن القهوة المثقفين، كان لا بد من خطة منظمة من الأمن، يكون أصحاب المقاهي والنُدل طرفاً أساسياً فيها للقبض على معارضي النظام السياسي. فتعاون هؤلاء مع الأمن، لإبلاغه بالمعلومات عن الزبائن الذين يتحدثون في السياسة من وجهة نظر معارضة للسلطة الحاكمة، وفي لحظة ما يصبح المعارض محاصراً في المقهى، ثم يحصل على لقب معتقل.
صاحب المقهى في مصر يسمى "مَعلم"، وكثير من المعلمين تحولوا إلى مخبرين، بعضهم يخشى غضب الأمن وتأثير ذلك على نشاطه ولقمة العيش. والبعض الآخر يستغل ذلك في تحقيق أغراض أخرى تجلب له المال بطريقة غير مشروعة، وهو في حماية الأمن، الذي يقدم له خدمات جليلة للحفاظ على النظام السياسي القائم، وتحجيم أي نشاط نحو التغيير.
تجنيد العاملين في المقاهي
يقول المعلم عمرو، صاحب مقهى في منطقة وسط البلد، إن تحول أصحاب المقاهي والعاملين فيها لمخبرين سريين لمصلحة الأمن. بدأ يأخذ شكلاً تنظيمياً في عهد وزير الداخلية الأسبق، حبيب العدلي، والتي كانت سياساته القمعية أحد الأسباب الرئيسية لثورة المصريين في 25 يناير وسقوط نظام العدلي ورئيسه مبارك.
وأضاف أنه اكتشف قبل ثورة يناير أن العاملين في القهوة، يتعاونون مع الأمن، ويقدمون له معلومات عن زبائن القهوة الواقعة على بعد أمتار من ميدان التحرير، مكان اندلاع ثورة يناير.
تأكد عمرو من هذه المعلومات، بعد القبض على مجموعة من الشباب عن المقهى بطريقة مريبة وغير طبيعية، تشير إلى وشاية قادت هؤلاء نحو جدران السجن. كان ذلك قبل اندلاع ثورة يناير بشهور.
وأضاف أن تجنيد العاملين معه في المقهى جاء بعد رفضه هو شخصياً التعامل مع الأمن، واصفاً هذا الأسلوب بالرخيص. موضحاً أن ضابط شرطة لفق له قضية بعد رفضه التعاون معه، وأغلق بسببها المقهى لعدة أشهر، قبل أن يعود لمزاولة نشاطه بعد هدوء العاصفة الأمنية ضده.
ويضيف: "قبل زمن حبيب العدلي، كان المخبر الذي يعمل في جهاز الشرطة، يأتي للقهوة لجمع المعلومات بنفسه، من خلال التردد اليومي، وكان التعاون بين الأمن وأصحاب المقاهي، في أضيق الحدود". ويوضح: "لكن مع زيادة عدد المقاهي، وزيادة الحراك السياسي في مصر عام 2005، بدأ الموضوع يأخذ شكلاً تنظيمياً لضمان السيطرة على أصحاب الأصوات المعارضة، ودخل أصحاب المقاهي والعاملون بها دائرة جمع المعلومات والتجسس على الزبائن".
خوفاً من بطش الشرطة أو طمعاً بالحماية
أما طاهر، الذي كان يملك مقهى في قلب ميدان التحرير قبل ثورة يناير، وأغلقه بعد الثورة بسبب كثرة الاضطرابات في الميدان، يقول: "طريقة تجنيد أصحاب المقاهي والعاملين بها كانت تتم من خلال ضباط المباحث وأمناء الشرطة العاملين معهم في هذا القطاع داخل وزارة الداخلية". ويضيف: "يدخل الضابط ومعه الأمين مرتدين زياً مدنياً خشية لفت الأنظار، ويجلسان في المقهى لبعض الوقت. ثم يطلب الضابط صاحب المقهى ويطلب منه التعاون الأمني، ورصد كل من يتحدث في السياسة داخل المقهى، وهذه الطريقة مستمرة حتى وقتنا هذا".
ويؤكد: "غالبية أصحاب المقاهي والعاملين فيها كانوا يوافقون على طلبات الأمن خوفاً من بطشهم، وحين تحدث عملية ملاحقة لأحد المعارضين داخل القهوة، ينفي القائمون عليها علاقتهم بالأمر حتى لا تخسر القهوة زبائن ليس لهم علاقة بالسياسة، لكنهم يرفضون هذه الطريقة الرخيصة التي يصنعها الأمن لضبط المعارضين".
ويضيف طاهر أن تعامل صاحب المقهى مع الأمن يمنحه حصانة ضد بطش الشرطة، ما يعد مدخلاً للقيام بأعمال أخرى غير قانونية تجلب له أمولاً طائلة، مثل الاتجار في الحشيش. وكان الأمن يغض الطرف عن هذا النشاط الإجرامي، ولا يلقي القبض على صاحب المقهى أو العامل فيها، بعد أن تحول إلى "ديلر" حتى لا يخسر الجهاز الأمني عميلاً مهماً. وتذهب المعلومات التي يدلي بها المالك او العامل إلى جهاز أمن الدولة، الذي تغير اسمه بعد ثورة يناير، إلى جهاز الأمن الوطني الذي عاد لممارسة السياسات القديمة نفسها، بعد فترة هدنة عقب الثورة مباشرة، ساعد فيها الغضب الشعبي الكبير تجاه جهاز الشرطة، وانهيار الجهاز نفسه، وعدم قدرته على القيام بأعماله. لكنه استعاد قوته مع صعود نجم المشير عبد الفتاح السيسي وانتخابه رئيساً للجمهورية، عقب دعمه الكبير لجهاز الشرطة.
وقبل عام أغلقت الشرطة المصرية مجمعاً للمقاهي، في جوار مقر البورصة المصرية في منطقة وسط البلد بالقاهرة، وكان نشطاء سياسيون ومثقفون يتجمعون على هذه المقاهي، التي تمت مداهمتها أكثر من مرة قبل إغلاقها. ونظراً لاتساع مساحة هذه المقاهي، كان يصعب السيطرة عليها أمنياً وجمع المعلومات، فأغلقتها لدواع أمنية، خصوصا أن هذه التجمعات قريبة جداً من ميدان التحرير، وجهة كل الراغبين في التظاهر والاحتجاج.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ 6 أيامشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ اسبوعينSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع